فرقة النبّاشين بقيادة ماهر الأسد

ماهر الأسد / شقيق الرئيس الرئيس السوري بشار الأسد
ماهر الأسد (وكالات)

مهنة "النبّاش" مهنةٌ قديمةٌ ارتبطت عبر التاريخ بتحقيق الثراء لأصحابها الذين يعملون بأبسط الأدوات وأرخصها ليحصلوا في النهاية على أموال تحسّن وضعهم الاجتماعي.

الأداة الرئيسة للنبّاش في العصور القديمة كانت تمتُّعه بالقوة الجسدية، وارتبطت أحيانًا بحبّ الاستكشاف، وهذه كانت بحاجة إلى قوّة القلب وعدم الخوف من اقتحام المخاطر والمجهول.

تبدأ حكاية النبّاشين بالبحث عن الكنوز. فمنذ الأزل سعى الإنسان إلى نبش الأرض، وخوض أعماق البحار للبحث عن الذهب، والمجوهرات والأحجار الكريمة، مما يوفّر له الثراء ويحقّق له الحياة السعيدة، إذ معظم الناس ربطوا السعادة بالمال قبل ظهور الاشتراكيّة والعزف على وتر الحياة البسيطة التي ترضَى فيها النساء بخيمة، وبضع حبّات بطاطا وزيتون وحصير تنام عليه! على رأي "الصبوحة" في أغنيتها: "على البساطة البساطة".

النبش في المقابر

انتشرت مهنة نبش القبور بين الفقراء في مرحلة زمنية كان الناس يزيّنون أسنانهم بتلبيسة من الذهب. لم تكن تلك المهنة مفيدة، إذ كثيرًا ما يخرج النبّاش بسنٍ ذهبية واحدة من القبر لا يكفي ثمنها لمصاريف الحياة لمدة زمنية قصيرة.

في قرية بسامس التابعة لمحافظة إدلب تلٌّ رماديٌّ فيه كهف، تحكي أسطورة أنّ النبي أيوب كان يعيش عزلته هناك، وأنّ بركانًا ثار في هذا المكان فمدّ يده المباركة، وأطفأ البركان، وتجمّعت المياه في الأسفل.

سادت فكرة لدى الناس البسطاء أنّ الدود الذي كان يأكل جسده حين سقط على الأرض تحوّل إلى مَرجان وعقيق. وقد استُنفر سكّان تلك المنطقة بعد تلك الحكاية التي نشرها بينهم بدويٌّ ممن يفتحون الفأل ويقرؤون الكف، وكان قد نثر بعض الخرز الرخيص في المكان ليوهم الناس أنّ هناك في عمق التراب كَنزًا حقيقيًا. يجعلهم يخوضون في الوحل، ويمرضون فيكتب لهم أحجبة للشفاء!

البحث عن الكَنز

كثر يبحثون عن الكنوز، في البحر يعتقدون أنّ القراصنة الذين غرقت سفنهم يومًا ما كانوا يملكون الكثير من الكنوز. وفي مدافن الملوك وأهرامات قرية البارة، وفي مناطق أثرية كثيرة جعلت الدولة تلحظ تلك الأماكن، وتمنع الناس من الحفر فيها.

في الثمانينيات ظنّ بعض سكّان درعا أنّهم بعيدون عن أعين السلطة، وأثناء حفرهم عثروا على كنز حقيقي، وبالطبع وصل الخبر للسلطة في حينها ممثلة بالوريث باسل الأسد الذي كان مهيمنًا على المناطق الأثرية في سوريا، إثر ذلك تمّ وبصمت اعتقال هؤلاء النباشين، وطارت الحكاية بين الناس، تناقلوها سرًّا وهمسًا، إذ لم يكن أحد يجرؤ في ذلك الوقت على رفع صوته بالحديث في أيّ شأن له علاقة بملفات "الدولة"، وعلى عهدة أحد أبناء درعا فقد حضرت لموقع الكنز طائرة هليكوبتر، وحملت الكنز كاملًا، وطارت.

وفي الفترة الزمنية نفسها تجرّأ أشخاص من أريحا على الحفر، ووجدوا كنزًا دفعوا ثمنه أيامًا من الاعتقال، ضربوا على عدد الليرات الذهبية التي وجدوها، ووضعت مديرية الآثار يدها على كلّ الأماكن الأثرية في البلدة التي يعتقد أنّها تحتوي كنوزًا حقيقية خاصة الأسواق التي ردمها الزلزال، فقد تعرضت أريحا عبر تاريخها إلى زلزال مُدمّر دفن المدينة بأكملها، وعاد الناس إليها وبنوها من جديد.

نبّاشو عهد الثورة السورية

ظهرت مهنة سرقة الآثار مع بداية الثورة، وتزعّمها ابن رفعت الأسد الذي جاء إلى سوريا في ذلك الوقت ونهب ما استطاع ونقله إلى بريطانيا، ثمّ إلى أميركا حيث بيع هناك.

وللنباشين طبقات:

الطبقة الأصغر لم تكن تعتمد على سرقة الآثار التي هيمن عليها آل الأسد والمقربون من النظام فاستبدلوا مصطلح النبش بالتعفيش، اعتمد العساكر على تعفيش البيوت بعد قتل أصحابها، أو تهجيرهم، أو حتّى أثناء وجودهم في البيت.

وظهرت الأسواق المعروفة "بسوق السنة"؛ لأنّ المسروقات كانت من بيوت المسلمين السنة تحديدًا، فهم الذين قُتّلوا وهجّروا، ودُمّرت بيوتهم وأحياؤهم السكنية منذ بداية الثورة. وكان علويو حمص أوّل من افتتح أسواق السنة، وأوّل من أعلن عن تحويل أحياء حمص السنية إلى أرض خالية سيزرعونها في المستقبل "بطاطا".

بعد تعفيش البيوت لم يعد هناك مصدر رزق لجيش النباشين الأسدي، فصاروا يعودون إلى البيوت المقصوفة ليهدموا الأسطح، ويسحبوا منها الحديد، كما سحبوا أسلاك الكهرباء من الجدران، وأنابيب التصريف الصحي من أرضيات البيوت.

الدمار الذي خلّفه الأسد في المدن المنكوبة، والانهيار الاقتصادي، والجوع الذي قرض أمعاء البشر جعل مهنة النباشين تظهر للوجود بشكل لافت للنظر، مما دعا شرطة دمشق للتحرك لإيقاف عمل هؤلاء وانتشارهم في المدينة.

والنبّاشون اليوم ينبشون في القمامة، يفرزونها، ويبيعونها، ويحصلون على مبالغ مالية أكبر من راتب موظف في الدولة، وهذا السبب الذي جعل عين السلطة تضيق عليهم.

ومهنة نبش القمامة معروفة في كلّ دول العالم، وإن كانت النظرة إلى العاملين فيها نظرة فوقية ومترفّعة إلا أنّ الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد أسرعت للسيطرة على الوضع، ومنعت الشرطة من التدخل، وقادت حملة "النبّاشين" في البحث داخل القمامة المفيدة.

لا شكّ أنّ الفائدة كبيرة من وراء هؤلاء الفقراء الذين يعملون في هذه المهنة نساءً وأطفالًا ورجالًا. وفي السيطرة على مهنتهم المزيد من القمع، وسحق تلك الفئة من البشر المسحوقة سلفًا والتي وجَدت في تلك المهنة ما يعينها على تأمين لقمة العيش.

لكنّ آل الأسد لن يتركوا للشعب شيئًا يعيش منه على كلّ المستويات، والأمر ليس حديثًا، بل هو قديم منذ تسلّم "النبّاش الأوّل" الحكم في سوريا، وأورث المهنة لأولاده، لكنّها حين وصلت إلى ماهر صارت الأيام في أواخرها، فغرق في "القمامة" إذ لم يبقِ له والده ومن بعده شقيقه باسل ومن بعده شقيقه بشّار سوى قيادة فرقة النبّاشين "الرابعة"، وتحديد سلطته ومصدر رزقه داخل حاويات القمامة.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.