حزب الله وطوفان الأقصى.. هل ينخرط في الحرب أم يناور سياسيا؟

الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصر الله (وكالات)

بات السؤال الأكثر تداولا في الأروقة السياسية والدبلوماسية في لبنان والمنطقة هو: "هل يدخل لبنان وحزب الله تحديدا على خط معركة "طوفان الأقصى"؟ لا إجابة واضحة عنه حتى اللحظة. لكن الأكيد أن المسارات العسكرية في غزة وما قد ينتج عنها هو الذي سيحدد وجهة الحزب.

ومنذ انطلاق حرب طوفان الأقصى والتقدم الذي أحرزته حركة حماس، كان حزب الله في حالة استنفار سياسية وإعلامية وعسكرية، أصدر بداية بيانه الذي تأخر لمنتصف نهار السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وشدد فيه على متابعة ومواكبة ما يجري، وأنه على اتصال دائم مع حماس والجهاد الإسلامي.

المعادلة الإسرائيلية

صباح يوم الأحد الماضي، أوصل حزب الله رسالة مباشرة من خلال القذائف الصاروخية التي أطلقت باتجاه مواقع إسرائيلية محاذية للبنان. الرسالة كانت مدروسة: استهداف مواقع عسكرية في منطقة "مفتوحة"، وفق معايير الحزب، أي في مزارع شبعا المحتلة التي يطالب بها لبنان.

ومبادرة إسرائيل إلى قصف مواقع معروفة بأنها لـ"حزب الله" في الشريط الحدودي، تعكس من جهة حالة التوتر التي تعيشها القيادة العسكرية في الشمال، لكنها تشكل رسالة واضحة أرادت إسرائيل من خلالها تحميل حزب الله مباشرة أي عمل يُشن عليها انطلاقا من الأراضي اللبنانية. وهي تحاول عبر عمليات القصف وإيقاع قتلى في صفوف حزب الله القول للحزب إنه مسؤول مباشرة عن أي عمل ينطلق من لبنان بعد تسلل عناصر الجهاد الإسلامي إلى مستعمرة شتولا، وإنه مسؤول عن أي نشاط يقوم به الفلسطينيون في لبنان سواء بعلمك أو من دونه.

هذه المعادلة هي بالضبط ما يعمل حزب الله على منع تكريسها، ولذلك فإن القصف الذي تعرضت له ثكنات إسرائيلية بعد قصف مواقعه، شكل ردا أوليا، وهذا يشير إلى أن الحزب، كما هو معروف عنه، يدرس الأمر من زاوية "القصف مقابل القصف" التي يعمل بها منذ فترة طويلة، والتي تقتضي منه القيام بعمل عسكري يؤدي إلى قتل ثلاثة جنود إسرائيليين على الأقل، وما سينتج عن ذلك من رد فعل لدى حكومة نتنياهو المأزومة، مما قد يقود إلى تدحرج الأمور نحو مواجهة واسعة.

ولهذه المواجهة قواعدها وسياقاتها بالنسبة إلى حزب الله، فهو لا يراها موضعية وتخصه لبنانيا، بقدر ما يراها ويريدها في سياق المواجهة التي تؤدي إلى خلق شبكة حماية للفصائل في غزة، وإفشال الالتفاف الإسرائيلي الهادف إلى محاولة إزالة التأثيرات التي تركتها عملية العبور في طوفان الأقصى.

وعليه أصبح لبنان بشكل أو بآخر في قلب التصعيد الذي تشهده المنطقة انطلاقا من عملية طوفان الأقصى، وإن لم تكن بالحرب العسكرية المباشرة والمفتوحة، وفتح الجبهات وإشعالها من لبنان وسوريا، إلا أنه بالمعنى السياسي والإستراتيجي هي معركة في سياق تكامل مسار وحدة الجبهات التي تحدث عنها بشكل مستفيض مسؤولو حزب الله وقيادات إيرانية.

وهذا الصراع سيأخذ مداه الأبعد في الإعلان الأميركي والغربي الواضح والمباشر بالوقوف خلف إسرائيل، والدفاع عنها وعن وجودها التاريخي، وصولاً إلى إرسال أسلحة لها وتوجيه حاملة الطائرات نحو شرق البحر الأبيض المتوسط، والدعوة إلى تحالف دولي لمواجهة التدحرج الحاصل في المنطقة.

بالمقابل، لا يخفي حزب الله وأوساطه أن إرسال واشنطن حاملة الطائرات للمنطقة تحمل مجموعة أهداف، وهي إبعاد إيران عن هذا الصراع. وهو ما يندرج في كلام وزير الخارجية أنتوني بلينكن بعدم وجود دليل على مشاركة طهران في عبور حماس.

وكذلك فإن الرسالة الأساسية هي لحزب الله خصوصا بأن تدخله قد يدفع الأميركيين إلى التدخل المباشر، وضرب قواعده المتعددة في لبنان وسوريا. وهذا الأمر حرصت وسائل إعلام إسرائيلية على تسريبه حول ما طلبه نتنياهو من الرئيس الأميركي جو بايدن بضرورة التدخل العسكري الأميركي المباشر إذا قرر حزب الله الدخول في المعركة، وفتح جبهات من لبنان وسوريا في إطار التخفيف عن غزة.

فرصة ذهبية

وفي الصورة الأوسع قد يجد حزب الله فيما يجري فرصة ذهبية، لا يمكن السماح بتضييعها في إطار واضح وهو إثبات جدية وقوة مشروع "وحدة الساحات"، وحتى لو كان الثمن الداخلي في لبنان كبيرا وغير متوقع، على اعتبار ما يجري لحظة تاريخية، عدم التفاعل معها سيؤدي إلى خسارات متعددة. كذلك فإن المشاركة الفاعلة في هذه الحرب ستؤدي إلى فرض شروط وتنازلات من إسرائيل لم يكن أحد من قبل قادرا على تحصيلها، خصوصا أنه من وجهة نظر حزب الله، فإن إسرائيل في أسوأ مرحلة في تاريخها منذ 1948، أي أن إسرائيل مضطرة للتنازل في نهاية المطاف.

وهنا لا بد من انتظار مسار المعركة، وما ستقرره الحكومة الإسرائيلية بشأن التعامل مع غزة، لأن الدخول في حرب برية واسعة حتما سيبقي الجبهة اللبنانية مفتوحة على احتمالات كثيرة، وسيرسل الكثير من الرسائل العسكرية والصاروخية، للإشارة إلى جاهزية الحزب الكاملة للدخول في الحرب، لا سيما أن العملية التي أطلقتها حماس لا يمكن فصلها عن سياق التنسيق مع قوى المنطقة.

وما كشفته "وول ستريت جورنال" من تنسيق في غرفة العمليات المشتركة للعملية في بيروت منذ مدة، يؤكد أن مثل هذا القرار لا بد أن يكون متخذا على مستوى محور المقاومة ككل، كما أن العملية مشابهة للكثير من العمليات التي قام بها الحزب سابقا، وآخرها عملية "مجدو"، باستخدام مجموعات بشرية مقاتلة تنخرط في المعارك. وقد استخدم ذلك في المعركة التي يطلق عليها الحزب اسم "بدر الكبرى" مثلاً، وإيران استخدمت مثل هذه الأساليب العسكرية في حربها مع العراق في عهد صدام حسين.

وثمة أمر رئيسي لا يمكن القفز فوقه، وهو أن حزب الله، الذي يقوم بتحشيد عسكري في لبنان رغم كل التباينات السياسية الحاصلة حول سلاحه ودوره الإقليمي، يقوم بتوسيع الحضور العسكري في مناطق جنوب سوريا وتحديدا في القنيطرة ومحيطها، وهو لا يغفل حساسية الجبهة السورية الصامتة عسكريا منذ عقود طويلة، مما يعني وجود خطة مبيتة لإرهاق إسرائيل من الجبهات الثلاث، وهذا ما استدعى اتصالات أميركية وإماراتية وفرنسية مع لبنان وسوريا للضغط باتجاه منع الانخراط في المعركة.

وهناك من يعتقد أن الاندفاعة من حزب الله بالاستثمار في العملية قد تتراجع إذا تم توسيع المواجهة نحو حرب تتخطى "الجبهة الغزية"، وقد يحول ذلك دون كسب إيران لما تريده. فالاستثمار في القضية الرئيسية والمحورية التي هي القضية الفلسطينية، يعطي الحزب وإيران أوراقا تفاوضية، في حين أن فتح الجبهة من لبنان قد يساهم في تشتيت قوة إسرائيل، لكنه في الوقت نفسه يضرب الهدف السياسي للحزب باعتبار أن الدخول في معركة وسط هذا الصراع السياسي حول سلاح الحزب سيزيد الخلافات اللبنانية حول دور الحزب في ظل خصومته مع فريق واسع من اللبنانيين.

والحزب الذي كان يعول على استخراج النفط والغاز من البلوك الـ9 قبالة الشاطئ الجنوبي الذي قطعت شركة توتال إنيرجي شوطا في الاستكشاف والحفر فيه، قد يتوقف، والأمين العام للحزب قال في خطابه الأخير في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول إن المعطيات الأوّلية تفيد بوجود كميات من الغاز فيه، وهذا مؤشر مهم على اهتمام الحزب بملف الطاقة كشريك طبيعي في مكاسب هذا القطاع، ويفتح آفاق الاستثمار في لبنان، والذهاب لتخفيف الضغوط الأميركية على لبنان والحزب عبر رفع العقوبات. لذا إدخال لبنان في الحرب الدائرة قد يحول دون استكمال هذا المسار.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.