نظرية عمل وخارطة طريق الحلم الجزائري العظيم

الجيش قلق على الأمن والجزائريون يتمسكون برفض العهدة الخامسة
(الجزيرة)

حقائق المحاولات والتجارب التشاركية مع حكم العسكر لا تكذب أبدا، لأن حكم العسكر ثابت ومحدد الخصائص والطرق والوسائل، ولا يتراجع أبدا، بل يصمت وينتظر حتى يكرر السحق كل مرة، ولكل جيل يحاول التحرر وبلوغ حقه في السلطة والثروة، في المقابل حلم وتطلعات ومطالب الشعب ثابتة بتحول ديمقراطي حقيقي، ومسار تنمية ونهضة حضارية شاملة ونمو اقتصادي وتحسن للدخل ومستوى المعيشة.

مما يتطلب استحقاقات جديدة:

  • التفكير بطريقة مختلفة، وإنتاج وامتلاك أدوات ضغط متنوعة تضع النظام أمام استحقاقات واجبة التنفيذ.
  • الوعى بمن نحن وماذا نريد، وذلك في التوقف على أداء أدوار ومهام وظيفية للنظام بمنحه الشرعية والمساهمة في تخدير وتنييم الشعب وتفويت فرص التحرر مرة تلو أخرى.
  • التخلي عن شبكة المعيقات الفكرية والنفسية التي صنعت مراحل الضعف والهوان والاستسلام والقبول بالأمر الواقع والتعايش والتطبيع مع الاستبداد والرضا بالذل والهوان في ظل حكم فاسد وفاشل والتبعية المهينة لفرنسا، والتوقف عند حدود المطالبة والاستجداء، إلى الضغط الشعبي الحضاري المنظم، فالحرية والحقوق لا توهب إنما تنتزع من بين أنياب المستبد غصبا وإكراها، حيث تنعدم خياراته في التسليم للشعب.
  • استمرار تواجد رواد الإصلاح الوطني من نواب الشعب في مقدمة الحراك الشعبي، والمحافظة على الروح الثورية واليقظة والحيوية الشعبية، ونقل المجتمع من اللاوعي إلى الوعي بأفكار إبداعية متجددة للضغط وإجبار النظام باسم الحراك الشعبي مدة 48 أسبوعا بالعاصمة والمستمر حتى تتحقق مطالبه، والممتد إلى 57 بلدية هي إجمالي كل بلديات الجزائر، والمستمر بالشوارع حتى يحقق مطالبه التي لن يحيد عنها ولو استمر إلى 100 أسبوع تالية ولتنشيط الذاكرة التاريخية، وإيقاظ العقول الوطنية، وتقويم النوايا الطيبة.

مع أول ترشح لحسن البنا للانتخابات النيابية في مصر في فبراير/شباط عام 1942؛ كانت الفكرة هي اعتلاء منصة رسمية عالية لتوصيل صوت وأفكار الدعوة والتحرر والإصلاح إلى الناس كافة، وليست توصيل صوت الشعب إلى النظام الحاكم

بعض الحقائق العلمية والمنطقية والتاريخية

المشاركة في الحكم: تعني المشاركة المتكافئة الفاعلة في سلطات الرئاسة ومجلس الوزراء والقادرة على إنجاز تغيير ثقافي واجتماعي وسياسي حقيقي.

المشاركة في الانتخابات البرلمانية: وكسب مقاعد برلمانية وحصة محدودة من المقاعد الوزارية وذلك يعني عدة أشياء:

  • اعتراف كامل بالنظام الحاكم، وتعزيز شرعية حكمه.
  • التحول من حركة تحرر وطني إلى معارضة للنظام تمثل جزءا ديكوريا منه.
  • الخروج من التخلي عن الحراك والمزاج الشعبي في التغيير الشامل للنظام إلى ادعاء إصلاح النظام.
  • الخروج من سعة الحالة الوطنية في ميادين وشوارع الحراك الوطني إلى ضيق وظلمة وسيطرة وضغوط مقاعد وغرف البرلمان الحكومية.
  • التحول من الخروج على النظام والمطالبة برحليه إلى مصاهرة النظام والعيش ضمن عائلته.
  • التحول من يد ضاغطة على النظام حتى يرحل إلى يد وبوق للنظام لتخدير وتنييم الشعب وإخراجه من معادلة الحكم والشأن العام بالكلية.

فلسفة الإسلاميين الإصلاحيين في دخول البرلمان: مع أول ترشح لحسن البنا للانتخابات النيابية في مصر في فبراير/شباط عام 1942؛ كانت الفكرة هي اعتلاء منصة رسمية عالية لتوصيل صوت وأفكار الدعوة والتحرر والإصلاح إلى الناس كافة، وليست توصيل صوت الشعب إلى النظام الحاكم؛ لأنه بالضرورة نظام حكم لا يمثل الشعب ولا يهمه لا صوت ولا تطلعات ولا مطالب الشعب، كما أنها بأبجديات المنطق وحقائق التاريخ، لم تكن وسيلة للوصول إلى الحكم، فلا يمكن لنظام استبدادي أن يسلم الحكم إلا بثورة أو تغير اجتماعي كبير وقوى قادرة على تفكيك نظام الاستبداد وإجباره على الرحيل.

إن الحصاد السياسي لـ79 عاما من المحاولات والمشاركات النيابية -على مستوى دول العالم العربي بمصر ودول المغرب العربي والأردن والسودان واليمن- هو صفر، حيث لا شيء تحقق من أهداف التحرر والتحول الديمقراطي والتنمية والخروج من نفق العالم الثالث، باستثناء حركة "حماس" التي تعيش معطيات خاصة بالاحتلال، وتعتبر حالة خاصة.

الحكم العسكري

يتصور العسكر أنفسهم ملاكا وحماة لكامل الدولة ومقدراتها، فالدولة هي دولة الجيش وليس كما بقية دول العالم الديمقراطي أن الجيش هو جيش الدولة.

  • العسكر لا يقبلون شريكا معهم في التفكير والقرار والحكم والثروة.
  • يقصد العسكر بتحقيق الأمن والاستقرار؛ استقرار سيطرة نظام الحكم واستسلام وخضوع وسكون الشعب.
  • العسكر لديهم قالب واحد مكرر للتعامل مع القوى التحررية والمعارضين لهم، وغايته عزل القوى الفاعلة وسحق المعارضة، وتأكيد تمام السيطرة، تحت اسم تحقيق الأمن والاستقرار.
  • العسكر يعملون دائما على تغييب وعي الشعب وتقسيمه وإضعافه وإخراجه تماما من معادلة الحكم.
  • العسكر يسلمون السلطة لبعضهم البعض عن طريق تصفية الحسابات الداخلية بينهم بالانقلابات المتتالية.
  • العسكر هم رجال الاستعمار الحقيقيون في الحكم فثقافتهم وهويتهم وانتماؤهم وولاؤهم وعملهم لتأمين مصالح المستعمر الفرنسي.

وفي هذا السياق العام تحولت الجزائر إلى دولة الجيش، حيث وضعت الدولة الجزائرية بكل مقدراتها في يد العسكر الذين يسيطرون على الحكم منذ يوليو/تموز 1962، عبر 8 انقلابات عسكرية و9 رؤساء و17 وزارة، كلها من تعيين الرئيس، بما يمثل حقبة من الحكم الاستبدادي المطلق، وبطبيعة الحكم العسكري بأنه لن يسلم السلطة ويتخلى عن المكاسب التي يتحصل عليها إلا مجبرا، وقد بانت خططه في تقويض فرص الشعب في التحرر والوصول لحكم في منتصف التسعينات، حين أخد الشعب الجزائري إلى حملة تأديب عامة بعشرية سوداء نتيجة تمرد الشعب عليه في انتخابات المحليات، واقترابه من الحكم.

  • كما أن الجيش احترف تطويع القوى السياسية، وتحويلها إلى أداء أدوار وظيفية محددة:
  • بالمشاركة في تمثيلية الديمقراطية والانتخابات الوهمية، والتي لا تفضي عن أية تغيرات سياسية.
  • تكرار منح الشرعية لنظام فاشل وفاسد ولا يمثل إلا المصالح الفرنسية.
  • تخدير وتسكين الشعب والسيطرة عليه داخل أطره التنظيمية والحزبية.

وفي هذا السياق العام يمكننا تقديم نظرية عمل متكاملة، وخريطة طريق مقترحة للتغيير والإصلاح، تجيب عن سؤال؛ ما هي إستراتيجية التحرر والتحول الديمقراطي التي تتكون من 3 عناصر؟

لكل مرحلة رجالها المؤسسون القادرون على التخلص من حظوظ أنفسهم الأيدولوجية لحساب الوطن، والآن جاء دورهم في الجزائر للتأسيس للتحرر الكامل والنهائي من الحكم العسكري الفرنسي للجزائر

  1. المسار: وهو توحيد القوى الإصلاحية في مسار الكفاح السياسي الشعبي السلمي، وهو تيار الإصلاح الوطني.
  2. الوسائل: وهي الحراك الشعبي المستمر، وتجهيز البديل الشامل عن النظام، وقيادات جديدة للدولة ومشروع وطني بديل.
  3. الحيل الابتكارية المتجددة: وذلك عبر تنزيل الحلم والمشروع الوطني إلى أصحابه الحقيقيين، وهم الشعب الجزائري؛ ليتبنوه ويتحملوا مسؤولية تنفيذه.

فالقوة الوحيدة التي لا يمكن مواجهتها هي قوة شعب واعي يمتلك حلم ونظرية عمل وخريطة طريق لتحقيقه.

تيار الإصلاحيين من المعارضة إلى التحرر

لكل مرحلة رجالها المؤسسون القادرون على التخلص من حظوظ أنفسهم الأيدولوجية لحساب الوطن، والآن جاء دورهم في الجزائر للتأسيس للتحرر الكامل والنهائي من الحكم العسكري الفرنسي للجزائر، وذلك بتكوين شبكة من الإصلاحيين الجدد بتوحيد كافة الكيانات الساعية للتحرر والمكونة من إسلاميين وعلمانيين وليبراليين واشتراكيين ومستقلين ومدنيين وعسكريين، واستيعاب وضم كل أعداء النظام، من المنشقين منه والمهمشين فيه والمتضررين منه، والتحول من المسميات التنظيمية والحزبية إلى عنوان ومسمى واحد فقط هو التيار الإصلاحي لتحقيق الحلم الجزائري العظيم.

خريطة طريق الإصلاح الجزائري

  • فهم وتخطيط مرحلة التحرر والتحول الديمقراطي كمرحلة خاصة من عمر البلاد لها أهداف خاصة.
  • تختلف عن أهداف الاستقرار والتنمية العادية، ومن ثم قوانين خاصة تختلف عن قوانين النظم الديمقراطية المستقرة. ومن أسباب الإخفاق السابق المتكرر؛ استخدام قوانين مراحل أخرى في غير موضعها. (وسيكون هناك مقال خاص عن قوانين إدارة مرحلة التحرر والتحول الديمقراطي).
  • حصار النظام بالامتناع عن المشاركة في حكومة النظام التي بدت بوادرها وتأكدت معالمها بإصرار النظام على تجاهل رسائل ومطالب الشعب الجزائري والمضي في طريقه العقيم.
  • تحديد أجندة جديدة خاصة بمهام وأدوار نواب البرلمان الإصلاحيين، في سياق كونهم رواد وقادة للتحرر والإصلاح الوطني، لا يعترفون بهذه الحكومة التي لم يشاركوا فيها وفق رؤيتهم وإرادتهم الشعبية الإصلاحية، وليسوا معارضة للنظام يتم استيعابهم واستهلاكهم واستنزافهم في قضايا تفصيلية لا فائدة منها ولا طائل إستراتيجي منها، حيث تخدم إستراتيجيا ضمن أجندة النظام، بالإضافة إلى مخطط حرقهم وعزلهم شعبيا.
  • المشاركة في تصميم مشروع وطني واحد بديل عن مشروع الحكم الاستبدادي الحالي، يجتمع عليه النخب والشعب ليسدوا به فراغ النظام ويحققوا به حلم الجزائر بإقامة مشروع وطني ينقل المجتمع الجزائري من الأيديولوجيا الخاصة بالتنظيمات والأحزاب إلى عقد اجتماعي وحلم قابل التحقيق بمشروع ثقافي واقتصادي وسياسي واحد متفق عليه، بما يمثل نقطة الارتكاز والمرجعية العليا للشعب والقوى السياسية الجزائرية، وهو مشروع وطني للإصلاح يتضمن 3 مشاريع تفصيلية للدولة الجزائرية الجديدة:

  أولا: مشروع الهوية الوطنية الحضارية لكل الجزائر الذي يجيب عن سؤال من نحن بكل مكوناتنا؟ وهو مشروع ثقافي وعقد اجتماعي يستوعب جميع المكونات على قواعد الاعتراف والاحترام المتبادل والجمع بين المحافظة على الخصوصية الأيديولوجية لكل حزب والمشروع الوطني العام، مع تقديم المشروع والمصلحة الوطنية العليا على الحزبية الخاصة.

ثانيا: المشروع الاقتصادي الذي يجيب عن أسئلة الفساد والتنمية والبطالة وتنويع ونمو الاقتصاد والدخل ومستوى المعيشة.

ثالثا: المشروع السياسي الذي يشرح كيفية تحقيق الإصلاح السياسي والتحول الديمقراطي.

  • نقل الحلم والمشروع إلى الشارع وإلى أصحابه الحقيقيين، بتعزيز الثقافة والوعي المجتمعي بالمشروع الوطني والحلم الجزائري العظيم بكافة وسائل وأدوات التثقيف المرئي والمقروء والمسموع والمجسد المحسوس بعين وعقل المواطن العادي، وذلك عبر المراكز الحزبية والثقافية والمساجد والميادين والشوارع ليدخل كل البيوت الجزائرية، وأولها بيوت العسكريين والأمنيين وهم القوة الصلبة التي يستند إليها نظام الحكم وليتحول الحلم والمشروع الوطني إلى ثقافة عامة وحلم يحمله كل شاب وفتاة وطفل جزائري.
  • العودة للشعب وللميادين والشوارع وفهم تطلعات ومطالب الشعب وصياغتها في المشروع الوطني.
  • المحافظة على الحراك الشعبي الحضاري المنظم كسبيل واحد للضغط على النظام والاستجابة لمطالب الشعب، وإعادة تطوير وتنظيم الحراك الشعبي بما يحقق معادلة الضغط الفاعل على النظام وحرمانه من أي مبرر للعنف، وكسب شرائح جديدة كل يوم، وخاصة من أبناء النظام ومن العسكر والأمن.
  • التوسع في إعداد الكوادر الوطنية البديلة للحكم من رجال الدولة الجدد، وخاصة الشباب، بتعاون لجان القوى الإصلاحية وإنشاء مراكز وحاضنات تدريب مشتركة لاستيعاب وتأهيل وتدريب كافة أبناء التيار الإصلاحي.
  • إعداد قائمة موحدة بالمطالب الشعبية بالتحول الديمقراطي الكامل، يجتمع ويوقع عليها النخب السياسية ثم تنزل للشارع ليوقع عليها المثقفون والفنانون والرياضيون وكل الشعب من مهنيين وعمال وفلاحين وطلاب، وتنشر في كل وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي والصحف وعلى جدران الشوارع وفي كل مكان يتواجد فيه الناس.
  • وزير أول من خارج النظام حكومة وحدة وطنية من التكنوقراط، وإعادة تنظيم صلاحيات الرئيس، وتوسيع مساحة الحريات العامة، وصلاحيات ودعم أكبر للحكم والوحدات المحلية، ومحاكمة العصابة، وتحرير جميع المعتقلين وتأمين سبل عيش مناسبة لهم.
  • بث الوعي والأمل والمحافظة على الحيوية الشعبية اليومية للضغط المستمر على النظام وتوسيع مجال الضغط الشعبي على النظام بالتوازي بين حراك العاصمة والولايات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.