شهر ديسمبر رسم دولة فلسطين وظلم حلم الفلسطينيين

معرض فلسطين حكاية قرن المقام في الدوحة بالذكرى المئوية لوعد بلفور
(الجزيرة)

يرتبط شهر ديسمبر/كانون الأول في فلسطين بسلسلة من الأحداث والمآسي، التي وثقتها الذاكرة الفلسطينية في سجلات ممهورة بتوثيق حقوق الفلسطينيين من الانتهاكات والجرائم الإسرائيلية غير المشروعة، ومنها أيضا ما انحاز لأجندات سياسية على حساب حقوق الشعب الفلسطيني، ولعل أهم تلك الأحداث وأكثرها إيلاما القدس إذ كانت -وما زالت- بؤرة استهداف الاحتلال -منذ الانتداب البريطاني- بحكم رمزيتها وموقعها في وجدان العرب والمسلمين، كما احتلال إسرائيل للمدينة المقدسة في حربي عام 1948 و1967، حيث يركز الاحتلال في سياساته وإجراءاته على تهويد المدينة وإفراغها من أهلها بشتى الطرق.

هذا ما وثقته سنة 1917 عندما احتُلت مدينة القدس من الانتداب البريطاني في ديسمبر/كانون الأول 1917، وذلك بعد شهر من إصدار وعد بلفور، فسقطت القدس نتيجة المعركة  التي حدثت بين الإمبراطورية البريطانية والدولة العثمانية عام 1917(1)، وقد أطلقت الإمبراطورية البريطانية على المعركة اسم "عملية القدس"، التي انتهت باستسلام القدس واحتلال الإمبراطورية البريطانية لفلسطين والقدس.

وثق شهر ديسمبر/كانون الأول إعلان بن غوريون -أول رئيس وزراء للاحتلال الإسرائيلي لعام 1949- بأن القدس ستكون عاصمة "لإسرائيل"، وبعدها بتاريخ 31 يوليو/تموز 1980، صوت نواب الكنيست الإسرائيلي على قرار "قانون أساس: أورشليم القدس عاصمة إسرائيل" القاضي بإعلان القدس بحدود 1967، التي رسمتها الحكومة مبدأ دستوريا في الدستور الإسرائيلي

حدثت المعركة عندما تطور القتال في 17 نوفمبر/تشرين الثاني، واستمر حتى الاستسلام والتسليم للبريطانيين في 30 ديسمبر/كانون الأول 1917، واضح لنا أن البريطانيين احتلوا فلسطين في الحرب العالمية الأولى بعد نجاحهم في طرد العثمانيين، حيث قام وزير الخارجية البريطاني آنذاك آرثر بلفور بإصدر وعده الشهير الذي نص على أن "حكومة صاحب الجلالة تنظر بعين العطف إلى إقامة وطن قومي في فلسطين للشعب اليهودي، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جليا أنه لن يؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية، التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر"(2).

كما يوثق شهر ديسمبر/كانون الأول إعلان بن غوريون -أول رئيس وزراء للاحتلال الإسرائيلي لعام 1949- بأن القدس ستكون عاصمة "لإسرائيل"، وبعدها بتاريخ 31 يوليو/تموز 1980، صوت نواب الكنيست الإسرائيلي على قرار "قانون أساس: أورشليم القدس عاصمة إسرائيل" القاضي بإعلان القدس بحدود 1967، التي رسمتها الحكومة مبدأ دستوريا في الدستور الإسرائيلي، مما جعل مجلس الأمن يقوم بإصدار قرارين رقم 476 و478، يوجه فيهما اللوم إلى إسرائيل؛ بسبب إقرار هذا القانون، مؤكدا أنه يخالف القانون الدولي، ومن شأنه أن يمنع استمرار سريان اتفاقية جنيف الرابعة عام 1949 على الجزء الشرقي من القدس، كما يفترض أن تكون المدينة ضمن محافظة القدس التابعة للسلطة الوطنية الفلسطينية(03).

ويرصد هذا الشهر أيضا مواقف الأمم المتحدة عندما أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا رقم 302 يقضي بإصدار الوكالة الدولية لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين وتشغيلهم "الأونروا" (UNRWA) في 8 ديسمبر/كانون الأول 1987(04).

كما نجد قرار الولايات المتحدة الأميركية بإقامة حوار مع منظمة التحرير الفلسطينية في 16 ديسمبر/كانون الأول 1949، إلا أنه في عام 1984 حظر الكونغرس الأميركي على الموظفين الحكوميين أي اتصال أو تفاوض مع منظمة التحرير الفلسطينية؛ إلا إذا اعترفت المنظمة بحق إسرائيل في الوجود، وبتطبيق قراري الأمم المتحدة 242 و338 ونبذ العنف.

بعد هذا بعامين (1987)، عد الكونغرس الأميركي منظمة التحرير الفلسطينية منظمة إرهابية، عبر إقراره في 22 ديسمبر/كانون الأول من نفس العام قانون "محاربة الإرهاب"، الذي يعد من أسوأ القوانين، إن لم يكن أشدها عداء لمنظمة التحرير الفلسطينية، وقامت الولايات المتحدة بإغلاق المكتب الإعلامي التابع للمنظمة، ومكتب بعثتها في الأمم المتحدة في واشنطن. ولم يقتصر القانون على حرمان الفلسطينيين من تمثيلهم على أراضي الولايات المتحدة، وإنما شمل الأمر أيضا منعهم من استلام أو إرسال أي شيء ذي قيمة من المنظمة أو صرف الأموال لها في الولايات المتحدة، وبقي هذا القانون ساريا إلى يومنا هذا، وأُكد عليه في 16 فبراير/شباط 1990(05).

وأغرب ما في الأمر أنه في ديسمبر/كانون الأول 2016 بدأ فريق من الولايات المتحدة بإجراء اختبارات ميدانية مع ممثلين من وزارة الخارجية ووزارة استيعاب المهاجرين الإسرائيلية حول نقل السفارة إلى فندق "دبلومات"، الذي اختير ليكون مقرا للسفارة الأميركية في القدس، ويقع الفندق (جنوب شرق القدس)، وتعمل فيه دائرة الهجرة والاستيعاب الإسرائيلية، ويقيم في الفندق دبلوماسيون مهاجرون من كبار السن، معظمهم من الاتحاد السوفيتي السابق، وما يزال يُقيم فيه حوالي 500 مهاجر متقاعد، ولا يمكن إخلاؤه إلا بعد عام 2020.

أما الصدفة الغربية أن يعلن ترامب الرئيس الأميركي بتاريخ 6 ديسمبر/كانون الأول 2017 خطاب القدس، الذي أعلن فيه أن الولايات المتحدة تعترف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل، وأنه أصدر تعليمات إلى موظفي وزارة الخارجية لبدء استعدادات نقل السفارة الأميركية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، وفي فبراير/شباط 2018 أعلنت وزارة الخارجية الإسرائيلية أن السفير سوف ينتقل إلى مجمع القنصلية في القدس يوم 14 مايو/نيسان 2018؛ تكريما للذكرى 70 لاستقلال إسرائيل(06) .

كما يوثق هذا الشهر انتفاضة شعبية شارك فيها أطفال لم يكملوا حينها 10 سنوات من أجل المطالبة بحقهم بتقرير مصيرهم، الذي وثقت الأمم المتحدة قرارها الذي يحمل الرقم 3236 في 22 نوفمبر/شباط 1974 بموافقة 89 صوتا مقابل رفض 8 وامتناع 37، ويحمل هذا القرار عنوان "حقوق الشعب الفلسطيني"، وفيه يؤكد الحقوق الثابتة لشعب فلسطين، لتبدأ بذلك الانتفاضة 8 ديسمبر/كانون الأول 1987، وكان ذلك في جباليا في (قطاع غزة)، ثم انتقلت إلى كل مدن وقرى ومخيمات فلسطين، مما كان انطلاقة لحركة فتح في 1 يناير /كانون الثاني 1965، وتعد من أولى حركات النضال الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي، وقد ارتبطت الحركة بقائدها ياسر عرفات حتى وفاته عام 2004.

كما تريد دولة الإمارات والبحرين وغيرهما من الدول الشقيقة والعزيزة على قلوبنا البدء بمراسم التوقيع على اتفاقية التطبيع بينها وبين إسرائيل التي ستكون في أوائل سبتمبر/أيلول 2020 في البيت الأبيض.

أقول في أخر مقالي فلسطين تكلمت وصدقت وقالت لا أحب 3 كلمات هي: لا أعرف، لا أستطيع، مستحيل؛ لكن سوف أتحرر منكم، لذلك إذا كانت جبال الألب الشاهقة تمنعني من التقدم، فيجب أن تزول من على الأرض.

المراجع:

1-   سالم حسين، القضية الفلسطينية: دراسة سياسية وثائقية، دار النشر جامعة قاريونس، الطبعة الأولى 1999 صفحة 51.

2-   فتحي نصار، وثائق فلسطين من العهدة العمرية إلى وعد بلفور، دار الثقافة للنشر،  الطبعة الأولى 2003، صفحة 107.

3-   د. عبد الرحمن محمد علي، إسرائيل والقانون الدولي، دار النشر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، الطبعة الأولى 2011، صفحة 122.

4-    هذا القرار عمل على تأسيس وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى، من أجل إجراء المسح الاقتصادي للشرق الأوسط وتقرير الأمين العام عن مساعدة اللاجئين الفلسطينيين.

5-   أسامة خليل، مقال حول جذور أوسلو: كيسنجر، منظمة التحرير الفلسطينية، وعملية السلام، شبكة السياسات الفلسطينية، 3  ديسمبر/كانون الأول 2013 https://al-shabaka.org/briefs/

6-    شبكة الجزيرة، /news/arabic/2017/12/6/%D8%AA%D8%B1%

 

 

 

 

 

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.