معضلة أخلاقية تواجه رجال الدين في زمن كورونا

سلالات كورونا الجديدة
(شترستوك)

في أوقات الأزمات يشكل الدين الملجأ الآمن الذي يهرع إليه الناس طلبا للطمأنينة والأجوبة عن بعض الأمور المستجدة، ولم تشذّ جائحة كوفيد-19 عن هذه القاعدة؛ فقد كان العامل الديني حاضرا بقوة، جنبا إلى جنب مع الجوانب الأخرى، سواء كانت صحية أو اجتماعية أو اقتصادية. فمن جهة شهدت الديانات المختلفة إقبالا غير متوقع على دور العبادة، وهذا ما بيّنته دراسات نُشرت في الغرب، حيث ذكر القائمون على دور العبادة المختلفة أنهم قد شهدوا إقبالا متزايدا على دور العبادة، كما زاد عدد المتبرعين لهذه الدور من قبل فئات لم يعهدوها من قبل، وهذا يأتي خلافا للنزعة السابقة؛ حيث أظهرت -فيما مضى- العديد من الدراسات الغربية تناقص أعداد من يَعتبرون أنفسهم متدينين.

وجد رجال الدين أنفسهم أمام قضايا فقهية مستجدة وغير مسبوقة رتبتها الجائحة، ففي ظل شح الموارد الطبية من أسرة وأجهزة تنفس واجه الأطباء في بعض الأحيان معضلة أخلاقية لم يسبق أن تعاملوا معها عندما يكون عليهم الاختيار بين مريضَين أحدهما مريض عادي بحاجة إلى علاج والآخر مصاب بالفيروس ويجب وضعه على جهاز التنفس

يأتي هذا اللجوء إلى الدين في ظل جائحة يُعتبر منع التجمعات والتباعد الاجتماعي إحدى ركائز مكافحتها، وهنا بدأنا نشهد حالة من الفصام بين مؤمنين يُقبلون على دور العبادة وقرارات حكومية بغطاء ديني تطلب من الناس الصلاة في بيوتهم، وتوقف العديد من الشعائر التعبدية التي لها أهمية روحية كبيرة عند المؤمنين، مثل أداء مناسك الحج والعمرة وصلاة الجماعة والمشاركة في العزاء.

فالظروف الاستثنائية والكوارث الطبيعية تطرح العديد من الأسئلة، وغالبا ما تكون غير مطروقة في أوقات السعة والرخاء، عندها يلجأ الناس إلى من يثقون بهم، لعلهم يجدون عندهم ما يسد حاجتهم المعرفية، وفي حالة جائحة كوفيد-19 تَمثل هؤلاء بالعلماء والأطباء ورجال الدين.

وعندما يتأخر العلم أو الفقه في تقديم إجابات شافية لقضية ما؛ يتسع حينها المجال لكل أنواع التفسيرات والتأويلات التي يفتقد الكثير منها إلى الأساس العلمي، ويجد التفسير التآمري مجالا خصبا للقبول والانتشار؛ فقد وفرت الجائحة مجالا غير مسبوق لانتشار هذا النمط من التأويلات والمغامرات الفكرية على مساحة الوجود البشري.

كما وجد رجال الدين أنفسهم أمام قضايا فقهية مستجدة وغير مسبوقة رتبتها الجائحة، ففي ظل شح الموارد الطبية من أسرّة وأجهزة تنفس واجه الأطباء في بعض الأحيان معضلة أخلاقية لم يسبق أن تعاملوا معها؛ وذلك عندما يكون عليهم الاختيار مريضَين أحدهما مريض عادي بحاجة إلى علاج والآخر مصاب بالفيروس ويجب وضعه على جهاز التنفس، وهذه قضية أخلاقية شائكة تحتاج إلى تأصيل من قبل علماء الشريعة وعلماء الأخلاق. كما ظهرت قضايا فقهية أخرى مستجدة في بداية الجائحة مثل طريقة تغسيل المتوفى بكوفيد-19 وطريقة الدفن، حيث فَرضت إجراءات مكافحة العدوى معايير جديدة لتلك الأمور بعيدة عما تعودناه في الأوقات الطبيعية مثل تجنب اللمس المباشر أو استخدام أدوات غير تقليدية في عملية تجهيز الموتى.

كما كان لرجال الدين دور مهم في رفع معنويات الناس، وبث روح الأمل فيهم ودعوتهم إلى فضائل الأعمال وحضهم على التكافل في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي رتبتها الجائحة. وللقيام بهذا الدور كان لا بد لهؤلاء أن يمتلكوا وسائل التواصل الحديثة التي تمكنهم من التواصل مع جيل الألفية الجديدة، لكن مع الأسف لم ننجح في هذا المجال لا كأطباء ولا كرجال دين، وتركنا الساحة لمن امتلك هذه الأدوات من خلال القنوات غير المنتظمة، فقد ملأ هؤلاء هذا الفراغ بمعلومات شابها الكثير من العور وأسهمت في تشكيك الناس بالعلم والطب وبالكثير من الإجراءات الاحترازية.

كما لعبت الحكومات دورا سلبيا في سحب البساط من تحت أقدام أصحاب الخطاب العلمي المتزن من خلال بعض القرارات المتضاربة والتي شككت الناس في النوايا الحقيقية لهذه الإجراءات، فلا يمكن للمؤمنين أن يتقبلوا التشدد في منع الصلاة في المساجد بينما تمارس قطاعات أخرى نشاطاتها بحرية.

لقد وجدنا أنفسنا ندفع ثمن سنوات طويلة من تحجيم دور المساجد في حياتنا وحصرها بالجانب الشعائري فقط، كما فقدت المؤسسات الدينية الرسمية مصداقيتها، حيث أصبحت في نظر الكثيرين مجرد مرآة للسلطة؛ لذلك عندما طُلب منها في ظل هذه الجائحة أن تلعب دورا لم تعهده من قبل قوبلت بالتشكيك، لا بل انصب عليها غضب الجماهير التي رأت فيها مجرد صدى للسلطة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.