الدليل الميسّر لفهم الناشر العربي

ميدان - مكتبة دور النشر
مواقع التواصل الاجتماعي

تكاثرت دور النشر العربية مؤخرا بشكل ملحوظ، وهو أمر مبهج ولا شك، غير أن ذلك لم يمنع أو يقلّل -حتى الآن على الأقل- استمرار السلوكيات التي تعقّد مهمة الكاتب، وتجعل عملية النشر تجربة مريرة.

تبدأ المشكلة وتتعمّق إذا كان الكاتب وافدًا جديدًا؛ فكثير من دور النشر العربية تفتح له أذرعها بكل ترحاب، لكن بعد أن يودع في حسابها مبلغًا يتجاوز كلفة الطباعة إلى الربح الخالص، وهي بذلك تستغلّ توقه للنشر والعبور إلى حلمه المنتظر، وبمجرد حصول الناشر على المال لا يعود الكتاب ضمن أولوياته إلا إذا قُدّر له لاحقا رواج غير متوقع، عدا ذلك ستودع الكمية المتبقية من منح الكاتب حصته في عتمة المخازن.

لا يملك الكاتب الجديد عادة أيّ هامش للتفاوض على صيغة العقد المجحفة بحقه في الغالب، فهناك دور تمنح نفسها نصيبا من الترجمة لبقية اللغات من دون أن تبذل أيّ جهد في جلب تلك الترجمات، وإنما تضع البند تحسبا لما سيأتي به المستقبل من تلقاء نفسه

أمام هذا السيناريو الآخذ في التوسّع ستصبح الدور التي لا تتقاضى شيئًا مقابل النشر، ولا تدفع أيضا نسبة عن المبيعات، في مرتبة سامقة لا يطالها كل أحد. ولنا في المقابل -إذن- أن نتخيل مرتبة الدور التي تدفع للكاتب شيئا من الأرباح التي حققها كتابه.

وبمناسبة الحديث عن المبيعات، سيظل السؤال المحرّم والعصيّ على الكشف هو عدد النسخ المباعة من الكتاب؛ فالكاتب لا يملك مهما بذل إلا الرقم الذي يُخبره به الناشر، والمطبعة إما ملك للناشر، أو أن من مصلحة مالكها أن يحفظ سرّ عميله؛ وهذا بالتالي يقود إلى عدم معرفة النسخ التي تمت طباعتها من الأساس.

ومعظم دور النشر العربية لا تهتم بتحرير الكتاب وتجويده بعد تسلمه من المؤلف، إلا في ما يتعلّق بالتدقيق اللغوي، رغم أن التحرير غدا إحدى السمات الأساسية في عالم النشر اليوم. وبعض الدور التي أرادت فعل ذلك أساءت التنفيذ فشوّهت النص لأنها عوض أن تدفع به إلى محرر مؤهل، اختارت أن يقوم بالتحرير أحد القائمين على الدار، ويُشبع بذلك ربما طموحا قديما متعثرا في الكتابة!

وإذا انتقلنا خطوة إلى الأمام، سنجد دورًا ينعدم اهتمامها بحسن اختيار غلاف الكتاب، فلا تشاور الكاتب ولا تنطلق في تصميمها من النص، بل تنحو صوب الصور الجاهزة والصالحة لكل موضوع، ويزيد الأمر سوءا إذا أصرّت على اختيارها من دون مرونة مع ملاحظات الكاتب.

ولا يملك الكاتب الجديد عادة أيّ هامش للتفاوض على صيغة العقد المجحفة بحقه في الغالب، فهناك دور تمنح نفسها نصيبا من الترجمة لبقية اللغات من دون أن تبذل أيّ جهد في جلب تلك الترجمات، وإنما تضع البند تحسبا لما سيأتي به المستقبل من تلقاء نفسه، كما تعطي نفسها نسبة عن مبيعات الكتاب الإلكتروني والصوتي، بينما لا تملك منصة رقمية لفعل ذلك، وتمدّ في عمر العقد سنين عددا، وتلزم المؤلف بأن يشاركها أيّ جائزة قد ينالها عن كتابه هذا، وإن كان البند الأخير قد انحسر بعض الشيء بعد أن انتبهت لضرره جائزة البوكر وتصدّت له.

ولأن الكتاب لا يملك أقدامًا ليمضي وحده، يُنتظر من الناشر أن يُسوّق له، لكن كثيرا من دور النشر لا تملك حتى الآن موقعا على الإنترنت ولا حسابات لها في مواقع التواصل الاجتماعي، وكل تسويق مفترض ينبغي أن يُحمل على أكتاف الكاتب أيضا. وهنا ينبغي الانتباه إلى أن معظم الناشرين لا يغطون المنطقة العربية بأكملها، فلكل ناشر منطقة اهتمام أولى تطغى على بقية المناطق تماما، وذلك بمعزل عن سوق الكتاب الأساسي والمنطقة التي من المفترض وصوله إليها بالضرورة.

هذا الجرد السريع لبعضٍ من حال النشر العربي اليوم لا يمنع وجود استثناءات مضيئة، لكن الأهم أنه يوضح كم كان عنوان المقال حالمًا، إذ لا طريقة ميسرة لفهم الناشر العربي وشكل التعامل معه إذا كان يقوم بكل تلك السلوكيات أو بعضها، ومع هذا تزدهر هذه الصنعة وتكبر يوما بعد آخر، وتزداد القدرة فيها على التكيّف والمواءمة بين معيقات الإبداع واستمرار الحركة في آن معا!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.