هل يؤدي الحوار الوطني في مصر إلى إلغاء قانون "الكيانات الإرهابية"

BLOGS الشرطة المصرية 11
الأمل معقود على تغير الأوضاع التي أدت إلى صدور القانون، مع تواصل جلسات الحوار الوطني الذي يهدف إلى فتح المجال العام (مواقع التواصل الاجتماعي)

في عام 1978، أصدر الرئيس المصري الراحل أنور السادات مجموعة من القوانين، بعد تزايد المعارضة الشعبية لحكمه عقب قرار التطبيع مع إسرائيل الذي أدى إلى مقاطعة العديد من البلدان العربية لمصر. وهذه القوانين هي "حماية الجبهة الداخلية والسلام الاجتماعي"، وقانون "حماية القيم من العيب"، وقانون "المدعي العام الاشتراكي".

وقد منحت تلك القوانين صلاحية واسعة لملاحقة الأفراد، أو منعهم من خوض الانتخابات، أو تجميد أموالهم، أو ربما سجنهم، إلى أن صدرت قرارات بإلغائها، فأُلغيَ الأول في أكتوبر/تشرين الأول 1994، والثاني والثالث في مايو/أيار ويونيو/حزيران 2008.

مواد قانون الكيانات الإرهابية

اليوم ونحن في خضم الظروف المتغيرة التي أعقبت أحداث يناير/كانون الثاني 2011 وأحداث يونيو/حزيران 2013 صدرت مجموعة من القوانين تشبه القوانين سالفة الذكر، ولعل أكثرها شدة وضغطا على المجتمع هو قانون الكيانات الإرهابية رقم 8 لسنة 2015 المُعَدَّل بالقانون 14 لسنة 2020.

يتألف هذا القانون من 10 مواد:

  • الأولى، تتناول تعريف المفاهيم الواردة بالقانون.
  • والثانية، عن اختصاص النيابة باعتبارها الجهة المسؤولة عن إدراج المشتبه بهم في قائمة الإرهاب.
  • والثالثة، عن دور المحكمة في نظر التظلمات من قرارات إدراج المشتبه بهم سنويا.
  • والرابعة، تنص على مدة 3 سنوات لإبقاء المشتبه به في القائمة إلا إذا رفضت المحكمة طلب إدراجه، أو طلبت النيابة تجديده مدة أخرى.
  • والخامسة، تتعلق بإعلان أسماء المشتبه بهم في جرائد رسمية.
  • والسادسة، تنظم طعن ذوي المصلحة أو النيابة في قرارات المحكمة.
  • والسابعة، لآثار إدراج المشتبه به في قائمة.
  • والثامنة، لإجراءات التصرف في أموال المشتبه بهم المجمدة.
  • والتاسعة، للتعاون بين مصر والجهات الدولية فيما يتعلق بكل ما يخص إدراج المشتبه بهم وتبعاته.
  • والعاشرة، تحدد تاريخ بداية العمل بالقانون.

إشكاليات قانونية

ولعل قارئ مواد هذا القانون يلاحظ من الوهلة الأولى أنه كغيره من القوانين الاستثنائية استخدم تعبيرات غامضة ومصطلحات مبهمة، تستحضر مفاهيم واسعة ذات معان متعددة ومختلطة، مما يوقع السلطات المخاطبة بأحكامها في حيرة، ومن ثم يتسم حكمها وتقديرها للمواقف بعدم الموضوعية.

الإشكالية الأخرى التي تحوم حول هذا القانون، هي أنه يفرض عقوبة من دون إدانة، فيقع بذلك في مخالفة دستورية. صحيح أن تلك العقوبات احترازية، لكنها تولد آثارا فورية وآثارا آجلة، توقع من يتعرض لها في مشكلة كبيرة تخص وضعه في المجتمع، وهو ما يتعارض مع الضمانات التي أتى بها دستور 2012 المُعَدَّل عام 2014 بشأن الحريات العامة وحق التجمع السلمي وتأسيس الجمعيات.

يرتبط بما سبق مباشرة أن القانون رغم كونه يعالج فترة الاشتباه التي تسبق صدور حكم قضائي بحق الشخص أو الكيان المتهم بالإرهاب سواء بالبراءة أو الإدانة، فإن العقوبات التي تترتب عليه تجعل المتهم (حتى لو ثبتت براءته لاحقا) مدانا أمام المجتمع، مما جعل وطأة القانون شديدة على من يقعون تحت طائلته، وأصبح بذلك أشبه بقوانين "الإجراءات الجنائية" أو "الطوارئ" أو "الإرهاب" التي تقرّ حبس المتهمين احتياطيا، ويخضع لهذه القوانين مئات الموقوفين في قضايا الرأي وحرية التعبير.

عطفا على ما سبق، فإن المدة التي أتاحها القانون لإدراج الكيان أو الشخص ضمن قائمة الإرهاب (3 سنوات قابلة للتجديد لفترة مماثلة)، طويلة بشكل يجعل من يقع تحت طائلة هذا القانون يتعرض لأذى لا يطيقه أحد. وعلى المشتبه به (شخصا كان أو منظمة أو كيانا) أن يبقى فترة السنوات الثلاث منتظرا نتيجة عرض أمره على المحكمة لتبت في موقف إدراجه، فإن لم تنظر المحكمة في أمره طوال تلك المدة، يُجَدَّد إدراجه في القائمة، ما لم تُغَفِلْ النيابة العامة إعادة إدراج اسمه.

إضافة إلى ذلك، وسع القانون من تعريف "الكيان الإرهابي" بما يتجاوز نص المادة 62 من قانون العقوبات بشأن المقصود بالإرهاب، فأضاف للممارسات المجرمة بتهمة الإرهاب "الدعوة إلى استخدام العنف بأي وسيلة في الداخل والخارج"، وأضاف للتعريف أن يكون هذا العنف موجها إلى السلطة القضائية أو أجهزة الإدارة المحلية أو المستشفيات أو البعثات الدبلوماسية والمنظمات الدولية، وكلها جهات لم يشملها قانون العقوبات، وأضاف القانون إلى أهداف الإرهاب التي نص عليها قانون العقوبات أن يكون الفعل مهددا الوحدة الوطنية والسلام الاجتماعي.

عواقب الإدراج في القوائم

الآن يصبح السؤال: ما عواقب إدراج الكيانات والأشخاص في قائمة الإرهاب؟

للكيانات والتنظيمات تكون العواقب: حظر نشاطها، والانضمام إليها، وإغلاق كافة مقراتها، وحظر اجتماعات أعضائها، وحظر تمويلها من أية جهة، أو جمعها للأموال، وتجميد أموالها. وهكذا، يعامل الكيان المدرج بالقائمة كما لو كان مدانا بالفعل بممارسة الإرهاب، وذلك قبل أن تصدر بشأنه أحكام باتة ونهائية، وهي إجراءات تخرق مبادئ الدستور وحقوق الإنسان.

وبالنسبة للأشخاص الطبيعيين تكون العواقب أكثر ضغطا، وهي: المنع من السفر، أو الإدراج في قائمة "ترقب الوصول إلى موانئ الدولة"، وهذا إجراء غير مبرر لأن الترقّب يعني توقيف الشخص، والتوقيف ليس ضمن الإجراءات المتبعة ضد من أُدْرِجُوا وهم داخل البلاد.

يخضع المدرج كذلك لسحب جواز سفره أو إلغائه أو يُمْنَع من تجديده، سواء كان مقيما بالداخل أو الخارج. كما يفقد صفة "حسن السيرة والسلوك" اللازمة لتولي المناصب العامة والنيابية. وهذه المجموعة من الإجراءات تمس المدرجين وأسرهم بشكل مباشر، وتضر كيان الأسر والعائلات ومكانتها، ولا ينقضي الضرر الواقع بسببها حتى بعد أن تثبت براءة المدرج، فهذه البراءة لا يعرف بها في الأغلب إلا المتهم والجهة التي أدرجته والمحكمة التي برأته، أما المجتمع فلا يعرف إلا ما أثير بحقه من شبهات علنية في البداية.

علاوة على ذلك، فإن القيود المتعلقة بجواز السفر (إصدارا وتجديدا) يصل ضررها إلى المساس بالجنسية، فجواز السفر هو وثيقة إثبات نسب أبناء المدرج من المواليد الجدد، لو كان مقيما بالخارج.

وأخيرا وليس آخرا، فإن ما يفرضه الإدراج في قائمة الإرهاب من منع ترشح الفرد للمناصب النيابية يناقض ما جاء في قانوني مجلس النواب ومجلس الشيوخ، إذ يقتصر المنع الترشح في هذه القوانين على من أدين بأحكام باتة ونهائية، بينما ينص قانون الكيانات الإرهابية على هذا المنع بمجرد إدراج الأشخاص قبل أن يصدر بحقهم حكم الإدانة.

ويبقى الأمل

لكل ما سبق، يصعب الدفاع عن هذا القانون أو تجميله، لكنني أدرك في الوقت ذاته أن طلب إلغائه صعب في الوقت الراهن، ودليل ذلك أن التعديل الذي طاله في الثالث من مارس/آذار 2020 لم يتجه إلى تخفيف بنوده، بل زاد من قسوة الإجراءات فأقر إيقاف عضوية المدرج في النقابات المهنية والأندية وأماكن المنفعة العامة.

ورغم ذلك يبقى الأمل في تغير الأوضاع التي أدت إلى صدور هذا القانون، مع تواصل جلسات الحوار الوطني الذي يهدف إلى فتح المجال العام، وسيكون من مصلحة الدولة أولا أن توقفه لما له من ضرر على صورة كثير من مؤسساتها، وحتى تلك اللحظة، سيكون من الجيد، لو أضيف إلى مواد القانون بند يقر تعويضا ماليا كبيرا لمن تثبت براءتهم من المدرجين في تلك القوائم، فتعويض من هذا النوع سيخفف الآثار القاسية التي تصيب المدرج وأسرته، كما أنه سيرشد بلا شك الإسراف في إدراج الأسماء في قوائم الإرهاب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.