لا يقدر على الحركة ويعاني من أزمة قلبية.. من ينقذ عبد المنعم أبو الفتوح؟

رئيس حزب مصر القوية، عبد المنعم أبو الفتوح اثناء محاكمته
عبد المنعم أبو الفتوح: "أن أعيش في سجن "أبي زعبل" خير لي من أن أعيش في قصر من قصور لندن" (مواقع التواصل الاجتماعي)

"أن أعيش في سجن "أبي زعبل" خير لي من أن أعيش في قصر من قصور لندن". كلمة قالها المرشح الرئاسي السابق ورئيس حزب مصر القوية، الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، خلال آخر حوار له مع قناة الجزيرة بلندن. وفي اليوم التالي من رجوعه إلى مصر تم اعتقاله في 14 فبراير/شباط 2018، ومنذ ذلك الوقت وهو في حبس منفرد.

تاريخ من النضال والاعتقال

عبد المنعم أبو الفتوح من رواد جيل الحركة الطلابية في السبعينيات قبل أن يصبح معارضا سياسيا في فترتي حكم الرئيسين أنور السادات وحسني مبارك. وقد كان من الوجوه التي شاركت في التقريب بين الإخوان والأحزاب الأخرى خلال الانتخابات التشريعية لسنتي 1984 و1987.

وبعد أن قضى 5 سنوات في السجن تحت حكم حسني مبارك (1996-2001)؛ اصطدم أبو الفتوح مع أفكار قيادات الجماعة. وكانت زيارته لنجيب محفوظ بعد محاولة اغتياله سنة 1994 سببا جديدا لتعميق الخلافات، فأديب نوبل كان مثار جدل كبير بين أوساط الإسلاميين. وعلى الصعيد السياسي، عارض أبو الفتوح فكرة الجماعة في منع ترشح المرأة والأقباط لمنصب رئاسة الدولة، ووجود هيئة دينية لمراجعة القوانين قبل صدورها.

اعتقل أبو الفتوح للمرة الثالثة بين يونيو/حزيران ونوفمبر/تشرين الثاني عام 2009. وبعد الثورة، قرر أن يكون مرشحا مستقلا، فقرر قادة الجماعة فصله في 19 يونيو/حزيران 2011. وانتهت الانتخابات الرئاسية بحيازته لما يزيد على 4 ملايين صوت بنسبة تقارب 18% من الناخبين، وحصد المركز الرابع في الانتخابات. وبعدها أسس حزب "مصر القوية" الذي عُرف بمواقفه المعارضة للعديد من قرارات الرئاسة طوال عهد الراحل محمد مرسي، ومعارضته أيضا لما يُسمّى "جبهة الإنقاذ" التي ضمت رموز التيار العلماني في مصر، واشتعل الصراع الإسلامي العلماني مرة أخرى ليودي بالتجربة المصرية في منتصف 2013. وبعد معارضة أبو الفتوح للنظام الجديد، قرر النظام المصري اعتقال أبو الفتوح في فبراير/شباط 2018.

تدهورت الحالة الصحية لـ"أبو الفتوح" بصورة ملحوظة. حيث تعرّض إلى عدة ذبحات صدرية، مرّ بعضها في البداية دون إسعافات طبية، فكان يظل يعاني من الآلام حتى تحدث استجابة بطيئة، أو تنتهي الآلام دون إسعافات. ولا يسمح له بأن يحتفظ بالدواء الخاص بالذبحة الصدرية.

ظروف الاحتجاز

وفقا لقانون تنظيم السجون، فإن المادة 43 بالفصل التاسع -الخاص بتأديب المسجونين- تحدد الآتي؛ "الحبس الانفرادي لمدة لا تزيد على 30 يوما، ووضع المحكوم عليه بغرفة شديدة الحراسة لمدة لا تزيد على 6 أشهر، ولا يجوز نقل المحكوم عليه من السجن إلى تلك الغرفة إلا إذا كان عمره لا يقل عن 18 سنة، ولا يجاوز الـ60 سنة". وتحدد المادة 43 أوضاع المحكوم عليهم، أما الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح -الذي سيتم الـ70 من عمره في أكتوبر/تشرين الأول المقبل- فإنه لا يزال رهن المحاكمة ولم يُحكم عليه، فضلا عن تجاوزه مدة الحبس الاحتياطي التي قررها القانون بعامين (في الاتهام الذي تكون عقوبته السجن المؤبد أو الإعدام)، ولا يزال في حبس منفرد طوال 3 سنوات و7 أشهر.

وصحيح أن الاستشهاد بالقانون في دولة يحكمها نظام ابتدأ حكمه بمجزرة راح ضحيتها المئات؛ ربما يكون أمرا عبثيا، لكن حتى القانون المتشدد لا يتم تطبيقه أيضا.

ووفق أسرة أبو الفتوح، فإنه يعاني من عُزْلة مشددة منذ احتجازه وليس سجنه مجرد حبس انفرادي، فهو موضوع في عنبر (مجموعة من الزنازين) منفصل عن باقي عنابر السجن، ولا يوجد أي محتجز آخر في العنبر، كما لا يوجد معه أي محتجز في زنزانته. وتظل الزنزانة مغلقة عليه طوال اليوم، إلا وقت التريّض الذي لا يجاوز 90 دقيقة. ويقوم بالتريّض داخل هذا العنبر وليس في ساحة السجن، فلا تلامس بشرته أشعة الشمس.

ونادرا ما يخرج أبو الفتوح من العنبر، وإذا خرج فإن المحتجزين داخل السجن يكونون قد دخلوا إلى أماكنهم، كما لا يُسمح له بالصلاة في مسجد السجن أو حضور صلاة الجمعة، فهو محروم من التواصل مع البشر طوال فترة حبسه، إلا في وقت الزيارة الذي لا يتجاوز 20 دقيقة شهريا لشخص واحد فقط منذ جائحة كورونا، وسبق أن توقفت الزيارات لمدة تقارب 6 أشهر مع بداية الجائحة.

وبالإضافة إلى هذه القيود الاستثنائية، يجري تقييد آخر على المراسلات المكتوبة بينه وبين أسرته التي تكون 3 مرات شهريا فقط، وكثيرا ما يحدث انقطاع في تلك المراسلات دون إبداء أية أسباب من إدارة السجن، رغم أن كافة المراسلات تخضع لرقابة الأجهزة الأمنية حيث يتم عرضها قبل الموافقة على استلامها، وبالطبع يتم فتح هذه الرسائل، ويمكن شطب أجزاء منها.

وقد "قامت وزارة الداخلية بتطوير أماكن الاحتجاز، وتحسين الظروف المعيشية للمحبوسين، وتجهيز غرف الاحتجاز بأقسام ومراكز الشرطة على مستوى الجمهورية بأجهزة تكييف هواء". هذه البشرى السارّة زفّتها جريدة "الأهرام" الحكومية للمحتجزين وذويهم، ولا تكفّ وزارة الداخلية والحكومة المصرية عن التأكيد على حسن معاملة السجناء دون تفرقة بينهم. ولكن إذا نظرنا لوضع معارض له سمعته المحلية والدولية، فيمكننا معرفة أوضاع السجناء بشكل عام، والذين لا يثير اعتقالهم ضجة.

الأوضاع الصحية

ويتسبب الاحتجاز في التأثير على الحالة النفسية، مما ينعكس بالضرورة على الحالة الطبية، وقد تدهورت الحالة الصحية لـ"أبو الفتوح" بصورة ملحوظة. حيث تعرّض إلى عدة ذبحات صدرية، مرّ بعضها في البداية دون إسعافات طبية، فكان يظل يعاني من الآلام حتى تحدث استجابة بطيئة، أو تنتهي الآلام دون إسعافات. ولا يسمح له بأن يحتفظ بالدواء الخاص بالذبحة الصدرية.

وبحكم كونه طبيبا، أخبر الدكتور أبو الفتوح أسرته أنه في ليلة 24 يوليو/تموز الماضي عانى من أعراض أزمة قلبية حادة ويعتقد وفقا لطبيعة تلك الأعراض وحِدَّتها أنها ترجّح حدوث جلطة في أحد شرايين القلب. ورغم معاناته لساعات ومحاولاته المتكررة خلالها طلب المساعدة، لم يتم إسعافه، كما لم تتم الاستجابة لنداءات المكلّف بحراسته داخل العنبر المغلق. وبعدها بعدة أيام تم نقله إلى المستشفى لمجرد تشخيص حالته، حيث انصرف دون علاج، ومعلوم أن عدم علاج جلطة القلب يسبب مضاعفات شديدة الخطورة. وقد أصبحت نوبات القلب أمرا معتادا تأتيه بمعدل شهري منذ مطلع العام 2021 الجاري، ما ينذر بخطر حقيقي على حياته.

وقد ساءت حالة القلب لـ"أبو الفتوح" بشكل واضح، فبعدما كان يخرج من زنزانته طوال وقت التريّض، أصبح يطلب تقسيم ذلك الوقت؛ حيث إنه لم يعد يستطيع بذل مجهود متواصل. أما الآن، فقد أصبح -في أحيان كثيرة- لا يقدر على الخروج وقت التريّض، فأقل مجهود للسير يتعبه، فضلا عن أنه أصيب في ظهره خلال فترة احتجازه الأولى عندما سقط داخل مدرعة حديدية ويداه مكبّلتان، ومن حينها لا يسير إلا بمساعدة شخص يتّكئ عليه، نظرا لرفض إدارة السجن إجراء عملية لظهره على نفقته الشخصية، أو استخدامه لمركز العلاج الطبيعي داخل السجن، وهو مجهّز بشكل مناسب، فأصبح يكتفي بالجلوس خارج زنزانته، لعلّه يستطيع أن يمس شيئا من أشعة الشمس التي لا تدخل زنزانته، أو يتنسّم نسيما من خارج أسوار سجنه.

الضغط عن طريق الأسرة

بعد احتجاز الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح، تمت إضافة نجله إلى ذات القضية بتهمة انضمامه إلى جماعة إرهابية (الإخوان المسلمين)، بالإضافة إلى إدراجه مع والده على قوائم الإرهاب في فبراير/شباط 2018. ورغم الطعن على ذلك القرار وإلغائه في فبراير/شباط 2020، لم يحدث تجاه ابنه أي تغيّر في الناحية القانونية، فظل وضعه القانوني كشخص مُدرج على تلك القوائم، فهو ممنوع من الحقوق السياسية، وممنوع من إجراء تعاملات بيع وشراء موثّقة بشكل رسمي، وممنوع أيضا من استخراج جواز سفر، كذلك يمنعه القرار من التعيينات في القطاع الحكومي، ورصيده البنكي متحفّظ عليه، وجُمّدت الأصول المملوكة له، وتوقفت عضويته في النقابات ومجالس إدارات الشركات والنوادي وأي كيان مخصص لمنفعة العامة، وغير ذلك من آثار الإدراج على قوائم الإرهاب [1]. ثم تمت إعادة إدراجه على قوائم الإرهاب مرة أخرى بقرار جديد في 23 يناير/كانون الثاني 2021. وما يفرضه ذلك القرار من القيود السابق ذكرها، يضيف أيضا ضغوطا غير عادية على حياة أسرته، لما يلحقه بها من ضرر اجتماعي ومادي، ويجعلها في حالة قلق وتهديد مستمرين، وكل ذلك دون أن يرتكب جريمة وبلا أدنى مبرر.

كما تم منع نجله الآخر من السفر عدة مرات، فلم يتمكن من العودة إلى عمله في الخارج، الذي كان يشغله منذ عام 2009، وفي وقت لاحق عام 2019 تعرّض للفصل من عمله داخل مصر في إحدى شركات القطاع الخاص، حيث أُبلغ حينها أن ذلك الفصل جاء "بناء على طلب أمني"، وإذا تقدّم لوظيفة وقُبِل فيها يتم التراجع عن توظيفه.

ومن الناحية المالية قام النظام بعمل سياج حول الأسرة، أما من الناحية الاجتماعية، ففاعلية النظام أقوى. فقد تغيرت العلاقات الاجتماعية، إذ يخاف الجيران والأصدقاء القريبون من التواصل الاجتماعي، وهو ما يمكن اعتباره نتيجة للسياق الذي تحدث فيه حملات الهجوم والتشويه الإعلامييْن تجاه "أبو الفتوح" كوصفه دائما بالإرهابي، بالإضافة إلى الهجوم الإعلامي المحلي المصاحب للقرارات القانونية ضده، كما توجّه إليه اتهامات خطيرة مثل حيازة أسلحة نارية وتوفير مكان للتدريب عليها. وتجدر الإشارة إلى أن تهمة حيازة سلاح لم توجّه إلى "أبو الفتوح" منذ اعتقاله أوائل 2018، وفجأة تم توجيه ذلك الاتهام إليه في سبتمبر/أيلول الجاري.

ورغم ذلك أخبرنا الذين التقينا بهم من أسرة "أبو الفتوح" أنه يرفض أن يتم الزج باسمه في أي شيء يتعلق بالمساومات الخارجية مع النظام المصري، لكنهم يتساءلون "إلى متى سيستمر ذلك؟ وما المطلوب منا؟".

ماذا يريد النظام؟

إن هذا الإغراق في التفاصيل ليس من قبيل الرغبة في حشد كل ما يتعلق بسوءات النظام في التعامل مع "أبو الفتوح"، بل لبيان أشكال الضغوط التي يتعرض لها على المستوى النفسي، أو تعمد الإهمال الطبي، للوصول إلى نتيجة واحدة، وهي إنهاء حياته؛ فالنظام منذ اعتقاله لم يقم بالتواصل معه عبر أي شخص للوصول إلى تفاهم ما، مثلما كان يفعل نظام مبارك مع قيادات المعارضة، وكان الضغط يجري حينها على المعتقل من أجل قبول إملاءات النظام السياسي، أما الآن فالضغوط والتضييقات تهدف إلى كسر المعتقلين أو إنهاء حياتهم بالإهمال الطبي المتعمد. وهو ما حدث مع عشرات المعتقلين السياسيين، ومنهم الرئيس الراحل محمد مرسي، وهي نفس الإجراءات التي دفعت المعارض الشاب علاء عبد الفتاح للتفكير في الانتحار، كما نقل محاميه عنه.

وقد وثقت منظمة "كوميتي فور جستس" (committee for justice) المستقلة -التي مقرها في جنيف- عدد الوفيات داخل السجون المصرية في الفترة بين 30 يونيو/حزيران 2013 و30 نوفمبر/تشرين الثاني 2019 بـ958 حالة، منها 677 حالة بسبب الإهمال الطبي، وفقا لما جاء في تقريرها الذي كان عنوانه "بدون محاسبة". كما رصدت عدة منظمات حقوقية ارتفاع وتيرة الوفيات "نتيجة سياسة الإهمال المتعمد" -في الفترة بين السادس من يوليو/تموز حتى 11 أغسطس/آب 2021- إلى 10 حالات، بمعدل حالة وفاة كل 3 أيام تقريبا.

وهذه المؤشرات تجعل القلق كبيرا على الحالة الصحية للمعتقل السبعيني عبد المنعم أبو الفتوح، ويمكن للنظام أن يقرر -بدل احتجازه- تحديد إقامته في المنزل، أو إجراء أي تدابير تناسب وضعه الصحي، فهو لا يُخشى من هربه، وقد عاد بنفسه إلى وطنه وهو مقدِّر لنتيجة رأيه الذي أعلنه في قناة الجزيرة، وقد وصلته التهديدات الحكومية قبل اللقاء المتلفز.

وربما يكون مناسبا تذكّر أن الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح كان الوحيد الذي نجح خلال حملته الانتخابية في إقامة وَصْل بين الإسلاميين والعلمانيين، فقد ضمت حملته مستشارين يساريين وليبراليين وإسلاميين، كما أعلن دعم ترشحه رموز فنية وسياسية محسوبة على كافة الأطياف السياسية المصرية، فبدت إمكانية وجود جسر بينهما، وبدت إمكانية كسر حالة الاستقطاب التي استعرت خلال الفترة الانتقالية، وقد أوصلهم صراعهم السياسي بعد ذلك إلى الإطاحة بهم جميعا، والإطاحة بتجربة كان يمكن لها أن تغيّر وجه المنطقة إذا استمرت، فالثِّقل المصري يجذب المنطقة صعودا أو هبوطا، في الديمقراطية أو في الاستبداد.

_______

[1] تنص الفقرة الثانية من المادة السابعة لقانون "تنظيم قوائم الكيانات الإرهابية والإرهابيين" على 9 آثار لقرار الإدراج على قوائم الإرهاب، ويمكن الرجوع إليها عبر هذا الرابط: https://manshurat.org/node/63720

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.