النسوية والإساءة لحواء

Women from the civil organization Coordinator of Feminisms and Security of Uruguay march on a main avenue of Montevideo, Uruguay, 24 February 2017, in protest of the eighth feminicide occurred in the country in 2017 and against violence against women. The demonstration, attended by hundreds of women, men and children, prompted after the death of Maria Florencia Torreani Molina, 35, who was found near a stream in Montevideo with signs of stabbing and alleged sexual abuse.
احتلت قضية تمكين المرأة ومساواتها مع الرجل الهدف الخامس من أهداف التنمية المستدامة التي تبنتها الأمم المتحدة، وتعمل على تحقيقها بحلول عام 2030 (وكالات)

نرفض أي إساءة لحواء لفظية كانت أو معنوية أو مادية، ونتصدى بحزم لكل من يحاول الانتقاص من حقوقها بكافة أنواعها، ونطالب بتمتعها بها كاملة غير منقوصة.

تسيء معظم النسويات لحواء بإظهارها وكأنها مفعول بها دائما عبر التاريخ، والواقع والتاريخ يؤكدان غير ذلك؛ نبدأ بالسيدة هاجر وتحملها المسؤولية وحيدة هي ورضيعها، ونمر بالمرأة بالصعيد في مصر وبكثير من القبائل العربية، والتي تحظى دوما بالاحترام ولها دور رئيسي في العائلة، ونصل لكثير من بنات حواء في العالم العربي المعاصر.

أرى أنه من الأهمية الشديدة أن تتوقف النساء عن الطريقة التي تتم بها تنشئة الفتيات على فكرة "المظلومية". حين تنشأ الفتيات صغيرات السن على فكرة أنهن مظلومات ومهضومات الحق أمام الرجل، يصبح في عقل كل منهن بشكل لا إرادي رغبة في التحدي، لا لأن الحياة في ذاتها تستحق التحدي، وليس لأنها يجب أن تكون جديرة بذلك، ولكن فقط لتستطيع هزيمة الرجل، والإثبات له أنها تضاهيه وربما أفضل منه. هذا التفكير له بالغ الضرر على حياة كل امرأة حين يتمكّن منها.

ترسيخ المظلومية لدى حواء، والشعور بالدونية أو بالغضب الزائد يقودها مباشرة للاندفاع والتصرف بعدوانية، ويجعلها تصنع خسائرها بيدها.

مجتمع ذكوري

تضعف مقولة مجتمع ذكوري إرادة أي امرأة تريد النهوض بحياتها؛ وكأننا نقول لها مهما حاولتِ فالمجتمع ذكوري وستفشلين في النهاية! إنني أرى أنه من الإساءة التامة للمرأة مطالبتها بمنافسة الرجل؛ فالتنافس يعني السير وراءه وتتبع ظله وخطواته للحاق به والدوران في فلكه وخوض معاركه ومحاولة الانتصار فيها. ولا أعرف لماذا لا يتم إخبارها أنها بالفعل لها معاركها الخاصة التي يجب عليها الانتصار فيها، الأذكى لها هو التنافس مع النفس لتستطيع أن تحقق لنفسها ولبيتها ولمجعتمعها أفضل ما يمكنها.

المرأة العربية والغربية

من الكذب الزعم أن المرأة العربية مضطهدة تماما، والغربية تنعم بكل شيء؛ فأغلب النساء العربيات يحصلن على الأجر نفسه وساعات العمل ذاتها مع الرجل، عكس الغربية التي ما زالت تخوض هذه المعركة، وتطالب بذلك وتشكو من تفضيل الرجال عليها في العمل.

تظلم معظم النسويات حواء بزرع كراهية الحياة في المجتمع العربي، والأذكى من الانسياق وراء ذلك القول لحواء: تنبهي للأمور المسيئة لك في مجتمعك، لتتعلمي كيف تتخطينها وتفوزين بأفضل ما يمكنك، والاحتفاظ بالتي لا تستطيعين الحصول عليها حاليا، وعدم التخلي عنها ووضعها في أهداف مستقبلية، وشجعي الأجيال الجديدة على تحقيقها.

ليس من الذكاء الدخول في معارك مع الرجال تستنزف الطاقات وتُنهكها؛ وإنما يمكنها خوض غمار الحياة والانتصار فيها بـ:

  • الاستفادة من كل ثانية في عمرها لتصبح أفضل بكل تفاصيل عمرها.
  • أن تتمتع بالقوة وتنفض عن نفسها كل كلام الضعف كادعاء سيطرة الهرمونات عليها.
  • أن ترفض الإهانة بالزعم المستمر بالشعور بالضعف واحتياجها للسند والمبالغة في الحديث عن اكتئاب ما بعد الولادة وفي الأيام الخاصة الشهرية، وإضعاف فرصها للنجاح.
  • أن تجبر من حولها على احترامها والأخذ بيدها لتعليمها تخطي الظروف الصعبة وانتزاع الخبرات منها لتكون أقوى نفسيا وليس ليتعامل معها الرجل ككائن هش وسريع التأثر بكل شيء وكأن ذلك رقة، ونتساءل: كيف تحتاج للرجل ليدعمها ثم تستنكر عليه استنكاره حين ترفع شعار أنها مساوية له؟ الحديث الدائم عن الاحتياج يعني بالفعل عدم المساواة وأن هناك طرفا ضعيفا وطرفا قويا.
  • أن تتعامل بذكاء مع الشعارات التي ترفعها النسويات لأنها يجب أن تدرك أنها لن تنجح بالتقليل من الرجل، والخصومة ليست في صالحها، ولا تصيد لأخطاء بعض الرجال أو التعامل معهم وكأنهم وحوش وخونة؛ فالرجل يخون مع حواء، فلماذا اتهام الرجل وحده؟!
  • أن تحاول النساء دعم بعضهن بعضا لأن الظلم الذي يقع على حواء من بني جنسها أكثر كثيرا من الواقع عليها من الرجل؛ كالتي ترفض زواج ابنها من مطلقة وأحيانا من بنت فسخت خطبتها من غيره، أو لأنها تراها غير جميلة، أو لأن ابنها يحبها! ماذا عن ظلم بعض المديرات للنساء التي يعملن معهن وانحيازهن للرجال ضد بنات جنسهن وأحيانا تحت مبرر مسيء ومرفوض حتى لا يقال إنها تنحاز للنساء؟! ولو كانت قوية وواثقة من نفسها فلن تفعل ذلك.
  • حواء الناجحة لا تسمح لأي مخلوق في الكون بإطفائها؛ والزعم أن الرجل يطفئ أو ينير حواء كلام خاطئ ومرفوض؛ فقوتها ونورها ينبعان من داخلها، وتحترم ضعفها وتقوي نفسها، ولا تدخل معارك مع الرجل وتتوهم انتصارات زائفة؛ والانتصار الحقيقي أن تجد لنفسها مكانا ومكانة بالدنيا ولا يرتبط بالعمل فقط؛ بل بصنع قوتها النفسية لتتألق بكل أدوارها أمًّا وأختا وزوجة وعاملة وربة بيت، وتجعل كل يوم أفضل مما سبقه ولا تبعثر طاقاتها في معارك مع الرجل، ولا تسمح لأي أحد بإيهامها أنها أقل منه؛ فقوتها واحترامها لنفسها لا يتعلقان بعملها أو بالمال الذي تحصل عليه؛ فهي "رائعة" لأنها إنسانة ولا تحتاج لتحدي الرجال لتشعر بقوتها.
  • يجب تشجيع حواء لتحب وتعتز بنفسها وتفرح وتتنفس الرضى عن نفسها كإنسانة، وتنجح لتفرح بنفسها وتسعد من يحبونها؛ وليس لتثبت شيئا للمجتمع أو للرجال؛ فهذا عبء نفسي يخصم من قدراتها ويقلل طاقاتها ويجعلها دائما غير راضية وغاضبة لأنها ليست رجلًا.
  • ألا نضع القيود في قدميها ونقول لها طيري؛ فلن تسطيع السير جيدا، ومحاولة التحدي، أو إثبات أنها ليست أقل من الرجل، أو التعلق بالكلمة الغريبة بأنها بمئة رجل، فلم نسمع عن رجل يقول عن نفسه إنه بمئة رجل؛ فالتنافس أو التحدي يحمّل حواء عبئا زائدا، وحتى لو نجحت يحملها غلّا أو غضبا، فلماذا نؤذيها؟ فلتفرح بأنها حواء؛ فمن النضج تجنب التعصب مع أو ضد جنس أو فكرة؛ فالتعصب يطفئ نور العقل، ومن دون العقل تجمح الأفكار ونخسر ونضع أنفسنا في مواقف يسخر فيها منا البعض عن حق؛ كالتعاطف غير المشروط مع المرأة، وهذا أرى أنه خطأ عند كثير من النسويات وصل للدفاع عن خيانة بعض الزوجات وللدفاع عن قتل الأزواج بأن الزوجة لم تعد تحتمل وكأن الطلاق ليس موجودا أو حتى الخلع، دافعت بعضهن عن جريمة بشعة حيث قتلت طبيبة زوجها الصيدلاني وألقته من الشرفة أمام طفلهما! كما لا يمكن تجاهل استغلال بعض الأمهات للأطفال في يوتيوب وتيك توك.

ليس شرطًا لمدح المرأة شتم الرجل، ونتفق مع سقراط في قوله البديع: "سر التغيير تركيز كل طاقتك ليس على محاربة القديم، بل على بناء الجديد".

  • الحذر من تعمد العدوانية والحرب من أجل لفت الأنظار؛ فأخذ الحقوق يحتاج لذكاء وليس للتنافس من الأعلى صوتا ولو على حساب حواء، فالتفكير النسوي السوي يهتم بالنهوض بالمجتمع كله، ويحترم الإنسان أيا كان نوعه ويطالب بحقوق الرجل والمرأة والأبناء، وعدم سجن النفس في دور الضحية، فهذا أسوأ شيء، ولفظ كلمة مجتمع "ذكوري" التي تضع على حواء أطنانا وقيودًا على تفكيرها وتقلل من حركتها، ولا ننكر وجود تعنت ضد حواء، تتراوح نسبته من مكان لآخر.

النسوية التي نريدها لا تبرر أخطاء حواء في التربية بأنها خضوع للمجتمع الذكوري، ونقول للأمهات: تعاملي مع البنات باحترام، ونقول لكل حواء: تعاملي بحب ورحمة مع كل حواء وسيطري على الغيرة النسائية -ما استطعت- ولا تجعليها تقود تصرفاتك أبدًا لأنها تقلل منك، وبدلا من الغيرة حسني تصرفاتك ولا تقارني نفسك بأحد إلا لتكوني أفضل، وليس لتنالي من أي حواء، وتنشئة الأولاد والبنات ليس على المساواة فقط، ولكن على معرفة الحقوق والواجبات أيضا.

لن تنجح حياة تقوم على النيل من الرجال لصالح النساء؛ فعندما نهاجم أحدا لن نكون أفضل منه، والأذكى "التفرغ" لاستنهاض الهمم وصناعة النجاحات "الحقيقية"، وبدلا من إضاعة العمر في الهجوم على الرجل ووصفه بكل نقيصة، لماذا لا نشجع حواء على الاستفادة من عمرها وتطوير نفسها، عندئذ ستفرض نفسها على الحياة وليس على الرجال فقط، فالحياة تحترم وتحب المنتصرين والأقوياء، وليس من يعيش بدور الضحية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.