طوفان الأقصى وخلافات صناع القرار الإسرائيلي

الخلافات تعصف بالحكومة الإسرائيلية منذ عملية "طوفان الأقصى" (وكالة الأناضول)

لا يختلفُ اثنانِ أنَّ عمليّة "طوفان الأقصى" في 7 أكتوبر 2023 أحدثت صدمةً هائلة في أروقة صناعة القرار لدى الاحتلال الإسرائيلي، سواء السياسية منها أم الأمنية والعسكرية، وحتّى الإعلامية، وقد ظهرت مؤشّرات الخلاف والتخبّط في عدّة ملفات نحاول أن نشير إلى أبرزها في السطور التالية:

تعدّ المسؤوليّة عن الفشل الأمنيّ والاستخباريّ والعملياتيّ عاملَ خلافٍ أساسيًا بين رئيس وزراء حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، وقادة جيش الاحتلال، حيث يحاول كلّ طرف التهرّبَ من تحمّل المسؤولية وإلقاءَها على الطرف الآخر. وفي هذا السياق، فإنَّ نتنياهو يسعى لتحميل الجيش المسؤولية؛ بحُجّة أنّه لم تصل أي معلومات استخبارية تمكّنه من اتّخاذ القرار الوقائيّ.

الخلافات الداخليّة في أوقات المعارك تضعف الرّوح المعنوية والاستعداد للقتال في الطرف الذي يصاب بها، وعندما يكون الخلاف بين القادة والعسكر، فإنّ ذلك يزيد فرصَ القرارات الخطأ في ساحة المعارك، والتردّد، ويطيل أمدَ المعركة، ويرفع تكلفتها، وهو ما تواجهه إسرائيل

ولا يزال نتنياهو يرفض تحمّل المسؤولية بالرغم من أنّ 80% من الإسرائيليين يحمّلونه إياها، وذلك وَفقًا لاستطلاع أجراه معهد لازار. كما طلبت الحركة الديمقراطية الإسرائيلية من المستشارة القضائية لدى الاحتلال فتح تحقيق حول إحراق مكتب نتنياهو وثائقَ بعد 7 أكتوبر؛ بهدف تقليص مسؤوليته عن الإخفاق.

وفيما لم يشرْ نتنياهو لأيّ تصريح يحمل معاني تحمّل المسؤولية عن الحدث، فقد أدلى مسؤولون آخرون، مثل:  وزير الدفاع يوآف غالانت، ورئيس الشاباك رونين بار، ورئيس الاستخبارات العسكرية أهارون هاليفا بتصريحات أعلنوا فيها تحمّل المسؤولية، وصدرت تصريحات مشابهة من رئيس أركان الجيش هرتسي هاليفي، ورئيس مجلس الأمن القومي تساحي هنيغبي، وقائد القوات الجوية تومر بار، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش.

وحتى تصريح نتنياهو مساء 25 أكتوبر- الذي جاء بعد تجنّبه للإعلام مدة 18 يومًا- أشار فيه إلى أنّه: "سيتعين على الجميع تقديم إجابات بشأن إخفاقات 7 أكتوبر، وأنا أيضًا"، وبهذا يتحدّث نتنياهو عن إجابات وتوضيحات، وليس عن تحمّل المسؤولية بصفته رئيسًا للحكومة، وهذا ما يأتي منسجمًا مع ما ذكرته صحيفة هآرتس من أن نتنياهو يقوم حاليًا بجمع أدلة ضد الجيش لتحميلهم المسؤوليّة وحدهم. وقد أشارت الصحيفة إلى أن نتنياهو مخطئ في الاعتقاد أنّه قادر على التهرّب من المساءلة. وفي ذات السياق، ذكرت تقارير أنّ 3 وزراء على الأقل يفكّرون في تقديم استقالاتهم من الحكومة بسبب تهرّب نتنياهو من الإقرار بالفشل وتحمّل المسؤولية.

فضلًا عن المسؤولية- وفي ذِروة المعركة (في اليوم الرابع منها)- برزَ خلاف آخر على المستوى الإعلامي، حيث قام نتنياهو بتعيين متحدّث جديد للتنسيق بين المراسلين العسكريين، وهي المهمة التي كانت تُوكل في العادة لوزير الدفاع، ورئيس أركان الجيش.

كما ألغى نتنياهو كلمة كان من المقرر أن يلقيها على جنود الاحتياط في قاعدة عسكرية بالقرب من غِلاف غزة، حيث قام بعضُ الضبّاط بشتمه ووصفه بالكاذب، متّهمين إياه بالمسؤولية عن مقتل رفاق لهم.

هناك خلافات أخرى حول التقييمات والخطط والقرارات، وقد أشارت صحيفة يديعوت أحرنوت إلى أن هناك خلافات- تحديدًا بين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت- تعرقل العمل المشترك. وخاصةً حول العملية البرية التي تمّ تأجيل إطلاقها أكثر من مرة؛ لتردّد نتنياهو في إعطاء القرار، وقد وردت تقارير بأن هناك ضغوطًا أمريكية لإعطاء فرص لتحرير مزيدٍ من الرهائن قبل بدء الحرب البرية.

كما أنّ هناك خلافًا حول الموقف من حزب الله، حيث أشارت تقارير إسرائيلية إلى أنّ وزير الدفاع طالب نتنياهو بالموافقة على تنفيذ ضربة استباقية لحزب الله قبل البدء في عملية برية في غزة، لكن نتنياهو لم يعطِ الإذن بذلك أيضًا، ما حدا بأوساط مقرّبة من الجيش بوصفه بالجبن.

وقد قالت القناة 13 الإسرائيلية: إنّ نتنياهو غضب من تسريبات مجريات اجتماع مجلس الوزراء، وأنه طالب بإجراء اختبار كشف الكذب، مضيفةً: إن التسريبات التي أثارت غضب نتنياهو بشكل خاص، تناولت الخلاف بينه وبين غالانت بشأن ضربة استباقية في الشمال. وما زالت التسريبات من مجلس الوزراء ومجلس الحرب الإسرائيلي مستمرة، وتعرض نتنياهو لانتقادات متتالية.

هناك خلاف واضح أيضًا حول الأهداف، ففيما أعلنت الحكومة أنّ هدفها إنهاء وجود حماس، فإن الجيش غير مقتنع بأنّ هذا هدفٌ قابل للتحقق، وهناك خلاف حول كيفية السعي لتحقيقه، ويرى الجيش أنّ الحكومة لا تضع أهدافًا واضحة، وبدون هذا الوضوح لا يمكن تحقيق أي انتصار.

من زاوية أخرى أدّى إدخال وزراء جدد للحكومة، مثل: بيني غانتس وغادي ايزنكوت إلى مزيد من الارتباك والخلاف، فهؤلاء ما زالوا لا يملكون نفوذًا في عملية اتخاذ القرار، وقد تم منعهم من لقاء مسؤولين خارج المناقشات الوزارية.

خلافات أخرى

هناك خلافات أيضًا حول ملف الأسرى، ولا تزال عائلات هؤلاء تنتقد نتنياهو وتحمله المسؤولية عن حياة أقاربهم، وقد تلقّى انتقادات قاسية بسبب إفراج كتائب القسام عن رهينتَين أمريكيتَين قبل الإفراج عن أيّ رهائن إسرائيلية.

وقد تراجعت ثقة قطاع الأعمال في إدارة الحكومة الملفَّ الاقتصادي، وهناك عدّة عوامل لذلك، منها استياء لدى النازحين من سديروت ومناطق غلاف غزة بسبب الظروف المعيشية السيئة، وأداء الوزارات المختلفة، إضافة إلى الكلفة المادية العالية لاستدعاء أكثر من 360 ألف جندي احتياطي إلى الجيش.

وعلى مستوى أقلّ من الحكومة هناك تراجع كبير في شعبية حزب الليكود، ولذلك يتوقع خبراء السياسة الإسرائيلية أن يقوم الحزب بخلق مسافة بينه وبين نتنياهو، أو أن يكون هناك انفصال بين نتنياهو والحزب.

يوجد خلافات حول الإدارة المالية خلال الحرب، وقد وُجهت الكثير من الانتقادات لوزير المالية سموتريتش؛ بسبب عدم كفاءة الأدوات والتدابير الاقتصادية وقت الحرب، وتتهم الحكومة بالفشل في التعامل مع التداعيات الاقتصادية للحرب حتى اللحظة، وفي هذا السياق، كلما زاد أمد الحرب، زاد الضرر المباشر على الاحتلال الإسرائيلي.

هناك خلافات كثيرة داخل أروقة صناعة القرار لدى الاحتلال، تنبع من أزمة ثقة بين نتنياهو والقادة العسكريين والأمنيين. وفي الحقيقة هناك حالة تصدّع داخل المؤسسات الإسرائيلية تتراوح من الملفات الاستراتيجية إلى الملفات الخدماتية المحلية، واستمرار هذه الخلافات قد يخلق المزيد من التحديات أيضًا؛ لأنّها تعرقل تبنّي سياسة واضحة.

هناك جزء معروف من الخلافات بدأ قبل معركة "طوفان الأقصى"، وقد رأينا المظاهرات الكبيرة احتجاجًا على الإصلاحات القضائية التي رفضتها مجاميع من المؤسستَين: الأمنية والعسكرية، ثم هناك جزء منها مرتبط بعدم القدرة على التعامل بانضباط مع الصدمة التي حققتها عملية "طوفان الأقصى"، فضلًا عن الضغوط الخارجية التي تزيد من الخلافات بين صنّاع القرار داخل دولة الاحتلال.

إنّ الخلافات الداخلية في أوقات المعارك لها تأثيرات سلبية على الجبهة التي تشهدها، فهي تضعف الروح المعنوية، وتقلل من عملية الاستعداد للقتال، وعندما نتحدث عن خلاف بين الساسة والعسكر، فإنَّ احتمال أن نرى قرارات خطأ في ساحة المعارك تتزايد. كما أنّ الخلافات تزيد من التردد وتزيد من إطالة أمد المعركة، وهو ما يعني مزيدًا من التكلفة بأبعادها كافةً.

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.