متى تعود مصر حقا لقيادة المنطقة؟

(مواقع التواصل الاجتماعي)

سؤال يطرحه كثير من المحطات الإعلامية، ويتردد على لسان النخب السياسية، كما يحاول الإعلام المصري ومن يدعمه في المنطقة الترويج لفكرة أن مصر قد عادت لقيادة المنطقة والقيام بدورها، وذلك لمجرد أنه تم استدعاؤها على وجه السرعة للمشاركة في الوقف المؤقت غير المشروط لرشقات حماس الصاروخية التي تطورت وباتت تهدد الأمن القومي للكيان، وربما تحدث زلزالا في ترتيبات المنطقة التي يعد لها من سنوات لإتمام إجراءات التطبيع وتمرير صفقة القرن والعاصمة الموحدة.

يجري ذلك مع التوازي مع مشاريع وبرامج تقويض وتفكيك الدول الكبرى الحية بالمنطقة وتحويلها إلى شبه دول أو دول فاشلة نتيجة لبرامج عدة، منها إيقاعها في براثن حرب أهلية لا معنى لها، أو التقويض والتفكيك الداخلي لمقومات الاقتصاد، وإيقاع الدولة في براثن الديون وشروط والتزامات الدائنين وفرض الوصايا المدعومة بقوانين ومؤسسات دولية، لتفكيك الدولة وبيع أجزائها حتى يستيقظ الشعب على مكاتب وصاية خارجية تدير دولة عاجزة فاشلة تستدين لتأكل وتعيش. ولتنتهي المسرحية بتنصيب الكيان قائدا ومديرا للمنطقة التي تحولت إلى عدد من الكانتونات التابعة لشركات وساطة تابعة لأميركا والكيان وبعض الدول الأوروبية.

نحن بحاجة إلى أدوات ملموسة وشروط ومعايير محددة للقياس، وبيان وتأكيد الحقيقة بالدليل والبرهان على ما يطرح على عقول وشعوب أصحاب المنطقة العربية من أن مصر عادت حقا إلى موقعها الطبيعي اللازم لقيادة وإدارة المنطقة، أم أنها قنبلة دخان ومحاولة لتخدير وتغييب عقول

بلا شك جميع المخلصين لمصالح ومستقبل المنطقة، بل واستقرارها والعالم، يريدون عودة مصر لقوتها ومكانتها وريادتها وقيادتها للمنطقة لأن في ذلك الخير لهم، كما أنها الضمان الإستراتيجي لتحقيق التوازن النسبي بين المشاريع الثلاثة الجارية للكيان ولإيران وتركيا على قيادة المنطقة، بمعنى أن مصر القوية الرائدة المستقلة القائدة للمنطقة تسد فراغا كبيرا شاغرا في ظل عدم وجود مشروع عربي رابع يحقق التوازن الضامن الوحيد للاستقرار ومصالح الشعوب، لأنه كما هو معلوم إذا غاب الردع والتوازن وسيطر أحد المشاريع فإن المجهول سيكون مصيرا لأصحاب المشاريع الأخرى.

إذن، نحن بحاجة إلى أدوات ملموسة وشروط ومعايير محددة للقياس، وبيان وتأكيد الحقيقة بالدليل والبرهان على ما يطرح على عقول وشعوب أصحاب المنطقة العربية من أن مصر عادت حقا إلى موقعها الطبيعي اللازم لقيادة وإدارة المنطقة، أم أنها قنبلة دخان ومحاولة لتخدير وتغييب عقول ما يقارب من 400 مليون نسمة هم إجمالي عدد سكان المنطقة وأصحابها الأصليون ومن سيتحملون نتائج ما يجرى بالمنطقة.

لذلك وبإيجاز شديد سأضع المعايير التي يمكننا القياس بها واستخدامها للإجابة بأنفسنا على هذه المقولة والفرضية التي تم طرحها ومحاولة تمريرها على العقل العربي عبر وسائل إعلام رئيسية بالمنطقة ونخب معينة يتم اختيارها وفتح المجال لها.

أولا : ما شروط ومعايير أن تقوم دولة ما بقيادة المنطقة؟

  • أن تتمتع بالقوة الذاتية الشاملة والاستقرار الاقتصادي والسياسي الداعم لقدرتها على الردع.
  • أن تلتزم بالمحافظة على هوية المنطقة وعمقها العربي والديني، الذي يمثل المزاج الشعبي لأصحاب المنطقة.
  • أن يكون لها دور رئيسي في المحافظة على المصالح العليا لدول وشعوب المنطقة، خاصة تلك التي تعاني تحديات ومشاكل كبرى كما في العراق وسوريا وليبيا واليمن، ومواجهة أزماتها ومشاكلها البينية كما في أزمة الصحراء المغربية، أو مع جيرانها كما في أكراد العراق وسوريا.. إلخ.
  • أن تكون عاملا أساسيا لوحدة دول المنطقة، واحتشادها لمواجهة تحدياتها، ولها الدور الكبير في المحافظة على وحدة كيانتاها الإقليمية كمجلس التعاون الخليجي واتحاد المغرب العربي، وأن تكون سدا منيعا ضد تجاوزات الطامحين منهم والخارجين عن الصف الخليجي والعربي.
  • أن تمتلك مشروعا عربيا، أو تعمل على صناعة مشروع عربي موحد لمجابهة المشاريع الثلاثة الصفوي والصهيوني والتركي للسيطرة على المنطقة.

شروط ومعايير عودة مصر لمكانتها الريادية ودورها في قيادة المنطقة

أولا الشروط والمعايير الداخلية:

  • المواجهة الحقيقية الحاسمة لملف سد النهضة، ورفع الخطر المهدد للأمن القومي المصري.
  • المحافظة على الأصول والدعائم الاقتصادية الكبرى للاقتصاد المصري، ووقف تفكيكها وانهيارها لحساب قطاع الاستثمار الخارجي المهدد لاستقلال الإرادة الاقتصادية ثم السياسية المصرية.
  • وقف برامج الاستدانة غير المبررة والتي بلغت بمصر ما يقارب 150 مليار دولار تتزايد ربع سنويا بشكل متسارع، عبر مفاجآت حكومية غير معلن تفاصيلها ولا أسبابها لبرامج قروض جديدة حتى أصبح واجبا على مصر تدبير 21.4 مليار دولار التزامات خارجية فقط في 2021.
  • استعادة وحدة البنيان الاجتماعي والهوية الوطنية الواحدة للمجتمع المصري، وتوحيد مكونات المجتمع المصري على مشروع وطني واحد واضح المعالم محدد الخطوات والنتائج. تعزيز وحماية الحريات والحقوق العامة، وإنهاء ملف الاحتقان السياسي، واستعادة الأمن والاستقرار المجتمعي.

ثانيا الشروط والمعايير الخارجية

  • أداء أدوار محايدة لقضايا فض المشاكل والنزاعات البينية بين الدول العربية وبعضها بعضا، وعدم الانزلاق لأن تكون مصر طرفا سببا أو طرفا في النزاع.
  • أداء دور مصري عربي حقيقي يعبر عن معتقدات وهوية وحقوق ومصالح الشعب الفلسطيني والشعوب العربية من خلفه في الصراع مع الكيان الصهيوني، والمحافظة عليه صراعا عربيا صهيونيا يقف الفلسطنيون والمقاومة في مقدمته، ولكنه صراع كل العرب على مقدساتهم وحقوقهم في فلسطين، وألا يتم اختزاله في صراع فلسطيني صهيوني، ثم صراع بين المقاومة والكيان بما يضر بمصالح القضية برمتها ويمثل تعاونا صريحا لحساب الخصم.
  • فك الحصار وفتح معبر رفح المنفذ الوحيد إلى الشعب الفلسطيني المحاصر في غزة، وعدم المناورة أو المتاجرة أو الضغط أو الابتزاز السياسي به لحساب الخصم.
  • المشاركة الفاعلة في خطة لحصار وتحييد والحد من التحركات والنشاطات المشبوهة لدولة الإمارات المعلن والمؤكد تهديدها لأمن واستقرار الكثير من الدول العربية في مقدمتها اليمن والسودان وقطر والسعودية وعمان ومصر ذاتها.
  • المسارعة في استعادة العلاقات الطبيعية الكاملة مع دولة قطر، وتعزيز التكامل معها كشريك أساسي في دعم واستقرار المنطقة، وتعزيز إنهاء ملف أزمة حصار قطر والتطهر من كل تداعياته وآثاره.
  • فتح الطريق إلى استعادة العلاقات التركية كشريك أساسي مهم في إدارة ملفات المنطقة، وتحقيق التوازن النسبي مع إيران والكيان وفق الرؤية العربية المشتركة لقادة الدول العربية.

أعتقد أن هذا كل ما يتمناه كل عربي غيور على مصلحة وطنه العربي، وشغوف بعودة الكبيرة الرائدة مصر إلى القيادة، أو المشاركة القوية الحقيقية للمنطقة بمشاركة بقية الدول العربية المأزومة والصاعدة منها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.