الحلم الجزائري العظيم وفرص ومقومات تحقيقه الآن

blogs الثورة الجزائرية
(مواقع التواصل الاجتماعي)

الشعوب وحدها تحلم وتكافح وتحقق ما تريد، ولا ينبئك بذلك مثل وقائع وحقائق التاريخ. حلم الشعب الأميركي بالتحرر وبدولة حديثة قوية، وكافح لأجل ذلك في ثورة امتدت من عام 1765م إلى 1783م حتى تحقق هدفه  بدستور وطني موحد في 1791م، وتأسيس ديمقراطية راسخة فتحت الطريق إلى التنمية حتى تحقق حلمه في أقل من 50 عاما ببناء أقوى دولة في العالم.

وحلم الشعب الياباني بعد دمار بلاده في الحرب العالمية الثانية 1945 بدولة عالمية عظمى، وبعد أقل من 50 عاما تحقق حلمه بدولة ديمقراطية حديثة رائدة في العلم والتكنولوجيا ضمن الدول الثماني الكبار في العالم.

وحلم شعب جزر سنغافورة بعد طردهم من الاتحاد الماليزى في 1965م بدولة حديثة قوية، وفي أقل من 50 عاما تحقق حلمه بدولة ديمقراطية حديثة بأعلى معدلات نمو اقتصادي، وأفضل مستوى معيشة لمواطنيها في العالم.

وحلم الشعب التركي بعد 5 انقلابات متتالية على ديمقراطيته وتضييع فرصته في التنمية والنهوض منذ عام 1960، وخرج ودافع عن حلمه بكل ما يملك ضد الانقلاب السادس في 2016 م، وانتصر على العسكر البغاة على إرادة وحقوق الشعب، وحافظ على ديمقراطيته، وفرصته في التنمية حتى تحقق حلمه بدولة قوية صاعدة بسرعة الصاروخ إلى العشر الكبار بالعالم.

وحلم الشعب الجزائري بدولة حرة مستقلة وكتب حلمه في الأول من نوفمبر/تشرين الثاني 1954م على يد الستة الكبار مصطفى بن بولعيد، والعربي بن مهيدي، ومحمد بوضياف، وكريم بلقاسم، وديدوش مراد، ورابح بيطاط المؤسسين العظام للحلم الجزائري العظيم، وقد أنجبت الجزائر من بعدهم آلاف وملايين الشباب العظام لتحمل مسؤولية استكمال هذا الحلم، وإنه لكائن قريبا بإذن الله.

الحلم الجزائري العظيم

بالتحول الديمقراطي الحقيقي الراسخ والتنمية الاقتصادية والبشرية والنهوض الشامل في مجالات الحياة كافة، كائن كائن لا محالة، ولكن السؤال هو عن توقيت هذا الحلم وكيفية تحقيقه، ومن سينال شرف تحقيقه من النخبة الحاكمة والسياسية المتنوعة بالجزائر.

الجزائر أمام مفترق طرق كبير، وفرصة تاريخية غير مسبوقة في تاريخ الجزائر الحديث لتحقيق الحلم الجزائري في التحول الديمقراطي وولوج طريق التنمية والنهوض، مع التحذير من مغبة الطرق الأخرى التى يمكن أن تفضي إلى الدولة الفاشلة. هذه الرسالة موجهة إلى النخبة القيادية والوطنية المسؤولة عن القرار بالجزائر الآن، حيث تعيش الجزائر الآن الموجة الخامسة من سلسلة موجات شعبية تسعى لتحقيق الحلم الجزائري بدولة ديمقراطية شعبية حديثة، تعيش استقرارا سياسيا وتداولا سلميا للسلطة وتنمية ورخاء اقتصاديا تجني ثماره كل شرائح وطبقات الشعب الجزائرى بما يمتلكه من مقومات بشرية وجغرافية واقتصادية يمكن أن تجعله أفضل الشعوب رخاء ومستوى معيشة في العالم.

قدّم الشعب رسالة قوية وبليغة بأنه لا يريد لقوة سياسية واحدة أن تنفرد بالحكم في الجزائر، فتضيّع على الشعب الجزائري فرصته في التحول الديمقراطى، رسالة شعبية قوية بنبرة عالية ملأها كثيرون بمشاعر الأمل المحفوف بالغضب والترقب: نريد حكومة وحدة وطنية، ومشروعا وطنيا حقيقيا لتحقيق الحلم الجزائري حتى لا نضطر إلى موجة سادسة ربما تأخذ المركب الجزائري إلى المجهول.

5 موجات شعبية شبابية أرسلت رسائلها بحتمية التحول الديمقراطي، بحاجة إلى الاستماع والفهم والاحترام والتقدير والتلبية حتى لا تقع الجزائر في المحظور الأكبر.

الموجة الأولى: حين خرج الشعب الجزائري في منتصف التسعينيات مطالبا بحقه في المشاركة في السلطة والثروة وتحمل مسؤولية الحكم والتعبير عن ذاته ومواهبه وقدراته في تنمية بلاده، وتنتهي الموجة الأولى بصراع دموي راح ضحيته عشرات الآلاف بالجزائر، ولم يحدث التحول الديمقراطي، وأُجّل الحلم الجزائري العظيم.

الموجة الثانية: موجة هادئة رضي الشعب الغاضب الساخط فيها بأن يصمت حتى تتم معالجة آثار الحقبة الدموية المفتعلة، ليضيع الحلم الجزائري العظيم وتمر 20 عاما أخرى من عمر 40 مليون مواطن جزائري مع حكم بوتفليقة ما بين محاولات التخدير والتسكين بلا فائدة، ورغم صراخ الشغب من أعماقة فإن التحول الديمقراطي لم يحدث بعد.

الموجة الثالثة: خرج الشعب ورفع شعاره "لا للعهدة الخامسة" حتى انتصر وخرج بوتفليقة بعد الانحياز الجزئي المؤقت من الجيش لمطالب الحراك الشعبي الذى امتد إلى 48 أسبوعا متتالية، ولكن في المجمل العام لم يحدث التحول الديمقراطي بعد.

المواجة الرابعة: حين منح الشعب الغاضب المترقب القايد صالح ثم الرئيس تبون الفرصة لتفكيك الدولة العميقة وتطهير البلاد من العصابة وولوج طريق التحول الديمقراطي، وتمت عمليات تطهير شكلية كمحاولة لتخدير وتسكين الشعب شديد الغضب عظيم الصبر والحكمة، ولم يحدث التحول الديمقراطي بعد.

الموجة الخامسة: حين جاءت الانتخابات النيابية في يونيو/حزيران 2021، التي عبّر بها الشعب شديد الغضب والحنق على ما يجري على مدار ما يقارب 70 عاما الأخيرة بلا نتيجة حقيقة، عبّر بطريقته بضعف مشاركته في الانتخابات بنسبة بلغت 30.20%، وهي نسبة الإقبال الأقل التي تشهدها انتخابات تشريعية في البلاد، منذ 20 عاما، إذ بلغت نسبة المشاركة في انتخابات عام 2017، 35.70%، في حين سجلت انتخابات عام 2012 نسبة مشاركة بلغت 42.90 %، ولكن الشعب على الرغم من محاولات تغيير وسرقة جزء غير قليل من خياره ورأيه، وضع ثقته موزعة على المكونات السياسية الكبرى الستة: جبهة التحرير 105 مقاعد، حركة حمس 64 مقعدا، والتجمع الوطني 57 مقعدا، والأحرار 78 مقعدا، وجبهة المستقل 48 مقعدا، وحركة البناء 40 مقعدا، فضلا عن 12 مقعدا موزعة بين بقية الأحزاب.

وبذلك قدم الشعب رسالة قوية وبليغة بأنه لا يريد لقوة سياسية واحدة أن تنفرد بالحكم في الجزائر، فتضيّع على الشعب الجزائري فرصته في التحول الديمقراطي، رسالة شعبية قوية بنبرة عالية ملأها كثيرون بمشاعر الأمل المحفوف بالغضب والترقب: نريد حكومة وحدة وطنية، ومشروعا وطنيا حقيقيا لتحقيق الحلم الجزائري حتى لا نضطر إلى موجة سادسة ربما تأخذ المركب الجزائري إلى المجهول ويغرق الجميع وأولهم النخبة الحاكمة والسياسية التي لم تتمكن من تحقيق الحلم الجزائري العظيم.

والسؤال الكبير الآن هو: كيف نحقق الحلم الجزائري العظيم؟

وما معطيات ومبادئ ومقومات وخريطة طريق تحقيقه؟

وما مخاطر المراوغة ومحاولات التسويف والتأجيل؟

أولا: المعطيات الحالية لتحقيق الحلم الجزائري العظيم

  1. الفرصة العالمية المتوفرة حاليا في ظل واقع عالمي متعدد الأقطاب سريع الحركة إلى درجة السيولة السياسية وما يسمى بسياسة التحالفات السياسية المرنة على الملفات بدلا من التحالفات الإستراتيجية الصلبة، ووجود كثير من مساحة وفرص الحركة التي تحتاج إلى من يدركها ويقتنصها لتحقيق أهدافه الوطنية الخاصة بخاصة من دول الأطراف والمجتمعات الساعية للتحرر والتحول الديمقراطي، والدول الناشئة والصاعدة.
  2. تراجع الدور الفرنسي في جنوب المتوسط والساحل الغربي لأفريقيا وإخفاق مشروع مجموعة الساحل الخمس بقيادة فرنسا، بالإضافة إلى الظروف الاقتصادية والسياسية الداخلية الصعبة التي تعانيها فرنسا.
  3. النضج السياسي الكبير الذي بلغته القوى السياسية المختلفة في الجزائر، وفي مقدمتها حركة مجتمع السلم ذات التاريخ الطويل في النضال السياسي الإصلاحي، كمؤسسة جزائرية وطنية أصيلة معبرة عن نسبة كبيرة من الحالة الإسلامية بالجزائر، وتمثل البنية التحتية الصلبة للهوية الوطنية الجزائرية المعززه بالمقومات الدينية الحضارية القادرة على تحقيق تحولات اجتماعية وطفرات تنموية كبيرة لتحقيق الحلم الجزائري بحكم طبيعة الشعب الجزائري عميق التدين بفطرته. ذلك ما جسدته "حمس" حضاريا وتنمويا باعتدالها في فهم الدين وإدراك واحترام معطيات الواقع وكيفية تنزيل وتفعيل حقائق الدين حضاريا على الواقع حيث قدمت رؤيتها ومشروعها وبرامجها التنموية لحل مشكلات الجزائر، وتلبية تطلعات الحلم الجزائري العظيم، وفق ما اطلعنا عليه من رؤى وبرامج ومشروعات إصلاحية بالجزائر خلال العقود الثلاثة الأخيرة.
  4. النضج السياسي الكبير للمكونات السياسية الجزائرية كافة، الذى تجلى في قيادتها التشاركية الضمنية التى أبهرت العالم في الحراك الشعبي الحضاري الجزائري على مدار 48 أسبوعا متتالية، وفي رغبتها بتشكيل حكومة وحدة وطنية لتحمل المسؤولية التاريخية في تحقيق الحلم الجزائري العظيم.
  5. الخطوات الأولية التي اتخذها الجيش في استجابته لمطالب الحراك الشعبي، وحفاظه على الدستور ومصالح الشعب ومطلب الأمن والاستقرار.
  6. محدودية وربما انتهاء خيارات الدولة العميقة والعصابة كما يسميها الشعب الجزائري في تجاوز إرادة ورسائل ومطالب الشعب الغاضب الواعي بالتحول الحقيقي إلى الخيار الديمقراطى الحقيقي، والكف عن محاولات المرواغة والتسويف والتخدير والتنويم وتضيع الفرص.

ثانيا : مبادئ تحقيق الحلم الجزائري العظيم

لكل تحولات اجتماعية وسياسية ناجحة سجلها التاريخ البشري مبادئ وقوانين صارمة لا تقبل الجدال أو الانحراف عنها أو التخلي عن جزء منها، وتتمثل في:

  • الحرية وفرص التنمية تنتزع انتزاعا من بين أنياب لصوصها التاريخيين الذين رسخوا لمصالحهم عصابة كبيرة تتفرع منها عصابات صغرى من رجال المصالح في الإعلام والاقتصاد والسياسية حتى يحافظوا على مكتسباتهم الى نهاية الحياة كما يظنون، على حساب شعوبهم الفقيرة ووطنهم المدمر.
  • وجود بوصلة واحدة لكل مكونات المجتمع وقواه السياسية الوطنية المخلصة هي التحول الديمقراطي الشعبي الحقيقي الشامل، وتمكين الشعب من فرصته في التعبير عن نفسه بتنمية وطنه بنفسه.
  • إعلاء المصلحة العامة لتحقيق الحلم الجزائري العظيم على حساب أي مصالح حزبية وشخصية أخرى.
  • اقتناص الفرصة وعدم الاستجابة لمحاولات تغييب وعي الشعب وخداعه وتخديره وتنويمه وتضييع الفرصة التاريخية الحالية.
  • لا تحوّل من دون حراك شعبي، وهذا يتطلب استمرار اليقظة والحراك والضغط الشعبي ووضع أعداء الديمقراطية والتنمية تحت الضغط الشعبي الحضاري المصمم على انتزاع حقوقه وفرصته.
  • الذاتية والاعتماد على الذات الوطنية الحرّة القوية المستقلة، فلم يذكر التاريخ حالة واحدة ولا نصف ولا ربع حالة قامت فيها المؤسسات الدولية أو دولة ما بتحرير دولة ما ومنحها الحرية والديمقراطية وفرص التنمية.
  • استمرار يقظة ومراقبة الشعب للأداء الحكومي الجديد، وانطلاق وسير قطار الديمقراطية والتنمية وإلا العودة إلى الشارع والحراك مرة ثانية، لمنع كل من يحاول المساس بحقوق الشعب.

 ثالثا: مقومات تحقيق الحلم الجزائري العظيم

المشروع الوطني أولا قبل تشكيل الحكومة مشروع وطني يجيب عن أسئلة الاقتصاد والسياسة وكيفية تحقيقها، وبرامج ومعايير تحقيقها، والكفايات والكفاءات البشرية اللازمة لقيادة تحققه، عبر لجنة وطنية متكاملة من كل القوى السياسية الناجحة في الانتخابات، والمكلفة شعبيا بتحقيق الحلم الجزائري العظيم.

  • تشكيل حكومة تكنوقراط وفق الكفايات والكفاءات الوطنية اللازمة لتحقيق المشروع على أن تشارك جميع القوى الناجحة في توفيرها بالتوافق في ما بينها.
  • استكمال مسيرة محاكمة العصابة واسترداد أموال الجزائر المنهوبة.
  • التحرر من اقتصاد النفط إلى تنويع مدخلات الاقتصاد الجزائري بخاصة أن الجزائر تمتلك مقومات بشرية وطبيعية وجغرافية متنوعة وثرية تستطيع أن تنقلها سريعا إلى اقتصاد المعرفة، والإنتاج الزراعي والحيواني والتعديني والسياحي… إلخ.
  • تركيز الاهتمام على إصلاح الشأن الداخلي وتطويره، بالعمل على تصفير كل المشكلات الإقليمية وتوفير بيئة داعمة للاستقرار والتحول الديمقراطي الهادئ والتنمية.
  • الدخول في تحالفات اقتصادية ثرية داعمة بخاصة مع تركيا والصين.
  • تحقيق قصة نجاح وطني بأسرع وقت ممكن لتصبح الركيزة الأولى لإعادة الثقة الشعبية، وقطع الطريق على العصابة، وانطلاق قطار الديمقراطية والتنمية الجزائري.
  • استمرار الحراك الشعبي بالجمعة الـ49 موازيا لخريطة التوافق على المشروع الوطني وتشكيل الحكومة، مستمرا حتى الاطمئنان الكامل، موازيا لخريطة طريق التحول الديمقراطي وسير قطارالتنمية، ليحقق أهدافا إستراتيجية عدة، فيكون:
  • ظهيرا وداعما لقوى الإصلاح الوطني المنتخبة والقائمة على تنفيذ الحلم الجزائري.
  • رقيبا شعبيا أسبوعيا على أي محاولة لسرق أو تعطيل الحلم.
  • رادعا للعصابة وأعداء التحول الديمقراطي.
  • معززا وشاكرا وداعما لمراحل النجاح المتحققة وشاهدا على مرحلة من أخطر مراحل التاريخ الجزائري.
  • راسما خريطة طريق تحقيق الحلم الجزائري العظيم.

وذلك بالعمل على:

  1. تشكيل لجنة علمية وطنية لتصميم المشروع الوطني وبرامج تحقيقه والكفايات والكفاءات العلمية اللازمة لتحقيق الحلم الجزائري العظيم.
  2. طباعة وتوزيع وشرح المشروع للشعب ومراحل تحققه، وآليات مراقبته ودعمه والمحافظة عليه.
  3. تشكيل حكومة تكنوقراط بناء على توافق نسبي من القوى الناجحة.

والحذر الحذر من الفرقة، والتنظير السياسي بالبيانات والخطب، والسكون الشعبي، وترك الفرصة لتغوّل السلطات الحكومية على إرادة الشعب، والوعي بمخاطر المراوغة ومحاولات التلاعب بعقول وإرادة وخيار الشعب والتسويف والتأجيل والذهاب إلى المجهول.

إنما النصر صبر ساعة، وأقول للشعب الجزائرى العظيم: صبرتم عقودا طويلة، ونزلتم إلى الشارع 48 أسبوعا متتالية، والآن جاءتكم الأيام والساعات والدقائق الحاسمة لوجودكم بميادين العاصمة والمدن الأخرى الكبرى، ليل نهار حتى تراقبوا وتتابعوا وتتمّوا حلم الجزائر العظيم.

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.