مواقف لم يتعرض لها جيش الاحتلال من قبل

إنشاء كتيبة مدرعة جديدة من دبابات "ميركافا-V3" من الطراز القديم باسم "طائر الفينيق" (عوف هحول)، حيث تعتمد الكتيبة على قوات الاحتياط.
إنشاء كتيبة مدرعة جديدة من دبابات "ميركافا-V3" من الطراز القديم باسم "طائر الفينيق" (عوف هحول)، حيث تعتمد الكتيبة على قوات الاحتياط (الجزيرة)

عنوان مقالي هو تصريح قاله جيش الاحتلال في تبريره مقتلَ رهائنه على يد جنوده. وأنا – في مقال سابق عن السابع من أكتوبر/ تشرين الأوّل – قلت: انتصرنا، رغم أني كنت مندهشًا لما حصل؛ لأنه كانت هناك "مواقف لم أتعرض لها من قبل"، ولم يسبق لي أن شاهدت أو قرأت عن معجزة كمعجزة "طوفان الأقصى"، رغم كوني جنرالًا عراقيًا.

وعندما أقول: أنا عراقي لا أقصد مدح العراقيين أو جنرالاتهم، بل لتوضيح حالة أن الجنرال العراقي يكون قد حمل موروث القتال في فلسطين لحروب أربع، كانت أولاها؛ معركته في جنين التي قادها "القائد العراقي عمر علي بيرقدار في حرب 1948، حين حُوصر فوج من القوة الآلية العراقية في منطقة جنين وقلْعتها، يوم صلى الفجر بفوجه كله وصاح: "العالي الفوج الثاني العالي"، وتبعها "الله أكبر" لمرات ثلاث، وتسابق مع جنوده ليفكّ الحصار، فانهزم العدو تاركًا 300 قتيل في أرض المعركة وكَميّة كبيرة من الأسلحة والآليات.

ولعله من الجدير بالذكر أنّ العراق كان يمتلك ستة ألوية، فشارك بخمسة ألوية، واحتفظ بلواء واحد يحمي العراق كله. وفي حرب "تشرين" شارك بخمس فرق، ثلاث منها مدرعة وآلية، وأبقى فرقتَي مشاة راجلة.

كانوا يتصورون أن هدم المساكن سيوفر ساحة رمي ورصد للدبابة، ولم يتخيلوا أن المساكن المهدمة ستكون خير ملجأ، وظنوا أن الميركافا 4 -التي سعرها 150 مليون دولار- ستحل المشكلة

كما أنه لا يوجد جندي عربي دخل حربًا لثلاثة آلاف يوم عدا العراقي، والمقاوم الفلسطيني، وخاض حربًا لمرتين مع تحالفين دوليين كبيرين، وعرف ما معنى القتال ضد طيران كونيّ دون أن يكون لديك ما يردّ عليه، وجرّب الغزو والاحتلال وجرائمه، وقاوم ببسالة منقطعة النظير، وقتل 4500 جندي أميركي. ولعلّ أهلنا في فلسطين الحبيبة يفخرون بتلك المقاومة.. إلا أني أعترف أني لم أرَ من الأميركان وحلفائهم جرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية كالتي تحصل في غزة العملاقة، إلا في مدن الموصل والفلوجة والرمادي خلال الحرب ضد داعش.

وكوني درست التاريخ، يمكنني الجزم بأنّ التاريخ لم يحمّل أحدًا العار الذي حمّله للاحتلال الإسرائيلي خلال حرب غزة، وحمّله لحلفائه الغربيين وللمنظمات الدولية، وحمّل المجتمع الدولي والإنسانية عارًا لم يحمّله لها تيمورلينك أو جنكيزخان.

فقد تعرض شعبنا الفلسطيني إلى "مواقف لم يتعرض لها من قبل"، بل لم يتعرض لها أي إنسان على سطح الأرض من جرائم ضد الإنسانية، ومعها جرائم الإبادة الجماعية، مما جعل كوكب الأرض بسكانه يغار من بطولاته وصموده، إلى حد أن قناة للاحتلال أعلنت أن 9% فقط من المقالات التي نشرت عن غزة منذ بدء "الطوفان" كانت لصالح الاحتلال، مع العلم أن صديقًا لي يعيش في الخارج ترجم مقالي الأخير للإنجليزية، ومع ذلك لم يفلح في نشره، فترجمه للعبرية، وفشل أيضًا .

في الوقت نفسه كان يوم السابع من أكتوبر/ تشرين الأول المجيد الذي جعل سلطة الاحتلال الإسرائيلي تتعرض لموقف "لم تتعرض له من قبل"، ولمست أن المقاومة الفلسطينية لم تعد كما عرفتها بعد أن طال الزمن باضطهاد وظلم واحتلال غاشم.

فقد أسقطت المقاومة المشروع الإسرائيلي وكسرت هيبته، وكان عليهم أن يتقبلوا الهزيمة بشجاعة ويقولوا؛ "نلجأ إلى المفاوضات"؛ لأنهم "تعرضوا لموقف لم يتعرضوا له من قبل". ولكن أن يهربوا إلى الأمام ويلجأوا إلى الهجوم البري على أبناء فلسطين التاريخية، متصورين -وهْمًا- أن ذراعهم الطويلة ستنال من الشعب الذي أنجب عمالقة القسام.

يتوهّم نتنياهو بكل عمى -فالحقد والرعب يجعلان الإنسان أعمى- أن أبطال السابع من أكتوبر/ تشرين الأول سيندحرون في مِنطقة سكنية تصبح الدبابة فيها عبئًا على راكبها، وتجعل جندي المشاة يترقّب من أي نافذة في البناية التي أمامه أو يساره ستأتيه النيران، خصوصًا أن المدافعين يكمنون تحت الأرض وفوقها.

كانوا يتصورون أن هدم المساكن سيوفر ساحة رمي ورصد للدبابة، ولم يتخيلوا أن المساكن المهدمة ستكون خير ملجأ، وظنوا أن الميركافا  4- التي سعرها 150 مليون دولار – ستحل المشكلة.

بكل صفاقة وبعد قتل جنوده للرهائن، بقي يصر على أن "الضغط على حماس سيؤدي إلى عودة الرهائن"، وكأنه فعلًا يضغط على حماس، أو كأنه لا يريد إبادة شعب كامل مع سبق الإصرار والترصد ليعيد الرهائن، كون عجز جيشه بات يتعزّز يومًا بعد يوم. ولا أدري -حقيقةً- كيف يقتنع من حوله بأن القصف الوحشي العشوائي على كل شبر من غزة سيعيد الرهائن.

وعليه، هناك هدفان معلنان لإبادة شعب فلسطين، هما: "تحرير الرهائن والقضاء على المقاومة"، وما أشبه الليلة بالبارحة، فالأهداف المعلنة لغزو الأميركان للعراق كانت كذبتَين أيضًا: الأولى علاقة العراق الحميمة مع بن لادن، والثانية امتلاكه الأسلحة النووية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.