صورة السجان بين أسرى حماس وأسرى الصهيوني

سياسات بن غفير حولت السجون وحياة الأسرى الفلسطينيين إلى جحيم لا يطاق-رائد موسى-الجزيرة نت
بعض الأسرى الفلسطينيين ظهروا وقت الإفراج عنهم مصابين بكسور في الأيدي والأصابع (الجزيرة)

الناظر إلى رجال المقاومة الفلسطينية، وهم يودّعون أسراهم الصهاينة والأجانب، يجده منظرًا مختلفًا بالكلية عن طريقة وداع الصهيوني للأسرى الفلسطينيين. ما يدفع للسؤال: ماذا يحدث في السجون والمعتقلات وأماكن الاحتجاز، حتى يخرج الأسير الفلسطيني يصبّ اللعنات على المحتل الصهيوني وسجّانه البربري، مقابل أن يُتيَّم الصهيوني أو الأجنبي بسجّانه الفلسطيني عقب فترة احتجازه القصيرة في غزة؟

إنه لمشهد غريب قلما يجده المرء في أي سجن، فرجال المقاومة الفلسطينية يقومون بتحية أسراهم المفرج عنهم باليد، وهم داخل سيارة الصليب الأحمر، ويرد الأسرى عليهم بالأسلوب نفسه، وقد يبادر الأسير بالتحية ويرد المقاوم عليه.

وفي مقابل ذلك يخرج الأسير الفلسطيني من محبسه فلا يلتفت لسجّانه أو يلتفت له. نرى الأسرى الصهاينة في مشاهد التبادل، يخرجون من السيارات وفي يدهم زاد الطريق: زجاجات مياه وعصائر وأطعمة محفوظة، بينما نرى الأسرى الفلسطينيين وليس بيدهم شيء.

يسلّم رجال المقاومة أسراهم أمام الجماهير في ميدان فلسطين في وسط غزة، خاصة في الأيام الأخيرة للهدنة التي بدأت في 24 نوفمبر. أمّا الأسرى الفلسطينيون فيخرجون من السجون في تعتيم كامل، وحظر لاقتراب الصحفيين والسكان، ويُدفع بهم في حافلات أُغلقت فيها مداخل التهوية عن قصد، كما يقول بعض المحررين.

في المحبس الفلسطيني زار القائد الحمساوي يحيى السنوار- وَفقًا للتليفزيون الإسرائيلي- الأسرى وبدّد مخاوفهم إزاء القصف الإسرائيلي، قائلًا: إنهم "في المكان الأكثر أمانًا، ولن يحصل لهم أي مكروه"، وفي المقابل لم يَروِ أسير فلسطيني خبرًا عن زيارة مسؤول سياسي لهم.

عقب الوصول إلى المنازل، عمت مظاهر الفرح بيوت الإسرائيليين المفرج عنهم، أمّا الاحتفالات الفلسطينية فممنوعة بأمر من وزير الداخلية الحانق إيتمار بن غفير، مع تهديد بإعادة الأسرى إلى محبسهم حال خرق التعليمات، وكذلك معاقبة المحتفلين. صحيح أن الفلسطينيين لم يعيروا هذا القرار أيّ اهتمام، لكن مجرد الرغبة في الحرمان من إظهار الفرحة، هو أمر له دلالة.

رسائل الوداع حملت صورًا دقيقة لأوضاع المحبس، وحالة السجّان هنا وهناك. في 23 أكتوبر 2023، أفرجت حماس عن مسنتين إسرائيليتين، هما: يوشيفيد ليفشيتز (85 عامًا)، ونوريت كوبر (79عامًا).

وقالت إحداهما -وقد وصفها مسؤولون إسرائيليون بأنها مسنة خرفة- عن المقاومين الذين احتجزوها: "كانوا ودودين معنا، اعتنوا بنا، أعطونا الدواء، وعالجوا واحدًا منا كان مصابًا من الدراجة البخارية التي أقلّته لداخل غزة، فأعطوه الأدوية والمضادات الحيوية، وحافظ الخاطفون على مكان احتجازنا نظيفًا، وكذلك الحمامات التي كانوا ينظفها هم لا نحن، وشاركونا الطعام نفسه، وقالوا لنا: نحن مسلمون ولن نؤذيكم، وقد عوملنا بطريقة جيدة".

نشرت كتائب القسام كذلك رسالة بتاريخ 23 نوفمبر، مرفقة بصورة الأسيرة الإسرائيلية ألسن دانييل ألوني، وابنتها إميليا، اللتين أفرج عنهما ضمن الدفعة الأولى لتبادل الأسرى، وقد كتبت في رسالتها لمقاتلي القسام: "أشكركم من أعماق قلبي على إنسانيتكم غير الطبيعية التي أظهرتموها تجاه ابنتي إميليا، كنتم لها مثل الأبوين، دعوتموها لغرفتكم في كل فرصة أرادتها.

هي تعترف بالشعور بأنكم كلكم أصدقاؤها، ولستم مجرد أصدقاء، وإنما أحباب حقيقيون جيدون. شكرًا على الساعات الكثيرة التي كنتم فيها كالمربية. شكرًا لكونكم صبورين تجاهها وغمرتموها بالحلويات والفواكه وكل شيء موجود حتى لو لم يكن متاحًا. الأولاد يجب ألا يكونوا في الأسر، لكن بفضلكم وبفضل أناس آخرين طيبين عرفناهم في الطريق، ابنتي اعتبرت نفسها ملكة في غزة.

لم نقابل شخصًا في طريقنا الطويلة هذه من العناصر وحتى القيادات إلا وتصرف تجاهها برفق، وحنان وحب. أنا للأبد سأكون أسيرة شكر؛ لأن ابنتي لم تخرج من هنا مع صدمة نفسية.

سأذكر لكم تصرفكم الطيب بالرغم من الوضع الصعب الذي كنتم تتعاملون معه بأنفسكم والخسائر الصعبة التي أصابتكم هنا في غزة. يا ليته يقدر لنا في هذا العالم أن نكون أصدقاء طيبين حقًا. أتمنّى لكم جميعًا الصحة والعافية. الصحة والحب لكم ولأبناء عائلاتكم. شكرًا كثيرًا. "

وفي فيديو منشور، تشكر فتاة عشرينية سجّانها الحمساوي، وتُهمهم بكلمات عبرية مترجمة تحمل إطراء على الأيام التي قضتها في الأسر، حتى إن البعض نسبَ إليها- ساخرًا- قولًا لم تقله "مع السلامة.. ضروري أشوفكم في الطوفان القادم".

وأخيرًا، كان هناك وسط الأسرى الإسرائيليين المفرج عنهم في الدفعة الرابعة تلك الشابة التي خرجت وهي تحتضن كلبها الذي كان معها في الأسر.

وعلى عكس ذلك خرج الأطفال الفلسطينيون من الأسر في مشهد مُقبِض، حكوا بعده عن تجويعهم وتعطيشهم بشكل متعمد، ومنعهم من تبديل الملابس المتسخة، ومن الاغتسال، وعن الإذلال النفسي والجسدي يوميًا بالإهانات والضرب المبرح.

بعض الأسرى الفلسطينيين ظهروا وقت الإفراج عنهم مصابين بكسور في الأيدي والأصابع، وبعضهم تحدثوا عن خضوعهم للضرب الشديد بالعِصي على الظهر، وأحدهم قال: إن زميلًا له لم يحرر بعد فقدَ الذاكرة من هول الضرب.

وحكى بعضهم عن عملية التفريق بين الأسرى؛ حتى لا يكلم بعضهم بعضًا، على عكس ما رواه الأسرى الصهاينة من أن جنود حماس قاموا بتجميع أسرى كل "كيبوتس" مع بعضهم بعضًا، حتى لا يشعروا بالملل.

هذه الصور الحية تضعنا أمام عدة دلالات:

  • أولًا: رغبة إسرائيل في ترك بصمات إذلال واستعباد ومهانة لا تُمحى في نفوس الأسرى الفلسطينيين لتثير في نفوسهم المزيد من الغضب.

ومثل هذا المُناخ لا يولّد إلا إصرارًا على المقاومة، وتخريج دفعات من الشباب الراغبين في الانتقام والخلاص من المُناخ المذل والمهين والحاط من كرامتهم الإنسانية وكرامة أهلهم ووطنهم، حتى لو كلفهم ذلك حياتهم.

  • ثانيًا: أن الصورة التي رسمتها إسرائيل للمقاومين نابعة من نفس جُبلت على كراهية الغير والشعور بالفوقية تجاهه، وهي ذاتها التي رسمتها الأساطير الصهيونية عن اليهودي كشخص متميز عن غيره من البشر.

وكل هذه التصورات الوهمية تزيد اليقين لدى الطرف الآخر بأنه لا أمل في أي سلام قادم في الأفق القريب، وأن المسافة بين البشر على الجانبين بعيدة للغاية.

 

  • ثالثًا: الصورة التي رسمتها المقاومة في ذاكرة الأسير الإسرائيلي تفضي إلى تحقيق سلام حقيقي مستقبلًا، فهي تعترف بالآخر كإنسان حتى لو كان محتلًا، وهي صورة تلعب دور سفير النوايا الحسنة.

صحيح أن الأثر قد لا يظهر سريعًا، لكن لا أمل في المستقبل القريب بدونها، فهي شكل آخر من النضال، لا يقل تأثيرًا عن المقاومة المسلحة والمقاطعة وغيرها، على تلك الطريق الطويلة الشاقة في سبيل التحرر ونيل الاستقلال من نير الاستعمار الصهيوني المدعوم من مؤسسيه الغربيين.

  • رابعًا: أن السلوك الراقي لجنود حركتي حماس والجهاد الإسلامي مع الأسرى أثناء تسليمهم للصليب الأحمر، هو دليل قاطع على زيف الصورة التي نجحت إسرائيل في رسمها أمام الغرب عن المقاوم الفلسطيني باعتباره إرهابيًا، جافيًا، ينتمي إلى دين يحضّ على العنف.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.