قطر كوجهة للصناعات الثقيلة غير النفطية مستقبلا

يُصنف صندوق قطر السيادي السادس عالمياً (شترستوك)

تعمل قطر منذ سنوات في الخطط التنموية الخمسية تحت مظلة رؤية قطر 2030، التي حملت توجهات طموحة نحو تنويع مصادر دخل الدولة، والتقليل من دور قطاع النفط والغاز في الناتج المحلي الإجمالي، مع تطوير قطاع الصناعات غير الهيدروكربونية، وتشجيع دخول القطاع الخاص في هذه الصناعات، علما بأن الناتج المحلي القطري يشكله أكثر من 60% من قطاع الصناعة، بينما يشكل قطاع الصناعات الهيدروكربونية ومشتقاتها أكثر من 91% من هذا الإسهام.

لعل التوجه نحو التنويع هو الأفضل في ضوء المتغيرات الاقتصادية العالمية، إذ يشكل صمام الأمان وضمان الازدهار المستقبلي واستدامة النمو الاقتصادي، وهو توجه كان له تجارب ناجحة في دول مثل النرويج وأذربيجان وغيرهما من حيث إنها كانت اقتصادات معتمدة على النفط والغاز وتحولت إلى اقتصادات متنوعة الدخل باستثمارات قوية في قطاعات مثل الصناعة والسياحة وغيرها، أشرفت عليها ونفذتها صناديق الاستثمار السيادية في الدول، فمثلاً صندوق النرويج التقاعدي السيادي للاستثمار الذي تم تأسيسيه في عام 1990 هو الثاني عالميا بأصول تتجاوز 1.136 تريليون دولار، بحسب أخر التصنيفات العالمية للبنك الدولي.

هنا يأتي دور صندوق قطر السيادي الذي يديره جهاز قطر للاستثمار، والذي يصنف التاسع عالميا من حيث حجم الأصول التي تبلغ 461 مليار دولار، ويصنف أيضا الخامس عربيا، والذي تأسس في العام 2005، حسب "أرابيان بزنس". ويعمل الجهاز من أجل تحقيق رؤية قطر 2030، من خلال سعيه إلى تنويع مصادر دخل الدولة، وزيادة الاستثمارات طويلة الأجل، وتحقيق التنمية المستدامة.

إذا كانت البذرة الأولى هي الصناعات الثقيلة، فإن المجال مفتوح لاستقطاب صناعات أخرى لا تقل أهمية، وهو ما أعلنه الرئيس التنفيذي لجهاز قطر للاستثمار السيد منصور المحمود في مقابلة على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس

يستهدف الجهاز بشكل رئيسي الاستثمار في حيازة حصص من أصول مستقرة وناجحة في قطاعات مختلفة، ووفقا لشبكة بلومبيرغ الاقتصادية الأميركية، فإن القطاع المالي بمحفظة جهاز قطر للاستثمار يمثل 55.4% من استثمارات الجهاز، ويشكل قطاع البنوك نحو 40.8% من إجمالي تلك الاستثمارات المالية، في حين يمثل قطاع تصنيع السيارات نحو 15.1%.

على الرغم من أن النهج الذي يتبعه الجهاز في الاستثمارات الخارجية في الأسواق العالمية يحقق دخلاً للدولة، فإن الاستثمار محليا جنبا إلى جنب مع الاستثمارات ورؤوس الأموال الأجنبية المستقطبة سيحقق دخلاً أكبر، مصحوبا بقيمة مضافة وخلق فرص تضمن الازدهار الاقتصادي للدولة، وهذا ظهر جليا في الدور المهم للجهاز في كسر الحصار الذي فُرض على قطر في الخامس من يوليو/تموز 2017 من خلال الدخول في استثمارات تلبي احتياجات السوق المحلية خاصة مشروعات الأغذية.

وهنا يجب على جهاز قطر للاستثمار العمل لتحقيق استفادة كبرى من تلك الاستثمارات الخارجية لخلق قيمة مضافة في الاقتصاد المحلي من خلال تفعيل برامج التوازن (أوفست) عبر إبرام صفقات الاستحواذ، التي تعني ببساطة وضع شروط على الجهات التي يستثمر فيها الجهاز بأن يتم استثمار نسب معينة في قطر. وعلى سبيل المثال، يمتلك الجهاز حوالي 6% من "إي آي دي إس" المالكة لصناعة طائرات الإيرباص و17% من مجموعة فولكس فاغن للسيارات.

كان يعوق تنفيذ مثل هذا الطرح في الماضي عدم توفر بنية تحتية في قطر تتناسب مع مثل هذا التحول الطموح، إلا أن هذا الواقع تغير اليوم، فدولة قطر تمتلك صرحين عالميين هما مطار حمد الدولي وميناء حمد، وهي منشآت على أعلى مستوى من الاحترافية والإمكانيات والقدرة العالية على عمليات النقل والشحن والتخزين واللوجستيات، مصحوبة بمناطق اقتصادية ومناطق حرة معدة ومجهزة لتوفير كل سبل الجذب الناجح للمستثمرين أصحاب النشاطات الضخمة الصناعية والتجارية، وتسهيل حركة سلاسل التوريد.

كما تمتلك بنية تحتية على أعلى مستوى من صرف صحي وتصريف أمطار وشبكة طرق ومحاور تصل كل أجزاء الدولة ببعضها بسلاسة دون المرور بوسط المدن وأماكن الازدحام المروري، وتمتلك قطر مساحات كبيرة من الأراضي غير المستغلة في غرب وجنوب وشمال الدولة والتي تعتبر موردا مهما يمكن أن يشكل بذرة مدن صناعية للصناعات الثقيلة بأنواعها، والتي يسهل جذب المستثمرين لها في ظل وجود البنية التحتية الحالية وميناء حمد. إنه من المجدي اقتصاديا التخطيط الجاد لتوطين مثل هذه الصناعات، وبالأخص تلك التي تملك قطر حصصا ملكية فيها مثل صناعة الطائرات التجارية "إيرباص" والسيارات ضمن مجموعة فولكس فاغن.

هذا الطرح الذي أستعرضه تحت مظلة رؤية قطر 2030 وما بعدها، يمكن تحقيقه بالكامل واقعيا خلال العشر سنوات القادمة، ولا يتبقى لتحقيقه سوى العمل على تنسيق الجهود بين جهاز قطر للاستثمار والوزارات المعنية في الدولة، وتحديد عوامل التمكين والدعم وإعداد خطط تنفيذية واضحة الأهداف والخطوات القابلة للقياس والتطبيق تقوم الدولة فيها بالتسويق لنفسها كبديل مناسب وإستراتيجي لجذب الاستثمارات الصناعية بالنظر للمقومات الموجودة.

إذا كانت البذرة الأولى هي تلك الصناعات، فإن المجال مفتوح لاستقطاب صناعات أخرى لا تقل أهمية، وهو ما أعلنه الرئيس التنفيذي للجهاز السيد منصور المحمود في مقابلة على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس، حيث ذكر أن الجهاز سيستهدف قطاعي الطاقة المتجددة والقطاع التكنولوجي في القادم من الاستثمارات.

بالتزامن مع هذا، يجب أن يتم وضع رتوش تشريعية تضمن حقوق الدولة والمواطن بشكل رئيسي حتى يصب هذا النمو والانفتاح الاقتصادي بالدرجة الأولى في صالح المواطن، ويكون له الأثر المباشر والملموس في رفع مستوى الدخل والرفاهية له. وأقول رتوشا تشريعية لأن المطلوب هي تعديلات بسيطة وواضحة على القوانين التي تحكم هذه النشاطات كقوانين الاستثمار والإفلاس بالشكل الذي يشكل الحافز والضمان للمستثمر الأجنبي وخلق البيئة الجاذبة للاستثمار مع مراعات حق الدولة والمواطن.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.