ما بعد الاعتداء على عمران خان

محاولة اغتيال عمران خان قبل وبعد اصابته
محاولة اغتيال عمران خان قبل إصابته وبعدها (مواقع التواصل الاجتماعي)

جدد الاعتداء الذي وقع أخيرًا على رئيس الوزراء الباكستاني السابق عمران خان، ونجم اللعبة الوطنية الباكستانية المفضلة لدى الباكستانيين "الكركيت"، الحديث عن اعتداءات سابقة على رؤساء وزراء سابقين، كان من بينهم بينظير بوتو قبل 15 عامًا حين كانت تخاطب حشدًا من أتباعها في مهرجان انتخابي براولبندي قرب العاصمة الباكستانية إسلام آباد، وذلك بعد عودتها من المنفى الاختياري، بتنسيق وترتيب مع الرئيس الباكستاني يومئذ برفيز مشرف، وقبل هذا الحادث بأزيد من نصف قرن قتل رئيس وزراء باكستان لياقت علي خان في المكان نفسه تقريبًا الذي قتلت فيه بينظير، وهو المكان الذي أعدم فيه والدها بعد انقلاب ضياء الحق 1977، لكن يبقى الخيط السري بين كل هذه الأحداث هو عجز القضاء الباكستاني عن الكشف عن الجهة الفاعلة والمنفذة والمدبرة لمثل هذه الحوادث، فضلًا عن معاقبتها، ويبدو أن هذه سمة الاغتيالات السياسية ليس في باكستان وحدها، وإنما في العالم كله.

على مدى أشهر ثمة آلية لضخ الدعايات ضد عمران خان، تتمثل في القول إنه لا يحترم المقدسات، وأحيانًا يزدريها، ويستشهدون على ذلك بعدم إرفاقه الصلاة على النبي محمد عليه السلام حين يذكر اسمه، ويعتقد المؤيدون لعمران خان أن هذه الدعاية هدفها خلق جو باكستاني، يدفع أحد الأفراد إلى اغتياله والتخلص منه، تماما كما أقدم قبل سنوات مرافق سلمان تسير حاكم إقليم البنجاب على قتله في إسلام آباد، بعد أن اتهمه بالتجديف بحق النبي عليه السلام، ويقول المؤيدون إن هذا ما حصل مع المتورط بمحاولة اغتيال عمران خان، الذي أرجع سبب محاولة اغتياله -في مقطع الفيديو الذي ظهر سريعًا بعد القبض عليه- إلى عدم احترام عمران للدين، حيث كانت الموسيقا تصدح خلال أوقات الآذان، ونحوها من اتهامات كالها المنفذ في مقطع الفيديو الذي نشر له، وقد أسفر الهجوم في حينه عن مقتل شخص واحد، وجرح 14 آخرين من بينهم عمران خان الذي أصيب في ساقه.

المتابع لوسائل التواصل الاجتماعي اليوم في باكستان يرى حجم الحشد والتعبئة غير المسبوقة ضد المؤسسة العسكرية، في أجواء قد تتقازم أمامها أجواء انفصال بنغلاديش عن باكستان، وهي الأزمة -بالمناسبة- التي تعدّها باكستان بمنزلة مقياس ترمومتر سياسي لأي أزمة تمر بها.

عمران خان (70 عامًا) السياسي الحديث على السياسة الباكستانية مقارنة بسياسيين حازوها بالتوريث، وهو البشتوني العنيد، ونجم الكركيت العالمي في الثمانينيات، يوم فاز بالكأس العالمية فاكتسب شهرة باكستانية غير مسبوقة حينئذ، فتبوأت باكستان في عصره مكانة عالمية في رياضة الكركيت المفضلة في باكستان، وظل عمران خان يبني شهرته هذه على أساسها حتى أسّس حزب الإنصاف، فاستقطب سياسيين من أحزاب باكستانية عدة، ليفوز في انتخابات باكستانية عامة في عام 2018، ملحقًا الهزيمة بديناصورات سياسية باكستانية، تصدّروا المشهد السياسي لعقود على طريقة لعبة الكراسي الموسيقية، وطوال فترة حكمه ظهر على غير ود مع المؤسسة العسكرية صاحبة النفوذ والتأثير، والدولة العميقة في باكستان، وهو ما قاد إلى الإطاحة به عبر حجب الثقة عنه أواخر فبراير/شباط الماضي.

وعلى الرغم من وقوف أحزاب رئيسية كبرى ضده، فإنه ظل قوة شعبية صاعدة، عجزت كل الأحزاب أن تحشد نصف ما حشد في مسيراته الشعبية، فأتت الانتخابات التكميلية في إقليم البنجاب لتثبت قوته الشعبية حتى بعد حجب الثقة عنه، حيث فاز بغالبية المقاعد الانتخابية في الإقليم، وهو ما شكّل صدمة لخصومه، ومفاجأة حتى لأشد المحللين محافظة، كما أتى فوزه قبل أيام بمقعد في منطقة "كرّم إيجنسي" القبلية ضد تحالف مكون من  12 حزبا معارضا له، وبفارق ضعف بالأصوات أدهش كل المحللين والخبراء.

بمقدور عمران خان أن يعلن حل برلمان أقاليم البنجاب، وصوبه سرحد وعاصمته بيشاور، بالإضافة إلى إقليمي جلجيت وبلتستان، وكشمير الخاضعة للسيطرة الباكستانية، وهو الأمر الذي يعني قانونيا حلّ الحكومة، والدعوة إلى انتخابات مبكرة، كما يطالب هو بنفسه اليوم، ولكن ما يمنعه من ذلك أنه من أجل اتخاذ قرار إعلان الانتخابات المبكرة، سيغيب هو وحزبه عن السلطة التي هو جزء من أقاليمها التي يتمتع فيها بالأغلبية، وغيابه عن هذه السلطة سيجعل تحركه الشعبي صعبًا، إذ قد يتعرض أتباعه ومسيراته الحاشدة للاعتقالات والتضييق، ولذا فهو يفضل أن يأتي إعلان الانتخابات المبكرة من الحكومة الفدرالية الحالية التي يقودها خصمه شهباز شريف.

الواضح اليوم أن المواجهة لم تعد بين عمران خان والحكومة الحالية بزعامة شهباز شريف؛ لقد غدت بينه وبين المؤسسة العسكرية والأمنية، ولذا فقد سمى غير مرة الجيش والمخابرات العسكرية بالاسم، وطالب حتى بإقالة مدير المخابرات العسكرية الذي ظهر في مؤتمر صحفي نادر مع مدير العلاقات العامة في الجيش الباكستاني، وهو يهاجم عمران خان ويتهمه بالإساءة للجيش، لاتهاماته لهم بالتآمر مع أميركا في الإطاحة به.

صعّد أتباع خان من تحركهم ضد المؤسسة العسكرية، حين تظاهروا أمام مقر قائد فيلق بيشاور العسكري، بعد الهجوم المسلح الذي وقع على زعيمهم، الأمر الذي قرأ فيه مراقبون تصعيدًا لافتًا من عمران خان، وهو ما كان ليقوم به أي حزب سياسي باكستاني، حيث يعد الجيش أمنًا قوميا في البلاد. وذهب -على ما يبدو- عمران خان في لعبة كسر العظم مع المؤسسة العسكرية إلى نقطة قريبة من اللاعودة حين نقل عنه أحد قادة حزبه أسد عمر بأنه أبلغ من عمران خان عن 3 شخصيات تقف خلف قتله إن وقع وهم: رئيس الوزراء شهباز شريف، ووزير الداخلية رانا ثناء الله، والجنرال فيصل.

المتابع لوسائل التواصل الاجتماعي اليوم في باكستان يرى حجم الحشد والتعبئة غير المسبوقة ضد المؤسسة العسكرية، في أجواء قد تتقازم أمامها أجواء انفصال بنغلاديش عن باكستان، وهي الأزمة -بالمناسبة- التي تعدّها باكستان بمنزلة مقياس ترمومتر سياسي لأي أزمة تمر بها ومسطرة كذلك يقيس عليها الباكستانيون أزماتهم إذا تعرضوا للخطر. أما الهجوم على الجيش اليوم وعلى الأجهزة الأمنية فيراه البعض هو ذاته الذي تحدث عنه الصراع بين باكستان الشرقية والغربية، وقد عكست ذلك كله تصريحات عمران خان الأخيرة حين قال "إن الجيش الذي حرم مجيب الرحمن عام 1971 من الحكم بعد أن فاز بالأغلبية العظمى هو نفسه من يحرمني ويعرقل نشاطي في الحكم أو في المشاركة بالانتخابات المقبلة". كانت وصية لورنس العرب قديمًا: "لا تحاول أن تفعل الكثير بيديك، فمن الأفضل أن تدع العرب يفعلونها لك"، أما في حالة الجيش الباكستاني فقد كانت وصيته طوال عقود ألا تفعل الكثير في باكستان بيديك، وإنما دع السياسيين يفعلوها لك، ويتحملوا وزرها أمام الشعب.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.