أزمة طالبي اللجوء..عُمدة نيويورك يستغيث وبنما تردّ

يعبر المهاجرون نهر تشوكوناك بعد المشي لمدة خمسة أيام في دارين جاب، في قرية باجو تشيكيتو، مقاطعة دارين (وكالات)

على إثر إطلاق عُمدة نيويورك صيحة فزع بشأن تراكم عدد طالبي اللجوء والمهاجرين غير النظاميين، وقوله إن المدينة عجزت تماما عن استيعاب أعدادهم القياسية، أعلنت السلطات الرسمية في بنما، الجمعة الماضية، عن قرارات غير مسبوقة، تخصّ المهاجرين غير النظاميين القادمين من أميركا الجنوبية، عبر غابة "دارين"، الحدودية مع كولومبيا، والتي تمثّل النقطة البرية الوحيدة التي تربط الجزء الجنوبي من القارة الأميركية بشماله، ويتخذها المهاجرون غير النظاميين جزء لامفرّ منه، في خط سيرهم نحو الولايات المتحدة.

لطالما كان موضوع الهجرة غير النظامية وطلبات اللجوء قضية بالغة الأهمية بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية. إذ بات يُشكل كابوسًا يراود الحكومات المتعاقبة في أوقات اليقظة والنوم، محتلًا مكانًا كبيرًا في الحملات الانتخابية وله تأثير كبير على نتائجها. وبالرغم من الدور الأساسي الذي تقوم به المكسيك في مراقبة الحدود الجنوبية للولايات المتحدة، فإن بنما تلعب دورًا مماثلًا كحارسة للحدود الجنوبية للقارة الأميركية. فهي تُراقب الجموع الكبيرة من المهاجرين القادمين من مختلف القارات، الذين يحلمون بعبور 6 دول في أمريكا الوسطى برًّا، بهدف الوصول إلى الولايات المتحدة، سواء كان ذلك بالتسلل أو بالتفاوض مع إدارة الهجرة الأميركية.

حذر عُمدة نيويورك، من الحزب الديمقراطي إريك آدامز، وهو الذي قال إن الارتفاع المُذهل لعدد طالبي اللجوء "سيُدمّر المدينة"، حيث استقبلت حوالي 110 آلاف في الـ17 شهرًا الماضية

ما أثار القضية بشكل ملحوظ الخميس الماضي، هو التحذير الملح من عمدة نيويورك من الحزب الديمقراطي، إريك آدامز، حيث أوضح أن الزيادة الكبيرة في عدد طالبي اللجوء قد "تهدد استقرار المدينة". إذ استقبلت المدينة حوالي 110 آلاف طالب لجوء خلال الـ17 شهرًا الماضية، واستطاعت إيواء حوالي 60 ألفًا منهم بفضل استخدام مقرات حكومية واستئجار فنادق، وتمكين أكثر من 16 ألف طفل من الانضمام إلى مدارس المدينة. ومع ذلك، أكد العمدة أن المدينة بلغت حد القدرة على تلبية احتياجات هؤلاء الأشخاص. وعلى الجانب الآخر، استمرار الولايات الجمهورية كتكساس وفلوريدا في نقل طالبي اللجوء بشكل تعسفي إلى ولايات ديمقراطية مثل نيويورك وواشنطن وكاليفورنيا، بهدف تحميلها الأعباء المترتبة، أدى إلى تعقيد الوضع أكثر.

أشار آدامز إلى أن تكلفة استقبال هؤلاء بلغت 5 مليارات دولار في السنة الجارية، وهو ما قد يؤثر سلبًا على مختلف الخدمات العامة في المدينة. وقد طالب آدامز الإدارة المركزية بتقديم دعم مالي للمدينة لتخفيف العبء عنها. ولكن الخلاف بين آدامز والرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي ظهر منذ أشهر بخصوص هذه الأزمة، انكشف مؤخرًا للعلن، مما أبرز مشكلة الحزب في التعامل مع الأزمة. وتسعى الحكومة، في ضوء تطلعاتها للفوز في انتخابات 2024، لإيجاد حل فوري يرضي الناخبين المنزعجين في نيويورك وأولئك الذين يتعاطفون مع المهاجرين. ما يثير الانتباه هو أن جنسيات طالبي اللجوء في السنوات الأخيرة كانت، في المقام الأول، من فنزويلا وهايتي، لكن ظهرت جنسيات أخرى مثل الإكوادور وبلدان غرب أفريقيا والهند وأفغانستان وروسيا والصين، وذلك لأسباب اقتصادية وسياسية.

ما يبعث على الاهتمام بظاهرة عبور غابة دارين في السنوات الأخيرة، هو الارتفاع اللافت لأعداد الأطفال، حيث كشفت إحصائيات منظمة اليونيسيف أن 60 ألف قاصر عبروا الغابة هذا العام، منهم 90% أعمارهم دون 11 سنة

في اليوم التالي لتصريحات عمدة نيويورك، أفاد وزير الأمن البنمي، خوان بينو، أن عدد المهاجرين غير النظاميين الذي وصل إلى 352 ألفا خلال الأشهر الـ8 الأولى من هذا العام يشير إلى أزمة إنسانية. وأكد أن بنما لا تستطيع تحمل الأمر بمفردها. وفقا لتصريحاته، قررت السلطات المحلية تقليل مدة تأشيرة البقاء التي كانت تُمنح للسياح من 90 يومًا إلى 15 يومًا، في حالة عدم وجود تذاكر عودة إلى دولهم الأصلية أو في حالة عدم امتلاكهم المبالغ الكافية التي تغطي إقامتهم. وأعلن عن بدء ترحيل السياح الذين لديهم سجلات جنائية. وقد أشار بينو إلى أن قلة القدرة على نقل هؤلاء المهاجرين إلى كوستاريكا نتيجة لعجز أسطول النقل البري أدت إلى تعطيل تدفقهم، مما أدى إلى بقاء حوالي 250 ألف مهاجر داخل البلاد في انتظار وصول الحافلات. وعلى هذا الأساس، أعلنت إدارة الهجرة في بنما عن خططها لبدء ترحيل هؤلاء المهاجرين تدريجيًا إلى دولهم، وقد تم التعاقد مع شركات الطيران المخفضة الكلفة لتسهيل عمليات الترحيل.

ما يلفت النظر في ظاهرة عبور غابة دارين خلال السنوات الأخيرة هو الزيادة الملحوظة في أعداد الأطفال. وقد أظهرت إحصائيات من منظمة اليونيسيف أن 60 ألف طفل عبروا هذه الغابة في العام الحالي، حيث تتراوح أعمار 90% منهم تحت الـ 11 سنة. وتشير التقارير إلى أن سبب اصطحاب الأطفال، خصوصًا بين العائلات اللاتينية، يمكن أحيانًا أن يكون من أجل ضمان الحصول على أولويات خلال مراحل الرحلة، مثل الإيواء في الولايات الأميركية الديمقراطية أو الحصول على مقاعد دراسية في المدارس الابتدائية بها.

مهما كانت التحديات المتوقعة بشأن مسارات الهجرة غير النظامية في القارة الأميركية، ومع ما قد يخاطر به الباحثون عن الحلم الأميركي من خسائر، تظل غابات "دارين" في بنما من أخطر المحطات، وذلك بحسب المنظمات الحقوقية التي وثقت تجارب مؤلمة للعديد من هؤلاء المهاجرين. يُطلق البعض على هذه الغابات ألقابًا مثل "غابات الجحيم" أو "أدغال الموت"، وذلك بسبب تضاريسها الوعرة وهيمنة المافيات التي تتخصص في التهريب والابتزاز والاتجار بالأشخاص على مناطقها. هذه الغابات، الموجودة في بنما وعلى حدودها مع كولومبيا من الجنوب، تتميز بغاباتها الكثيفة والشجرة الطويلة، وأنهارها المتعددة الفروع، وطبيعتها الطينية التي أودت بحياة الكثيرين، بالإضافة إلى أنها موطن للحيوانات المفترسة والحشرات السامة. ومع كل تلك المخاطر، تظل هذه الأدغال هي المكان الذي يسعى إليه الكثيرون الذين لا يستطيعون الحصول على تأشيرات دخول دول أميركا الوسطى، كوسيلة لتقصير المسافة في رحلتهم البالغة 3,000 كيلومتر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.