حملة ضد مونديال قطر.. الإعلام الغربي حبيس خطاب الاستشراق

العد التنازلي لمونديال قطر 2022
العد التنازلي لمونديال قطر 2022 (الجزيرة)

في الأشواط الأخيرة قبل إطلاق صافرة بداية مونديال قطر لكرة القدم، استشرست على نحو غير مسبوق حملة إعلامية غربية ضد قطر، علت خلالها نبرة خطاب يصف هذا البلد الخليجي بأنه "دولة حديثة التأسيس"، تنتج "الغاز حصرا" من دون أي شيء آخر، ويتملكها رُهاب مستحكم من المثليين، وتتسامق فيها البنايات على أجساد العمال المنهكين. وفي الوقت نفسه انبرت صحف غربية لإقامة ربط غريب بين بعض الأحداث المتفرقة ومونديال قطر؛ كواقعة توقيف مواطن بريطاني في العراق بسبب عدم سداده ديونا مستحقة لبنك قطري.

اللافت أن هذه التوصيفات نادرا ما قدمت بلغة صحفية ناقدة ومتوازنة يُستدعى الطرف الآخر للرد عليها، بل صيغت في شكل لازمة ترددها وسائل الإعلام الغربية، وتُحيل إلى ما يشبه ماهية ثابتة لقطر وهوية غير مفارقة لها، وفي أحايين أخرى انصرفت بعض العناوين تلميحا وتصريحا لرسم صورة كاريكاتيرية تختزل ثقافة ومجتمعا ونظاما سياسيا في بضع صور نمطية، وتصنف قطر في خانة "الآخر" المخالف للنموذج الغربي الحداثي والمتخلف عنه بالأساس، أما قضايا شائكة من حجم الاقتصاد السياسي المرتبط بالعمالة المهاجرة في غرب آسيا، أو الجدل حول صناعة الهويات الجنسية السائلة فقررت صحف أخرى حصرها في سياسات قطر "المجحفة تجاه العمال" أو "المضطهدة للمثليين".

مع اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا، كانت وسائل الإعلام الغربية مستغرقة في عقد المقارنات بين اللاجئين الأوكرانيين الشُقر والمتحضرين الذين يقاسمون الغرب نفس القاعدة الحضارية ومنظومة القيم الحداثية، وبين اللاجئين القادمين من سوريا والعراق وأفغانستان المتمايزين عنهم والمنتمين إلى صنف "الآخر" المتصف بالفقر والجهل والتخلف

هكذا يتم إظهار قطر في الخطاب الإعلامي الغربي لا كبلد مضيف لمونديال 2022، بل كتكثيف جديد لصورة "الشرق" العجائبي المختزنة في "مخيال الغرب" -بتعبير إدوارد سعيد في دراسته للاستشراق- والتي لا تريد الصناعات الإعلامية الغربية التخفف منها منذ عقود، والآن تسفر تلك الصورة عن نفسها بوضوح في خطاب إعلامي يربطه خيط ناظم يؤلف بين عشرات المقالات في صحيفة غارديان القريبة من اليسار البريطاني أو تايمز المملوكة لرجل الأعمال روبرت مردوخ، أو على قناة سي إن إن الأميركية الأكثر ميلا للديمقراطيين، أو فرانس 24 الممولة من الحكومة الفرنسية، وغيرها؛ في ما يشبه شبكة متسقة تنظر إلى نفسها كمركز ولما سواها كهوامش.

لكن ليست هذه المرة الأولى التي يتمعن العالم العربي في صورة ملامحه على مرآة وسائل الإعلام الغربية، ليتعرف على قسماته كما يصر الغرب على تشكيلها نيابة عنه، ملامح يُغيب فيها سمت الإنجاز، بينما تُستحضر الطباع الغرائبية والأوصاف المتخلفة، وتُحشر السياقات شديدة التركيب التي تحكم البنيات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية لهذه المنطقة في مجال رؤية تبسيطي ضيق، عالق بين ثنائيات من قبيل أشرار/أخيار، أو تقدم/تخلف، أو ديمقراطية/استبداد، أو حرية/قمع.

هذا الخطاب الإعلامي تجاه المنطقة يعلن عن نفسه بجلاء في الأحداث الكبرى والانعطافات التاريخية البارزة، ويدفع بالتالي للافتراض أن هذه الحملة ضد قطر يغذيها أيضا شيء آخر أعمق، ثاو في البنية الذهنية لمن ينتج بوعي كامل هذا الخطاب في وسائل الإعلام الغربية، ولمن يصر عمدا على صناعة صورة تعيد عبرها شبكة الهيمنة الغربية إنتاج سردياتها عن العالم، وتثبيت سلطتها الاقتصادية والسياسية والثقافية.

فقبل أشهر قليلة، مع اندلاع الحرب الروسية على أوكرانيا، كان طيف واسع من وسائل الإعلام الغربية مستغرقا في عقد المقارنات بين اللاجئين الأوكرانيين الشُقر والمتحضرين الذين يقاسمون "الغرب" نفس القاعدة الحضارية ومنظومة القيم الحداثية، وبين اللاجئين القادمين من سوريا والعراق وأفغانستان المتمايزين عنهم والمنتمين إلى صنف "الآخر" المتصف بالفقر والجهل والتخلف.

وليست أيضا هذه المرة الأولى التي تخوض فيها وسائل الإعلام الغربية حملة ممنهجة ضد الدول المنظمة لأحداث رياضية كبرى والواقعة حسب رؤية المركزية الغربية للتقسيمات الجغرافيا الحضارية في "العالم الثالث"؛ مثل البرازيل، وجنوب أفريقيا، أو حتى تلك المصنفة في ما يمكن أن نطلق عليه "العالم المنافس"؛ الصين وروسيا، إلا أن غُلو الحملة ضد قطر يجعلها مثالا مناسبا لتسليط الضوء على الخطاب الإعلامي الاستشراقي، وجدلية "الأنا و"الغير" على شاشات الغرب، ولغة الاستعلاء العرقي وسياسات الهوية التي تغلف المعالجة الصحفية الغربية لهذه الأحداث الكبرى، في حين تقدم لنا أدبيات مدرسة ما بعد الاستعمار (postcolonialism theory) التي تدرس بنيات الخطاب المتداول بين المستعمِر والمستعمَر عدة نظريات لتفحص الحملة الغربية ضد قطر وتفكيك أسسها الفلسفية والثقافية.

هل يصور الإعلام الغربي الواقع كما هو؟ "نظرية التمثيل"

في منطقة عربية متعطشة لتجربة الانتقال الديمقراطي لعبت فيها وسائل الإعلام -سواء في نسختها الرقمية أو الجماهيرية- دورا فاعلا في الحراك الديمقراطي الشعبي، قد يبدو مفهوما الاحتفاء بليبرالية وسائل الإعلام الغربية وتعدديتها واستقلاليتها واتساع حيزها العام، مقارنة مع بيئات سياسية أخرى، لكن لا يجب أن يدفعنا ذلك للقفز على تاريخ من النقد الحاد وُجّه للصناعات الإعلامية الغربية. وتعد مدرسة فرانكفورت النقدية أحد أبرز رواده منذ أواخر أربعينيات القرن الماضي، وأدبيات هذا التيار تصنِف الصناعات الإعلامية في الغرب في خانة الصناعات التي لا يحركها الرأسمال كعامل اقتصادي فحسب، بل كمعطى ثقافي أيضا؛ فالرأسمال الغربي نفسه إلى الآن لم يتخلص من إرثه الاستعماري ومن ممارساته النيوليبرالية، وأي فهم للخطاب الإعلام الغربي تجاه المستعمرات السابقة يستحضر مباشرة شبكات المصالح هذه، وقوى الهيمنة التي تبدو في ظاهرها إعلامية وثقافية وتستبطن أيضا دوافع اقتصادية وسياسية.

خلافا لما تصوره وسائل الإعلام خلال الدعاية لنفسها من نقلها للواقع كما هو، إلا أن نظريات علوم الاجتماع توكد أن أدوارها أكثر تعقيدا من مجرد امتلاك جرأة "نقل الواقع"، بتعبير السوسيولوجي البريطاني ستيوارت هول؛ فوسائل الإعلام ليست محض عاكس للواقع الصرف، بل إنها هي من تصنع تصورنا عن العالم وتصوّغ لنا معناه، وتملك سلطة تشكيل تمثلاته في أذهاننا، متكئة على قوتها الرمزية التي تمنحها القدرة على "الإظهار" و"الإخفاء" أو ما يطلق عليه ستيوارت هول "نظرية التمثيل" (representation theory)؛ أي سلطة اختيار الكيفية التي تظهر بها فئات اجتماعية أو عرقية أو ثقافات محددة، وآلية التمثيل هذه تتم عبر عدسات المصورين وأقلام الصحفيين وأصوات المذيعين ومن خلال سياسات التحرير.

بهذا المعنى عملية إنتاج الخطاب هي مقابل لإعادة إنتاج ناعم لشبكات الهيمنة الثقافية والسياسية الغربية، هكذا يختار الخطاب الغربي بعناية "تمثيل" قطر على شاشاته وصفحاته وفق شبكات المصالح تلك وعبر آلية "الإخفاء" و"الإظهار"، لتصبح صورة قطر المتداولة هي ما اختارت هذه المنصات الترويج له بوصفه واقعا حقيقيا.

بهذا المعنى لا يجب التعامل مع خطاب الاستشراق، خاصة حين يتسرب إلينا محمولا عبر لغة وسائل الإعلام، كتراث نظري ينتمي إلى ماضي العلاقة المتوترة بين المستعمِر والمستعمَر، ماضٍ يتضح فيه أن حتميات العولمة الاقتصادية وعالمية حقوق الإنسان قد تجاوزته، في الوقت الذي ما زال يشكل منظومة فكرية تحركها عقيدة المركزية الغربية ويتغذى عليها خطاب وسائل الإعلام التي تضطلع بمهمة نقلها إلى الثقافة الشعبية الغربية، بهدف تجييش وعي جمعي غربي يختزن صورة ذهنية عن شرق فاقد متخلف ورجعي، ليصبح دلالة في كل الأذهان عن "الآخر" الذي يرتبط وجوده بأن يكون متخلفا عن الغرب، ويتقهقر عنه حضاريا.

هكذا انخرط عدد من المدن الأوروبية في حملة شعبية لمقاطعة بث مباريات المونديال في أماكن عامة، في تأكيد على ذلك الجهد الحثيث الذي تبذله وسائل الإعلام لترسيخ تلك الصورة المنتقاة بحرص في الوعي الشعبي الغربي.

تقدم لنا الدراسات الثقافية النقدية نظريات أخرى قد تبدو مفيدة في تحليل هذا السلوك الإعلامي الغربي، من أهمها نظرية "الغير" (othering theory)، حيث تظهر وسائل الإعلام الغربية كأنها بحاجة لتنصيب قطر في هيئة ذلك "الآخر" أو "الغير" لتأكيد وجود "غرب" أو "الأنا" كذات حضارية متفوقة حقوقيا وديمقراطيا وحتى ثقافيا؛ فالغرب وفق هذه الرؤية لا يستطيع الوعي بذاته بمعزل عن ذات أخرى مقابلة له جغرافيا وحضاريا وتلقيبها "بالآخر".

هكذا قد لا يبدو مستغربا مثلا تذكير صحيفة الغارديان في أغلب مقالاتها عن قطر بأنها دولة واقعة في شبه الجزيرة العربية، وأنها حديثة النشأة ويعتمد اقتصادها أساسا على الغاز وتنتهك حقوق العمال ويحظر فيها التعبير عن المثلية الجنسية، في ما يشبه تذكيرا بعناصر هوية ثابتة للشخصية القطرية، وصفات سلبية لصيقة بها كجوهر أصيل (essentialism) مُشَكِّل لملامحها الحضارية، وهذا النوع من الخطاب كما يرى ستيوارت هول إحدى السمات الأساسية التي تصور بها الثقافة الغربية الشعوب المختلفة عنها بهدف تكريس تفوقها.

لكن ملامح قطر في الخطاب الإعلامي الغربي تنبني أيضا على ما يمكن وصفه بالصورة المتناقضة التي تقدمها تارة في هيئة فاعلٍ إقليمي وشريك دولي حاسم في الوساطات وفي تدبير الأزمات الدولية الكبرى، وتارة في صورة الدولة الخليجية التي تنتمي إلى غياهب الشرق السحيق، لا يمكن أن توكل إليها مهمة تنظيم حدث "غربي" بامتياز لرياضة هي "صنيعة الحداثة الغربية" وصناعة أبطالها تتم حصرا على أراض غربية.

هذا التناقض في الخطاب لا يعني ازدواجية في سياسات قطر الخارجية، كما تعرف الدولة نفسها وسياساتها إلى العالم، ولكنه يعكس في الأساس وعيا مشوشا لدى الغرب عن قطر وصورتها، أو ما تصطلح عليه أدبيات ما بعد الاستعمار بنظرية "التناقض" (ambivalence theory)، لكن هذا الوعي المشوش بالآخر يطمئن لخطاب مواز يصور التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي تتطلع الدوحة لتحقيقها من خلال استضافة هذا الحدث الرياضي بوصفها نموذجا غربيا يجب أن يقتفى وتتدرج الدول الأخرى في سلمه، دون أن تمتلك الحق في اجتراح طريقٍ بديل.

ما وراء الخطاب الحقوقي لوسائل الإعلام الغربية

منذ الإعلان عن قبول ترشح قطر لتنظيم كأس العالم أصر الإعلام الغربي على استدراجها إلى ساحات حقوق الإنسان وعلى تفحص سجل الدولة في هذا المجال، حيث نسج أيضا خطابا ملتبسا حول قضية حقوق العمال، أحد أبرز مواطن الجدل بين الدوحة ووسائل الإعلام الغربية. فقد يبدو مفهوما ومتقبلا استغلال حدث رياضي بهذا الحجم للضغط من أجل تحسين ظروف العمال، إلا أن اختزال قضية بالغة التعقيد والتداخل كالعمالة الوافدة في غرب آسيا بوصفها مشكلة قطرية صرفية ينطوي على ازدواجية واضحة، في هذا السياق تفسح أدبيات الاقتصاد السياسي -على سبيل المثال لا الحصر- آفاقا شاسعة لمقاربة قضية يتداخل فيها البعد الحقوقي المحلي مع نضالات البروليتاريا العابرة لكل الأمكنة، بما فيها الرقعة الجغرافية الغربية نفسها، وتشتبك من خلالها الإشكاليات البنيوية المرتبطة بالرأسمالية المُعولمة العابرة للحدود التي أنتجت هذه الظاهرة، مع ما يعرف بالنظام العنصري للعمالة، وهو إرث قديم تحرص الشركات الغربية نفسها على استمراره، فيما تتطلب معالجته حلولا هيكلية يشترك في صياغتها مختلف المسؤولين عن هذه الظاهرة في مختلف محطات العبور والهجرة التي يمر عبرها هؤلاء العمال.

يلاحظ أن هذا النوع من الربط النقدي غائب عن خطاب وسائل الإعلام الغربية عند تطرقها لظروف العمال في قطر، مع إصرار يبدو أيضا متعمدا في تشكيل صورة عن "أزمة حقوق العمال" تصوب إلى قطر تهمة صناعتها حصرا عبر قوانين عمل رغم إصلاحها من قبل السلطات القطرية، لكنها لا تقنع صحفيي ومراسلي ومحللي القنوات والصحف الغربية.

مع اقتراب موعد كأس العالم في قطر، بدأ أيضا سيل من العناوين على وسائل الإعلام الغربية يحذر من أخطار محدقة بالمثليين أثناء تواجدهم على الأراضي القطرية، وأطلقت وسائل الإعلام الغربية بمختلف اتجاهاتها ما يمكن وصفه بمعركة الحضور العادل للمثليين في المونديال، مع وسم قطر "برهاب المثلية". يحاول هذا الخطاب الإيحاء بأن نضالاته تتلخص في الانتصار للتطبيع مع سلوك جنسي أو التسامح مع فئة مختلفة مضطهدة، من دون الإشارة إلى أن قضية المثلية تتجاوز إشكالية السلوك الجنسي إلى معضلة إنتاج هوياتٍ جنسية وذواتٍ عابرة "للجندر"، وأن هناك ثقافة تنتمي إلى الشرق ترفض أو على الأقل تتوجس من هذه الأيديولوجيا الراغبة في خلق "الإنسان الجديد" سائل الهوية. هكذا يبدو أن خطاب وسائل الإعلام الغربية يختار صيغة تبسيطية متخفية وراء مقاربة حقوقية من جديد لطرح "المثلية" في مونديال قطر، ويغض النظر عن كل الأبعاد الإشكالية لقضية ما زالت حتى في الغرب محل نقاش أكاديمي وتربوي لا ينقطع منذ عقود.

هل يستطيع "التابع" أن يتكلم؟

هذا السؤال الذي طرحته المفكرة البنغالية غاياتري سبيفاك قبل 4 عقود خلال نقاشها مفهوم التابع كما صاغته أدبيات ما بعد الاستعمار "كذات خلّفها المحتل وراءه مثخنةً بكل صنوف الندوب"؛ قد يُستدعى أيضا في سياق استكشاف الرد القطري على هذه الحملة، ولكن في صيغة سؤال آخر ربما، هل استعاد "التابع" أخيرا حقه في الكلام؟

رغم تاريخ الاستبداد الطويل في المنطقة العربية، فقد مثلت المنصات الإعلامية التي مولتها قطر أول ظهور لحيز عام عربي بتعبير الفيلسوف الألماني هابرماس بديل عن الفضاءات العمومية الواقعية التي خنقتها عقود من الاستبداد، تلك المنصات -ومع استحضار النقد الموجه إليها مهنيا أو تحريريا- استطاع بفضلها المواطن العربي أن يتداول قضاياه ويستعيد حقه في الكلام والكتابة من دون أن تتكبد الصحف والقنوات الغربية عناء نقل صوته، بل أسهمت تلك القوة الناعمة في إشعال فتيل لحظة تاريخية كالربيع العربي، ليستعيد منذ ذلك الحين "التابع المتخيل" في الخطاب الغربي حقه في التعبير، ويحاول في أكثر من ساحة عربية انتزاع فرصته في التنمية، رغم كل الكوابح والأعطاب والأهوال التي تعيشها المنطقة، وما زال هذا المعترك الشاق متواصلا ولم يستقر بعد على نهايات واضحة.

توجيه النقد للغة الصحافة الغربية ضد قطر لا يعني أن شعوب المنطقة يجب أن تركن لنظريات المؤامرات الغربية أو أن تتحفظ على أي خطاب يواكب ويناقش تحولاتها وينتقد تراجع الحريات في منظوماتها، ولا تحتاج أيضا إلى وسطاء للحديث نيابة عنها، لأنها تمتلك الآن بفضل التحول الرقمي الهائل في مجال الاتصال أكثر من بديل لفعل ذلك.

بناء على هذه الرؤية، الرد على الحملة الغربية ضد قطر قد لا يتطلب إنتاج خطاب مضاد بالضرورة، يكرس النظر إلى الغرب كـ"آخر" متغطرس وعنصري واستشراقي، ولكن يجب على المنصات الإعلامية خاصة تلك الأكثر تأثيرا وانتشارا أن تمتلك وعيا حادا بخطورة هذا الخطاب، وأن تعيد التفاوض على موازين القوى التحريرية وملامح الصورة وعبارات اللغة وأشكال التمثيل، وأن تنسج خطابا يتخفف من أجندات وأولويات الغرب لا كحتمية تاريخية ولا كنموذج اقتصادي وسياسي مُبهر فحسب، بل أيضا كنموذج إعلامي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.