لماذا تدعم أميركا إسرائيل بهذا الشكل المجنون

الرئيس الأميركي جو بايدن مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (وكالة الأناضول)

لا يدرك كثير من المتابعين للسياسة الخارجية الأميركية أسباب دعم واشنطن المجنون وغير المحدود لإسرائيل منذ نشأتها قبل 75 عاما.

ويعرض الكثير من الخبراء والسياسيين والأكاديميين نظريات تحلل وتفسر لهذا الدعم النادر في خريطة العلاقات الدولية، ويرجع بعضهم ذلك إلى الترابط الديني بين الصهيونية والبروتستانتية، أو للتحالف القائم على المصالح الإستراتيجية بينهما، أو لدور اللوبي وجماعات اليهود الأميركيين، والبعض يرجعه للإحساس العام بالذنب تجاه ما جرى لليهود في أوروبا على يد النظام النازي في ألمانيا وحلفائه الأوربيين.

ؤمن الكثير من الجماعات الإنجيلية بضرورة التعجيل بسيطرة إسرائيل الكاملة على كل أرض فلسطين المقدسة، إيمانا منها بأن هذا يسرع من عودة المسيح الثانية

ويرى بعض المعلقين أن التأييد الأميركي الشامل يضر بمصالح واشنطن في الوقت الذي لا تكترث فيه إسرائيل بالمصالح الأميركية. ويستشهد البعض بما اقترفته إسرائيل في حق الولايات المتحدة، مثل تدمير المدمرة ليبرتي في ستينيات القرن الماضي، مرورا بتسريب أسرار عسكرية وتكنولوجية أميركية للصين، إضافة للتجسس على الجيش الأميركي نفسه في عدة مناسبات، ورفضها التوصل لجهود واشنطن لسلام في الشرق الأوسط، وهو ما يضر بالمصالح الأميركية، ويتسبب في تسميم علاقات الولايات المتحدة بملايين العرب المسلمين.

ودفع ذلك بالجنرال ديفيد باتريوس، القائد السابق للقوات الأميركية في أفغانستان، للقول أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، إن الغضب العربي المطلق تجاه الولايات المتحدة الذي تسببه القضية الفلسطينية يحدد الدعم وقوة الشراكة الأميركية مع شعوب وحكومات المنطقة، وأن الجماعات المتطرفة تستغل هذا الغضب لتعبئة الدعم المؤيد لها، كما أن استمرار الصراع العربي الإسرائيلي يعطى إيران نفوذا كبيرا في العالم العربي.

ومنذ بدء عملية طوفان الأقصى في السابع من الشهر الماضي، وما تبعها من إعلان إسرائيل الحرب وشنها عدوانا مستمر وغير مسبوق على قطاع غزة، لم تظهر إدارة جو بايدن إلا الدعم الكامل لإسرائيل على الرغم من تغير لغتها مؤخرا على استحياء لتطالب بهدن إنسانية مؤقته لإدخال الغذاء والماء للمدنيين، وربما السماح بنزوح المزيد من الفلسطينيين من شمال غزة. واتّخذ الرئيسُ بايدن موقفًا حادًا وصارمًا في دعمه إسرائيلَ عسكريًا وسياسيًا ودبلوماسيًا ومعنويًا، فيما امتنع فيه -حتى الآن- عن المطالبة بوقف إطلاق النّار، وهو ما يعني إعلاءَه قيمة العمل العسكريّ على الاعتبارات الإنسانيّة.

وقد تكون هذه هي المرَّة الأولى في التاريخ الأمريكيّ التي يمتنع فيها رئيس عن مطالبة أطراف نزاع عسكريّ خارجي- سقط فيه آلاف الضحايا المدنيين- بوقفِ القتال.

وعلى الرغم من خروج مظاهرات في مختلف المدن الأميركية تطالب بايدن بالدعوة والضغط لوقف إطلاق النار، يتجاهل بايدن كل هذه النداءات ويقف صلبا مؤيدا لكل ما يقوم به الجيش الإسرائيلي حتى مع تدميره ربع مباني قطاع غزة، وقصف كل مستشفياتها ومداريها وحتى أفرانها.

ولا يعد موقف بايدن استثناء في تاريخ تأييد رؤساء أميركا لإسرائيل. ورغم تغير ميول واتجاهات الرأي العام الأميركي إيجابيا تجاه حق الفلسطينيين في دولة مستقلة، لا تعتمد السياسة الأميركية تجاه إسرائيل على أرقام استطلاعات الرأي بقدر ما تعتمد على كيفية رؤية الرئيس الأميركي لمصالح بلاده، وكيف تتناسب إسرائيل والشرق الأوسط مع السياسة الخارجية العالمية للإدارة. وعلى مدى نصف القرن الماضي، اعتقد الرؤساء الأميركيون عموما أن الشرق الأوسط، بفضل احتياطيات النفط، يمثل أولوية قصوى في الإستراتيجية الأميركية، وعليه تعززت العلاقة الأميركية مع إسرائيل.

وللدعم الأميركي لإسرائيل الكثير من المصادر المتشابكة، ويمثل العامل الديني حجر الأساس الأهم في مصادر الدعم لإسرائيل داخل الولايات المتحدة، وتؤمن الكثير من الجماعات الإنجيلية بضرورة التعجيل بسيطرة إسرائيل الكاملة على كل أرض فلسطين المقدسة، إيمانا منها بأن هذا يسرع من عودة المسيح الثانية.

ويذكر والتر راسييل مييد، الكاتب الشهير بصحيفة وول ستريت جورنال، "أن التأييد الأميركي البروتستانتي لليهود وإسرائيل وجد قبل أن يطأ اليهود الدولة الأميركية الناشئة، وقبل أن تتأسس دولة إسرائيل".

ويرى مييد أن الأميركيين الأوائل من المتدينين البروتستانت كانوا يؤمنون بأنهم شعب مختار، وأن مسيحيتهم هي المسيحية الأفضل والأصح، وأن تأسيس الدولة اليهودية في إسرائيل يثبت أنهم شعب مختار أيضا مثل اليهود، وأن الرب يبارك أميركا، وأنهم مباركون من الرب، وأن نجاح الإسرائيليين هو نجاح للأميركيين.

إلا أن موضوع الدعم الأميركي لإسرائيل لا يقتصر على البعد الديني، وأعتبر البروفيسور جون مميرشايمر الأستاذ بجامعة شيكاغو، وستيفن والت، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد، في كتابهما الشهير "اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأميركية" أن دول اللوبي لا يقل أهمية عن البعد الديني، بل يكمل بعضهما البعض، ويخدم كلاهما الأخر.

وعرف الكاتبان اللوبي الإسرائيلي بأنه تحالف فضفاض من أفراد ومنظمات يعمل بنشاط على تسيير السياسة الخارجية للولايات المتحدة في اتجاه موال لإسرائيل. وترجع هذه الرؤية لجماعات الضغط اليهودية الفضل في العلاقة الحميمة بين إسرائيل والولايات المتحدة التي نشهدها اليوم.
ويتشكل اللوبي في جوهره من اليهود الأميركيين الذين لا يتوقفون عن جهود تسيير السياسة الأميركية وفق المصالح الإسرائيلية. ولا تقتصر تلك الجهود على مجرد تمويل المرشحين الموالين لإسرائيل، بل يتعداه إلى ممارسة الضغوط على جماعات المصالح الخاصة وعلى الكونغرس والبيت الأبيض والإعلام. وفي المقابل نجد أن الجماعات المعنية بالمصالح العربية ضعيفة وربما غير موجودة على الساحة، الأمر الذي يزيد سهولة مهمة اللوبي الإسرائيلي.

ولا يكتمل الحديث عن عمل اللوبي دون التطرق لواحد من أقوى الأسلحة، وهو الاتهام بمعاداة السامية. فإن أي شخص ينتقد أفعال إسرائيل، أو يتجرأ على القول بأن الجماعات الموالية لإسرائيل، تؤثر في سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط أو حتى مجرد القول بأن اللوبي الإسرائيلي سيجد نفسه موصوما بتهمة معاداة السامية.

واعتبارا من تسعينات، خصوصا بعد هجمات 11 من سبتمبر، أصبح مبرر الدعم الأميركي لإسرائيل الزعم بأن كلتا الدولتين تواجهان تهديد "الجماعات الإرهابية" التي تنطلق من الشرق الأوسط والعالم الإسلامي ومجموعة من "الدول المارقة" التي تدعم الإرهابيين.

من ناحية أخرى، تنفرد إسرائيل بالساحة الأميركية الواسعة في ظل تردد الدول العربية عن دعم فكرة الدولة الفلسطينية عمليا، وفي ظل غياب أي رغبة في لعب دور مؤثر داخل الولايات المتحدة رغم وجود العديد من الفرص والطرق التي يمكن من خلالها التأثير في حسابات صانع السياسة الأميركي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.