غزة.. ميدان للتحوّلات في الرؤية والأمن القومي

Israeli soldiers check a tank in an area near Israel's border with the Gaza Strip, in southern Israel October 19, 2023. REUTERS/Ronen Zvulun
جنود إسرائيليون يتفقدون دبابة في منطقة قريبة من حدود إسرائيل مع قطاع غزة في جنوب إسرائيل (رويترز)

لا يستوعبُ العقل عزلَ الأحداث الجارية في غزّة، عن مسار كليات القضية الفلسطينيّة في مجملها وتفاصيلها، ولا يمكن تصوير الأزمة على أنّها "صراع بين إسرائيل وحماس"، فهذه اختزالات للمشهد في أضيق زواياه، وفيها "خلع لمصاريع الأبواب" لمرحلة إسرائيليّة جديدة "بعد التطبيع العربي المجاني"، فلا يمكن للغرب  "بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية" أن يتخلّى عن "طوق أوكرانيا" بعد تلك الجهود والحشود العسكريّة والماليّة والإعلامية، وينتقل "عسكريًا وسياسيًا وإعلاميًا" للمنطقة تحت مظلّة إسرائيل "المنبوذة إقليميًا"، إلا أنّ الأمر أكبر من المشاهدة "بالعين المجرّدة"، لسببين:

  •        الأوّل: أنّ العالم الغربي يعلم أنّه بهذا التحرّك المتسارع وغير المحدود للمنطقة "تحت مظلّة إسرائيل"، سيفقدهم ما بقي لهم من المصداقيَّة في الوعي العربي والإسلاميّ "الرسمي والشعبي"، وبالتالي فقدان الثقة بشكل كامل، كما سيؤدّي لانكشاف أوكرانيا باتجاه روسيا، وبالتالي خَسارة ملف أوروبي حيوي لرهان جديد مليء بالمخاطر.
  • الثاني: مخاطرة إسرائيل في الانكشاف الكامل بمشروعها في مواجهة "الشعور العربيّ والإسلامي"، وهي تعلم خطورة "الشعوب العربية" المحجوبة عنها بالأنظمة العربية الموالية لها، وقد أثبتت الثورات الشعبية بما يسمّى "الربيع العربي"، عدم وجود قوّة تحجبها، ولا سيما أن إسرائيل منكشفة لثلاثة اتجاهات: (مسار شعبي من جهة رفح ـ مسار شعبي من جهة الأردن ـ وبقية الفلسطينيين في الضفة والقطاع)، وهذه الشعوب ليس لديها ما تخسره، فهي تخسر كل يوم، "كمن يشاهد شاشات هبوط البورصات"، يعزز ذلك الرعونة والعُنجُهيّة الإسرائيلية التي تغيّبها عن الوعي الواقعي، وآخرها "تصريحات رئيس وزراء الكيان الصهيونيّ" الذي يدعو فيه لحمل السلاح من كافّة المدنيين.

ـ إنّ ما يجري في غزة يتجاوز الوعي التلقائي!! فهو أشبه ما يكون بقصتَين في رواية، أو حكايتَين في مشهد، ما يلزم معه عزلٌ شعوريّ، وفصلٌ سياسيّ، لتلمس خيوط الحكاية من جميع أطرافها.

هذا التحرير للمسألة يقود للنظر إلى جملة أمور:

  • أنّ الغرب بقيادة أمريكية، نفض يدَيه من كل التزام "قانوني أو أخلاقي" مع دول المنطقة، فيما يتصل بمصالحه الاستراتيجيّة، مقابل "تحقيق المشروع الصهيونيّ، وإن كان على حساب الأمن القومي العربي "الجمعي أو الفردي".
  • إشكاليةُ وفاء "دول التطبيع" بالتزاماتها مع إسرائيل، يقابله ارتباكها في الاصطفاف الطبيعي مع الحقّ العربي، مبنيّةٌ على نظرة خاطئة "تحقيق المصلحة الوطنية وإن خارج الفضاء العربيّ"؟!
  • الخلل في أداء المنظومات الجمعية العربية "جامعة الدول العربية ـ مجلس التعاون الخليجيّ" تجاه معالجة ملف الأزمة بشكل كُلي، بسبب جنوح بعض أعضائه إلى الطّرف البعيد.
  • يعتمد التوازن في معالجة الموقف الخطير الذي تقبل عليه المنطقة، إلى ثبات الموقف السعودي، وتحرّكه باتجاه التفعيل الإيجابي للأمين العام للأمم المتحدة، وتحريك مجلس الأمن من خلال ثنائية "روسيا والصين".
  • احتمالية بروز "محور التحشيد" لقوى دوليّة فاعلة ومؤثرة "في سياقات سلمية" لمواجهة غوغائية "الغرب تحت المظلة الإسرائيليّة".
  • قد يربك المشهدَ "من الناحية الأمريكيّة" تحركٌ صينيٌّ جادٌّ تُجاه تايوان "في ظلّ الانشغال الأمريكيّ، وتداخل الأولويات لديه.
  • كما قد يربك الحضورَ الأوروبيّ نشاطٌ روسي، يتجاوز حدود أوكرانيا إلى مناطق تقع تحت اهتمامه الاستراتيجي، انتهاز روسي للفوضى لتحقيق خطوات كانت مجدولة خارج الأولويات.
  • زيادة ملامح تحرّكات أذرع إيران تحت عجاج أزمة غزة للضغط على المحيط السّنّي المطوق لإسرائيل.
  • تتوارى إيران بملفاتها الاستراتيجيّة، عن عاصفة "فوضى المنطقة" من خلال مساحة من التماهي خلف الواجهات السياسية (إيران وإسرائيل)، يتوازى معها توزيع للنفوذ وتبادل للمصالح في المنطقة، مع تحييد تركيا، وتحجيم الحقّ العربي في أضيق نطاق ممكن.
  • تتنفس أمريكا إسرائيليًا "في منطقتنا"، وهذا ليس بجديد سياسيًا، ولكن الجديد أن تتحرك "عسكريًا" في وجه شراكاتها الاستراتيجية؛ وهذا دليل على أن المنطقة لم تعد أولوية للذات الأمريكية، وهذه حقيقة يجب أن يستوعبها القرار والوعي العربي "حاليًا ومستقبلًا".

الخلاصة، أنّ الملف خطير جدًا من جميع الاتجاهات، ويحتاج لجهود دولية فاعلة وواعية، وبالتوازي، نحتاج إلى جملة خطوات ذاتية:

  • كخطوة أولى لتصحيح مسار الوعي بأبعاد الأزمة، يلزمنا حجب الأصوات الإسرائيلية عن قنواتنا العربية، وإن لزم الأمر حجب القنوات الناطقة بالعربية التي تمارس العبث بمصداقيّة الوعي بحقيقة الأحداث؛ فالإعلام المخترق أداة لصناعة الكذب، وتزييف الحقائق، وتشويش الوعي.
  • في ظلّ مشاهد غزة المفزعة وتعاظم تحالف الغرب مع الاحتلال الصهيوني، وقلة حيلة إخوتنا في فلسطين، فإنّ العاطفة الشعبية تغلبُ العقل في النظر! وهنا يلزم حجب أصوات النشاز الإعلاميّ "خارج سياقات الصوت العربي الجمعي المبني على "تحقيق الأمن القومي العربي".
  • ضرورة تكوين فريق متابعة ورصد وتحليل، يقدم قراءات واقعية، ومؤشرات موضوعية، ومغذيات معلوماتية صادقة لوسائل التواصل الاجتماعي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.