رحلتي من الخرطوم إلى الجزيرة.. حكاية بدأ أول فصولها منذ 20 عاما

سنواتي في الجزيرة نت.. تلك حكاية طويلة، بدأت فصولها في أبريل/نيسان 2000، وكان مسرحها العاصمة العمانية (مسقط).

في مايو/أيار 1995 وبعد قرابة 7 سنوات من العمل الصحفي والإعلامي بالسودان، بدأت مرحلة صحفية جديدة في الخليج، ستقودني بعد 5 سنوات إلى الجزيرة، كانت الرحلة من الخرطوم صوب العاصمة العمانية مسقط، وبالتحديد صحيفة "الوطن" المؤسسة العريقة، وفيها كانت بدايات التواصل مع التكنولوجيا. ومع دخول الإنترنت إلى سلطنة عمان عام 1996 سيطلب رئيس التحرير من الصحفيين التوقف عن تقديم موادهم على الورق، والسعي الحثيث لتعلم كيفية تقديمها "سوفت"، لتذهب إلى المطبعة مباشرة في عملية تكنولوجية بدت معقدة حينها.

هذا الأمر ساهم في أن تكون لنا صلة مبكرة بالحاسوب والإنترنت، وبواسطة الإنترنت ذاته وجدت في أبريل/نيسان 2000 إعلانات طلب صحفيين للعمل بموقع الجزيرة.

شرفت بأن أكون من مؤسسي موقع الجزيرة نت الإخباري في مايو/أيار 2000، كان المدير العام للموقع يومها محمود عبد الهادي، ورئيس تحريره أحمد الشيخ. وضم الموقع نخبة من الصحفيين من العالم العربي وغيره، إلى جانب صحفيين من قطر، وقد انخرط الجميع منذ البداية في عمل دؤوب وصولا إلى إنجاح التجربة منذ عامها الأول.

كان موقع الجزيرة نت مكملا لرسالة الجزيرة القناة، وأصبح حلقة مهمة في شبكة الجزيرة الإعلامية فيما بعد. يعتبر موقع الجزيرة نت، الذي ظهر للوجود بداية عام 2001، من المشاريع الإعلامية الرائدة التي وضعت أجندة الصحافة الرقمية في العالم العربي.

نقلة كبرى

العمل في الجزيرة مثّل لي نقلة كبرى في هذا المجال، الجزيرة كانت وما تزال طموح أي إعلامي عربي وغير عربي، وكان مشروع الجزيرة نت استثمارا بالغ الذكاء، وخطوة موفقة للإفادة الكبرى من إمكانيات التكنولوجيا الهائلة وثورة المعلومات التي لا تعرف حدودا. أشعر بالفخر أني كنت ضمن مشروع وضع أجندة صحافة الإنترنت في العالم العربي. لقد عبر اختيار الجزيرة نت مشروعا للولوج لعالم صحافة الإنترنت في ذلك الوقت عن رؤية متقدمة جدا للإدارة، التي فكرت فيه بجدية، لا تخطئها العين عام 1999 (كان عمر صحافة الإنترنت في العالم 5 سنوات فقط حيث ظهرت أول صحيفة إلكترونية عام 1994).

وكان موقع الجزيرة نت مكملا لرسالة الجزيرة القناة، وأصبح حلقة مهمة في شبكة الجزيرة الإعلامية فيما بعد. يعتبر موقع الجزيرة نت، الذي ظهر للوجود بداية عام 2001، من المشاريع الإعلامية الرائدة التي وضعت أجندة الصحافة الرقمية في العالم العربي.

ويمكن القول إن هذا المشروع عبّر في ذلك الوقت عن رؤية متقدمة لإدارة قناة الجزيرة (شبكة الجزيرة فيما بعد)، فصحافة الإنترنت أو الصحافة الإلكترونية في العالم لم يكن قد مر على ظهورها عند بداية تأسيس المشروع عام 1999 سوى 5 سنوات، إذ إن أول موقع إخباري في العالم "شيكاغو تربيون" (Chicago Tribune) ظهر للوجود في 1994.

وقد سعت إدارة الجزيرة منذ ذلك الوقت لكي يكون الموقع مكملا لرسالة الجزيرة القناة، ويكون حلقة مهمة في شبكة الجزيرة الإعلامية فيما بعد، خاصة بعد أن أصبح الإنترنت المحرك لكل أشكال التلقي.

وقد حرصت إدارة التحرير بالموقع منذ بدايات تأسيس صحافة الإنترنت على مراعاة شروط التحديث المستمر، والملتميديا والتفاعل مع الجمهور، ولم يكن الجزيرة نت مجرد موقع إخباري مثل مواقع الصحف التي ظهرت حينها، والتي كانت عبارة عن نسخة إلكترونية من الصحيفة الورقية.

كما سعت إدارة التحرير لاستلهام النماذج الحقيقية لصحافة الإنترنت، وعملت على إعداد دليل تحريري من خلال الوقوف الدائم على تجارب مواقع رائدة في هذا المجال مثل "سي إن إن" (CNN) و"بي بي سي" (BBC) الناطقين باللغة الإنجليزية، ووقفت في هذا السياق على دراسات طرق استخدام الجمهور لمواقع الإنترنت والتي تعنى بسلوك الجمهور أثناء تصفحه للمواقع المختلفة وكيفية استفادته منها، وأشهرها دراسات مجموعة "نيمان غروب"، التي يشرف عليها جاكوب نيلسون الاسم العمدة في هذا المجال، وأشهرها دراسته (مختصر، قابل للمسح وموضوعي.. كيف نكتب للإنترنت؟).

واستندت عملية إنتاج المحتوى منذ البداية من حيث المضمون على المعايير الصحفية لقناة الجزيرة، وفنيا على تجارب المواقع الإخبارية العالمية.

الرقم 18 على أليكسا

وقد ساهمت تغطية الموقع المميزة للأحداث الكبرى مثل هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، والحرب الأميركية على أفغانستان في أكتوبر/تشرين الأول 2001، ثم الغزو الأميركي للعراق عام 2003، وغيرها من الأحداث الكبرى في المنطقة والعالم، في أن يكون له مكان بارز بين المواقع الإخبارية العالمية. ومما يجدر ذكره في هذا الخصوص أن موقع الجزيرة نت احتل في أبريل/نيسان 2003 الرقم 18 عالميا، وفق موقع أليكسا (Alexa) المتخصص في إحصاءات وترتيب مواقع الإنترنت، حيث أصبح مقصدا للباحثين عن أخبار الغزو الأميركي للعراق.

لقد استمر الموقع في تحقيق العديد من القفزات، التي مكنته من التربع على ريادة المواقع الإخبارية العربية منذ ذلك الوقت، وسعت إدارة التحرير فيه إلى الحفاظ على تلك الريادة من خلال العمل الجاد على متابعة التطورات المتسارعة في مجال الصحافة الرقمية، والعمل على تحديث إستراتيجيات إنتاج المحتوى للتوافق مع تلك التطورات، وخاصة منصات التواصل الاجتماعي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.