وعود زيادة الصادرات المصرية.. أهداف أم أوهام؟

مصنع في العاشر من رمضان - تراجع الصادرات وزيادة الورادات  أحد اهم أسباب زيادة الديون المستحقة على  مصر
المصانع المصرية تحتاج إلى استيراد نحو 60% من المكونات (صورة أرشيفية-الجزيرة)

عندما ترك منير فخري عبد النور منصبه كوزير للتجارة والصناعة بمصر في سبتمبر/أيلول 2015، نصح خليفته المهندس طارق قابيل ألا يعد بزيادة الصادرات لأن ذلك لن يحدث، وبرر تلك النصيحة لاحقا في حوار صحفي بأن عدم توفر العملات الأجنبية لاستيراد المواد الأولية (حينذاك) أدى لتأخير الإنتاج والتأثير على الصادرات.

توقعات فخري تحققت، ففي العام التالي تراجعت الصادرات بنسبة 20% واستمر التراجع في العام الذي تلاه، وها هم المنتجون يعيشون مجددا منذ فبراير/شباط 2022 نقصا حادا في العملات الأجنبية يعوق استيراد المواد الخام ومستلزمات الإنتاج، دون مؤشرات واضحة على اقتراب الأزمة من نهايتها، وفي ظل ذلك كان غريبا "جدا" أن يعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي مؤخرا أن حكومته تستهدف تحقيق صادرات بقيمة 88 مليار دولار في السنوات الثلاث المقبلة.

مقدمات مغلوطة

استند رئيس الوزراء في إعلانه إلى ارتفاع قيمة الصادرات المصرية العام الماضي بشكل غير مسبوق تاريخيا إلى نحو 51.6 مليار دولار، مسجلة نموا نسبته 18% عن العام السابق عليه، ولكننا نرى مع ذلك أن هناك صعوبات كبرى تواجه تحقيق الوعد الذي قطعه رئيس الوزراء من بينها:

  • أولا: ترتبط قيمة الصادرات المصرية بالظروف المحلية والدولية المتغيرة والتي تسببت في تذبذب أداء الصادرات المصرية صعودا وهبوطا في السنوات العشر الأخيرة، وعندما يعلن رئيس الوزراء أنه يستهدف تحقيق زيادة سنوية بنسبة 20% للصادرات، فإنه يتجاهل أثر تلك الظروف.
    فمحليا هناك حاليا بيئة طاردة للاستثمار بدليل توقف نشاط العديد من الشركات مؤقتا لحين حلّ مشكلة نقص الدولار. كما زاد عدد الشركات المصرية التي اتجهت للاستثمار في السعودية.
    أما دوليا، فيتوقع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي انخفاض معدل النمو العالمي هذا العام بنسبة تتراوح بين 2% و3%، كما يتوقع حدوث انكماش في الأسواق التصديرية لمصر (كألمانيا وإنجلترا) وكذلك في روسيا.

هناك عدة تجارب لزيادة الصادرات المصرية على مدار العشرين عاما الماضية، كانت حظوظها من النجاح والفشل متباينة

  • ثانيا: التعامل مع زيادة قيمة الصادرات المصرية العام الماضي كأساس قابل للتكرار، يغفل الحقيقة المهمة والاستثنائية التي أدت لتحقيق هذه الزيادة، وهي أن ارتفاع الأسعار العالمية للسلع المصدرة -وليس زيادة كميتها- هو السبب في تحقيق الزيادة، فإذا كانت عوائد العام الماضي قد ارتفعت بـ8 مليارات دولار، فإن 6.1 منها كانت قيمة صادرات الغاز الطبيعي و2.7 مليار دولار للسلع غير البترولية.
    وتكشف بيانات أوبك انخفاض صادرات الخام المصري في 2022 بنسبة 36% عن عام 2021، كما انخفضت صادرات المشتقات بنسبة 64%، لكن زيادة سعر برميل النفط المصري إلى 96.2 دولارا للبرميل مقابل 67.8 دولارا (نموا بـ42%) عوّض ذلك جزئيا.
    وبالمثل فقد انخفض إنتاج الغاز الطبيعي في عام 2022 بنسبة 5% عن عام 2021، ومن بين إنتاج بلغ 67 مليار متر مكعب العام الماضي، اتجه 62.7 مليار متر مكعب للسوق المحلي، ولم يبق للتصدير إلا 4.3 مليارات متر مكعب، فاستعانت الحكومة بواردات الغاز الإسرائيلي لتزيد حجم صادراتها، ولا سيما مع ارتفاع سعر الغاز في الأسواق الأوروبية بنسبة 150%، وارتفاع سعر الغاز المُسال في الأسواق اليابانية بنسبة 70% العام الماضي، وكما زادت أسعار الغاز فقد استفادت مصر من ارتفاع الأسعار دوليا لسلع أخرى كالأسمدة والألومنيوم والبرتقال والخضر.
    ويؤكد صواب توقعنا أنه مع تراجع أسعار النفط والغاز الطبيعي والأسمدة دوليا هذا العام، انخفضت قيمة الصادرات المصرية بنسبة 27% في الثلث الأول من العام مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، وبلغت نسبة الانخفاض 54% لصادرات النفط الخام، و57% للمشتقات و49.5% للغاز الطبيعي و14% للصادرات غير البترولية.
  • ثالثا: للحكومات المصرية سجل في الوعود التي لا تتحقق، فقبل الإعلان الأخير لرئيس الوزراء عن زيادة مستهدفة بقيمة 88 مليار دولار على مدار 3 سنوات، كان رئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي أعلن عام 2020 أن عائدات الصادرات (السنوية) ستصل إلى 100 مليار دولار، وذلك في غضون مهلة حدد سقفها بـ4 سنوات، وقد مرّ على ذلك الإعلان 3 سنوات دون بوادر طفرة في الصادرات، ودون أن يعقبه إعلان برنامج تنفيذي لتحقيق هذا الهدف، وهو نفس ما حدث مع الإعلان الأخير لرئيس الوزراء.

    عقدان من محاولة زيادة الصادرات

    وهناك عدة تجارب لزيادة الصادرات على مدار العشرين عاما الماضية، كانت حظوظها من النجاح والفشل متباينة:

    التجربة الأولى بين عامي 2001- 2003، إذ أعلنت إستراتيجية لتنمية الصادرات لها برنامج تنفيذي متعدد الجوانب تضمن إجراءات تحققت بالفعل كإنشاء صندوق لدعم الصادرات، وتحديد مستهدفات رقمية تصديرية للقطاعات السلعية، ولم تتحقق إجراءات أخرى مثل التعاقد مع مؤسسات تسويق عالمية ومع شركات دولية لتطوير نظام ضمان وتمويل الصادرات، وإتاحة القروض الأجنبية لبنك الصادرات ليستخدمها في إعادة الإقراض، وإنشاء اتحاد للمصدرين، ومع ذلك فقد واصلت الصادرات الارتفاع دون انقطاع خلال الفترة من 2001 إلى 2008.
    التجربة الثانية كانت خطة أعدتها المجالس التصديرية بداية عام 2010، استهدفت مضاعفة الصادرات من 92 مليار (جنيه) في 2009 إلى 200 مليار (جنيه) عام 2013، وتضمنت الخطة المعلنة العناصر التي تضمن نجاحها، ومنها إنشاء 60 منطقة صناعية، وتوفير الأراضي الصناعية، وخفض تكلفة توصيل المرافق لها، وتسهيلات بنكية لشراء الآلات، ودعم المشاركة بالمعارض الدولية.
    وعندما تبنى رشيد محمد رشيد وزير التجارة والصناعة -في ذلك الوقت- الخطة، أعلن أن نجاحها يحتاج لتدريب 400 ألف عامل، ودخول ألف مُصدر جديد إلى السوق، وتطوير هيئة المواصفات والجودة، وعقد اتفاقيات تجارة حرة تسهل نفاذ الصادرات المصرية للأسواق الأخرى دون جمارك.
    التجربة الثالثة كانت إستراتيجية وزارة التجارة والصناعة عام 2015، التي بدأنا المقال بالإشارة إليها، واستهدفت زيادة الصادرات إلى 42.5 مليار دولار عام 2018، عبر نمو سنوي بنسبة 15%، لكن المستهدف لم يتحقق في أي من سنوات الإستراتيجية الأربع، ولم تزد الصادرات عام 2018 عن 29.2 مليار دولار.

غياب الاستقرار والقيادة

  • رابعا: غياب القيادة المستقرة ذات الثقل في ملف الصادرات، فمنذ بداية عام 2011 وحتى الآن تعاقب 9 وزراء على وزارة التجارة والصناعة، بمتوسط 15 شهرا لكل وزير، ولم يبق أحدهم في منصبه أكثر من شهرين (الدكتورة سميحة فوزي)، ولم يزد أطولهم بقاء على 34 شهرا (المهندس طارق قابيل). ويمكن أن نقارن هذه الحالة من عدم الاستقرار بالفترة التي شهدت طفرة في الصادرات تحت المهندس رشيد محمد رشيد، فقد بقي الأخير في منصبه نحو 6.5 سنوات، كما كانت قراراته تحظى بالدعم الكافي باعتباره أحد رجال المجموعة الاقتصادية لجمال مبارك (ابن الرئيس المصري الأسبق وأبرز النافذين في العقد الأخير من حكم والده)، وأتاح ذلك له إبرام عدد من اتفاقيات التجارة الحرة.
    في المقابل، يخضع الوزير حاليا لتعليمات تأتيه من رئاسة الجمهورية وضغوط إعلامية -يمارسها مقربون من السلطة- تربط التصدير بالحسابات السياسية، مثلما حدث عند قطع العلاقات التجارية مع قطر، والتي لم تتعاف مصر منها بعد إذ لم تزد قيمة الصادرات إليها العام الماضي على 21 مليون دولار، ونفس الأمر حدث عندما دعا إعلاميون إلى مقاطعة المنتجات التركية فانعكس ذلك على الصادرات إليها.
  • خامسا وأخيرا: يشير التوزيع النسبي لسلع الصادرات المصرية العام الماضي إلى تصدر السلع تامة الصنع بنسبة 41%، وهي نسبة جيدة لولا أنها تضم منتجات زراعية خاما كالبصل والليمون والبرتقال والطماطم والبطاطس والليمون، ومنتجات غذائية ذات تدخل صناعي محدود كالأرز المقشور، والبصل المجفف والخضر المجمدة والمبردة ومنتجات الألبان والعجائن، وهذا كله يشير إلى ضعف واضح في قطاع التصنيع.
    وتزداد الصورة وضوحا إذا علمنا أن الصادرات الصناعية المصرية تحتاج إلى مكونات مستورده تصل إلى 60% أي أن زيادة الصادرات تقتضي بالضرورة زيادة الواردات.

لهذا كله يرى بعض الخبراء أن الأولوية في مصر يجب أن تكون لـ"إيجاد السلع التي يمكن تصديرها"، قبل السعي إلى تنمية الصادرات، على أن يزيد المكون المحلي في تلك السلع لتحظى بميزة نسبية في الأسواق، وترتفع قيمتها المضافة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.