كيف تبدو ملامح المرحلة القادمة لأطراف "طوفان الأقصى"؟

Israeli Prime Minister Benjamin Netanyahu (L), Defence Minister Yoav Gallant (C) and Cabinet Minister Benny Gantz hold a press conference in the Kirya military base in Tel Aviv on October 28, 2023 amid ongoing battles between Israel and the Palestinian group Hamas. - Netanyahu said on October 28 that fighting inside the Gaza Strip would be "long and difficult", as Israeli ground forces operate in the Palestinian territory for more than 24 hours. (Photo by Abir SULTAN / POOL / AFP)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (يسار) ووزير الدفاع يوآف غالانت (وسط) ووزير الحكومة بيني غانتس في قاعدة كيريا العسكرية في تل أبيب (الفرنسية)

لا يزال مستوى المواجهات بين حزب الله والجيش الإسرائيلي يعطي انطباعًا بأنَّ الأوضاع باتت مهيأة للانزلاق في اتجاه الحرب المفتوحة، بعدما انحصرت منذ معركة "طوفان الأقصى"، في مناطق محدودة من الجنوب اللبناني ووفق وتيرة عسكرية محددة.

لكن القراءة العقلانية للمواجهات الحاصلة باتت تؤشر إلى أن الظروف الفعلية لدخول لبنان في الحرب المفتوحة، غير متوافرة. فإيران لا تريد الانزلاق إلى فخ توسيع دائرة الحرب لتصبح معركة ذات أبعاد إقليمية، ولا حزب الله يريد الدخول في الحرب المفتوحة وفق المعطيات الحالية، فيما الإدارة الأميركية ترفض توسيع إطار المعارك في المنطقة، لا بل هي بدأت تبحث عن المخارج المطلوبة لتثبيت وقف إطلاق النار في قطاع غزة.

بالتوازي، فإن الفريق المتطرف في إسرائيل لايزال متحمسًا لتوجيه ضربة قوية للبنان، وهو يقوم بحملات داخلية وخارجية للدفع بهذا الاتجاه. وهذا الفريق يتألف من وزير الدفاع وقادة الجيش الكبار ومسؤولين في الاستخبارات، إضافة إلى عدد من الحاخامات المتطرفين، وبات لدى هذا التيار اعتقاد جازم بأن هذه الفرصة قد لا تتكرر في مدى زمني قريب، وأن من السهل استدراج قيادة المنطقة الوسطى الأميركية المتواجدة في المتوسط بأحدث التعزيزات العسكرية، وفي ظرف أميركي داخلي ملائم بسبب الدخول في السنة الانتخابية وسط نزاعات أميركية محتدمة ومزايدات بالأكثر قدرة على حماية إسرائيل.

لكن معظم القيادة السياسية الإسرائيلية الحاكمة باتت تدرك جيدًا معنى وجود قرار أميركي برفض توسيع دائرة الحرب. ولكن الإدارة الأميركية- التي تخشى دائمًا من تهور جزء من القيادة العسكرية الإسرائيلية- لا تترك مناسبة إلا وتكرّر فيها تحذيرها؛ كمثل الاتصال الذي أجراه وزير الدفاع الأميركي بنظيره الإسرائيلي يوآف غالانت، وخصصه للتحذير من الانزلاق إلى تصعيد واسع مع حزب الله في لبنان، والأهم الإعلان عن هذا الاتصال في وسائل الإعلام، وهو ما يعني التزامًا رسميًا أميركيًا بتحييد لبنان.

جاءت تصريحات رئيس الأركان الأميركي شارلز براون لتكشف تخوّفه من تزايد عدد الضحايا المدنيين، وهو ما سينتِج في المستقبل مزيدًا من مقاتلي حماس الأكثر رغبة بالقتال

بات جليًا أن غالانت يفهم خلفيات الموقف الأميركي، رغم أنه سجل بعد ساعات من هذا الاتصال إعلان رئيس أركان الجيش الإسرائيلي عن مصادقته على خطط تتعلق بلبنان، وتم تفسير ذلك في إطار التحشيد الإسرائيلي الداخلي، وأنه من الصعب ترجمته أو تنفيذه على أرض الواقع، فيما يبقى التركيز على الحرب الدائرة في غزة وأفقها الزمني، وسط تحول واضح في المزاج الدولي، وتحديدًا الأوروبي.

سعت الإدارة في واشنطن لإظهار اتّساع رقعة الاعتراضات على استمرار الحرب الوحشية، حتى في صفوف الموظفين المهمين، مثل طاقم وزارة الخارجية، فثمة إبراز لشعور يسود دوائر وزارة الخارجية الأميركية بأن الرد العسكري الإسرائيلي مبالغ فيه إلى حد الإجرام، وأن على واشنطن كبح جماح نتنياهو المأزوم.

وبرزت مواقف للخبراء في السياسة الأميركية حرصوا على وضع ذلك في إطار تحضير الأجواء لوقف اندفاعة إسرائيل العسكرية، والقبول بوقف إطلاق النار؛ تمهيدًا للشروع في المفاوضات لإنتاج تسوية سياسية تلي الهدنة. وهذا بالطبع لن يقبله نتنياهو الحريص على إطالة مدة الحرب لإنقاذ نفسه. وقد يكون هذا بالضبط ما يسعى إليه البيت الأبيض- الذي يريد رؤية السقوط المدوي لنتنياهو- بعدما عمل على إنقاذ إسرائيل كدولة إثر النتائج الكارثية لعملية "طوفان الأقصى".

بالتوازي، جاءت تصريحات رئيس الأركان الأميركي شارلز براون لتكشف تخوّفه من تزايد عدد الضحايا المدنيين، وهو ما سينتِج في المستقبل مزيدًا من مقاتلي حماس الأكثر رغبة بالقتال، وتزامن موقف براون مع اعترافات مساعدة وزير الخارجية الأميركية باربرا ليف- خلال جلسة مع لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأسبوع الماضي- بأن أرقام الضحايا في قطاع غزة قد تكون أعلى مما يُعلن. والأهم نتائج آخر استطلاعات الرأي الأميركية التي أشارت إلى انخفاض داعمي الحرب الإسرائيلية من 41% إلى 32% حتى الآن، كذلك وجود تأييد من ثلثي الأميركيين لوقف إطلاق النار.

كل ذلك بات مؤشرًا للضغوط الحاصلة على حكومة اليمين الفاشي الإسرائيلي، للانتقال من مرحلة الحرب إلى مرحلة التسويات، خصوصًا بعد تلقي صفعة مدوية لعدم العثور على أي أدلة عسكرية تخص حماس والأنفاق والأسرى بعد دخول الجيش الإسرائيلي إلى مجمع الشفاء في غزة.

لكن نتنياهو لا يزال يرسل الإشارات المضادة للحل، فهو أعلن رفضه عودة السلطة إلى غزة. في المقابل فإن واشنطن- التي تتمسك بمشروع الدولتين- تُبدي خشيتها من خلق فراغ في حال استمرار رفض نتنياهو، ما يعني أن تملأه الأحزاب الأكثر تطرفًا ويمينية، ولذلك، لم يأتِ من عبث كلام وزير الخارجية الإسرائيلي حول استمرار الحرب لأسبوعين.

فالحد الزمني الفاصل للحرب يجب أن يسبق الانتخابات الرئاسية المصرية، في ظل التحضيرات لإقامة مستشفيات ميدانية عند الحدود بين قطاع غزة ومصر، تحت إشراف مصر والأمم المتحدة. وغالب الظن أن هذه المستشفيات ستعمل لوقت طويل، وقد تصبح لاحقًا مستشفيات دائمة.

بالمقابل ينتظر الخبراء اللقاء الذي سيجمع للمرة الثانية جو بايدن مع نظيره الصيني، والواضح أنه سيبحث معه عددًا من الملفات الساخنة بينهما، إضافة لمستقبل الوضع في الشرق الأوسط، والهدف إبقاء التنافس العالمي تحت السيطرة، أو بتعبير أوضح، تنظيم الخلافات الدولية، حيث بدا من حرب غزة أنه على رغم من أن الصين قوة اقتصادية كبرى ومزاحمة للقوة الاقتصادية الأميركية، إلا إنها لا تزال تفتقر إلى الترجمة السياسية من الزاوية الجيوسياسية، حيث لا تزال الصين تخشى من المخاطرة بمصالحها الاقتصادية حول العالم.

لذلك بقيت واشنطن هي الطرف المنحاز الأقوى والوحيد خلال حرب غزة وسط انكفاء غير مبرر لبكين وموسكو على حد سواء. وفي الوقت عينه استمرت واشنطن بإبقاء الحرب محصورة في غزة، وإبقاء منحى التوتر منخفضًا على مستوى المنطقة. ولذلك عملت خطوط تواصلها مع طهران بنشاط. ولأن الأفق هو للتسويات، فقد شارك الرئيس الإيراني في مؤتمر الرياض، والتقى ولي العهد السعودي في أجواء إيجابية ووافق دون تحفظ على مسار حل الدولتين.

من بين ما تتركز عليه المفاوضات الإيرانية- الأميركية تحرير 10 مليارات دولار جديدة لإيران، إذ لم يتم تمديد فترة العقوبات المرتبطة بتجميدها، وهذه بحد ذاتها مؤشر إلى أسباب تجنب إيران التصعيد والانخراط الأوسع في الصراع، ويشيع المسؤولون الإيرانيون أن الإدارة الأميركية ليس لديها أي مصلحة لتصعيد الوضع في المنطقة، فيما الإسرائيليون مترددون في آلية الرد، خصوصًا بعد الضربات التي نفذها حزب الله.

يعتمد حزب الله طرقًا مختلفة في عمليات الرد، خصوصًا تفعيل عملية استخدام المسيرات. كما أن الحزب، عسكريًا، ينوي اكتشاف مدى الرد الإسرائيلي وقدراته. في كل ما يحصل، هناك تشابه بين مسار الحرب على غزة وما جرى في سوريا أميركيًا مع انخراط إيران العسكري الواسع في مواجهة الثورة السورية، إذ لم يشأ الأميركيون مواجهة إيران، بل جرى تسليمها الملف السوري في سبيل الوصول إلى الاتفاق النووي خريف 2015.

الآن تبدو الظروف متعاكسة، إذ إن إيران تنكفئ عن التدخل الواسع في الحرب، وصولًا إلى تسريب معلومات عن تأنيب إيران لحماس عقب العملية، على اعتبار أنها أربكت خيارها التفاوضي، ويبدو ذلك نزولًا على الضغوط الأميركية، في سبيل الوصول إلى اتفاق نووي قبيل الانتخابات الأميركية.

وأمام كل تلك المعطيات، كان لافتًا في هذه المرحلة من المفاوضات أن حماس أثبتت قدرتها على إخفاء الأسرى عن إسرائيل، ولم تنجح كل أجهزة نتنياهو في الوصول إلى أي منهم، وهو ما دفعها إلى القبول بتقسيط المراحل؛ سعيًا إلى معرفة أي معلومة إضافية في الفترة التي تلي عملية التبادل الأولى لفك أسر أي منهم بالقوة بغية استعادة شيء من هيبة أصيبت في الصميم.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.