مخططات حركة "هندوتفا" لإقليم كشمير

SENSITIVE MATERIAL. THIS IMAGE MAY OFFEND OR DISTURB People surround the body of Adil Ahmad Dar, a suspected militant, who according to local media was killed in a gun battle with Indian security forces, during his funeral in Arwani, in south Kashmir's Kulgam district, January 7, 2020. REUTERS/Danish Ismail TPX IMAGES OF THE DAY

إن أكثر الإستراتيجيات دهاء وتنسيقاً للحركة القومية الهندوسية (هندوتفا) -التي تشكل حكومة حزب بهاراتيا جاناتا الحالية في الهند بقيادة ناريندرا مودي- جزءٌ لا يتجزأ منها هو اتباع ثلاث سياسات متناقضة في كشمير.

أولاها تسليح الأغلبية لفرض التجانس. وثانيتها تحريض الأغلبية من الأصوليين على خرق القانون مقابل فرض الالتزام به على ضحايا العنف. وثالثتها ادعاؤها حماية حرية التعبير والتجمع والمعارضة، مع توصيف أي مسلم أو مسيحي يحاول استخدام هذه الحقوق بالتحريض أو الإرهاب.

تحتوي كل من هذه الحيل على مزيد من التنافر الداخلي الذي يغذي بدوره تعقيد أحجية حركة "هندوتفا" بالهند. ولا يمكن في الواقع فهم أي من هذه الحيل خارج العلاقة السيكوسوماتية (النفسية الجسدية) بين الجبن والقمع، أو من خلال سماه البروفيسور سيمون "عدوان المفترس" و"التسلط النرجسي"، الذي يمارسه بشكل علني متعصبو هندوتفا وأعضاء منظمة المتطوعين القومية الهندية ( RSS).

كل هذا يأتي في سياق تعزيز أهدافهم السياسية الأوسع والمتمثلة -بشكل خاص- في إخماد التمرد وإخضاع كشمير. وبشكل أكثر عمومية؛ التأثير المباشر على حياة المسلمين والمسيحيين والداليت في جميع أنحاء الهند أيضًا.

أولًا؛ يسعى مشروع الهند الهندوتفية الموحدة لنشر مصطلح "كلنا متشابهون" الذي يبدو في ظاهره مأخوذا من أفكار المدينة الفاضلة، ولكنه حقيقةً ادعاء غير بريء؛ فالإصرار على وجود تجانس ثقافي وعرقي في مساحة شاسعة من جنوب آسيا -تشكل موطنا لعشرات اللغات والثقافات والأعراق- هو أمر غير واقعي على الإطلاق. وبالتالي؛ فهو مصطلح مغلف بالسكر وموجه للاستهلاك الدولي لتأمين غطاء أخلاقي لممارسات داعمي المشروع.

ومثلما في مقولة واشنطن إيرفينغ الذكية: "الشر يرتدي أقنعة كثيرة أخطرها قناع الفضيلة"؛ تعتمد سياسة هندوتفا بطريقة ممنهجة العمل الإنساني لتقويض الأصوات المعارضة تحت عنوان الافتخار بالتنوع الثقافي.

يسعى مشروع الهند الهندوتفية الموحدة لنشر مصطلح "كلنا متشابهون" الذي يبدو في ظاهره مأخوذا من أفكار المدينة الفاضلة، ولكنه حقيقةً ادعاء غير بريء؛ فالإصرار على وجود تجانس ثقافي وعرقي في مساحة شاسعة من جنوب آسيا -تشكل موطنا لعشرات اللغات والثقافات والأعراق- هو أمر غير واقعي على الإطلاق. وبالتالي؛ فهو مصطلح مغلف بالسكر وموجه للاستهلاك الدولي لتأمين غطاء أخلاقي لممارسات داعمي المشروع

إن هذا الفخ الأيديولوجي يدفع الأغلبية للعمل في مصلحة أصحاب المشروع وتبني معايير مزدوجة؛ فهم من جهة يهدمون المساجد ويعدمون التجار المسلمين ويهددون باغتصاب جثث النساء المسلمات، ومن جهة أخرى فإنهم يرفعون شعارات غاندي في الدعوة إلى السلام، ثم يفرضون التغيير لأن "جميعنا واحد" هو النهج الذي يسير عليه مشروع هندوتفا.

ثانيًا؛ يعترف دعاة هندوتفا علناً بأن ليس كل الناس سواسية ويستحيل أن يكونوا كذلك. أما في الواقع؛ فقد هاجم عضو حزب بهاراتيا جانتا الحاكم سوبرامانيان سوامي الحاصل على شهادة من جامعة هارفارد المسلمين في الهند بإعلانه أنهم "ليسوا مساوين" لغيرهم، وهذا انتهاك صريح للمادة رقم 14 من الدستور الهندي.

إن القانون بأعين حزب بهاراتيا جانتا -وبدون أدنى شك وسواء كان يطبق في الهند أو في المناطق المحتلة من كشمير- ليست له قيمة أكثر من قيمة الورقة التي كُتب عليها، حيث إن قيمته الوحيدة تكمن في قدرة الحزب على التلاعب به، سواء كان بالإلغاء غير القانوني وغير الدستوري للمادة رقم 370 في كشمير، أو الموافقة على قانون المواطنة الهندي المعدل العنصري، أو كما يجري الآن في حالة تعديل قانون الإقامة في كشمير الذي يمهد للبدء بموجات تغيير ديموغرافية بالمنطقة.

وباختصار؛ فإن مشروع هندوتفا يسخّر القوانين الهندية ويستعمل الخداع السياسي لتبرير سياساته. في هذه الأثناء، وبعد وضعهم لعشرات ملايين الأشخاص خارج نطاق الدستور والقانون؛ يتفوه أنصار المشروع بكلام حلو لكن لا معنى له على الإطلاق، والهدف هو خداع العامة لإخضاعهم ولمنع المظلومين من اكتساب الطاقة والقوة والتحرك ضد مستبديهم.

بعد كل ذلك؛ يتم إخبار المضطهدين -بكل برودة أعصاب ورغم أنهم ضحايا- بأنه لا ينبغي لهم أخذ حقهم بأيديهم. وبدلا عن ذلك؛ يتم حثهم على تقديم شكواهم للجهات المعنية، ثم الانتظار للحصول على عدالةٍ لن تأتي أبدًا.

ثالثًا؛ إن أتباع هندوتفا يبنون سياستهم على الافتخار بالتراث الهندي للتسامح الثقافي وحرية التعبير، ولكنهم يقومون بتقويض مشاركة المسلمين والمسيحيين والداليت الأصليين في الحياة المدنية. بل إنهم يستهدفون إضعاف جميع ممثلي الديانات الأصلية وخاصة المسلمين، حيث يتم فقط تشجيع بقاء المسلمين الذين لا يمارسون ديانتهم، ولا يمكن تمييزهم ظاهريًا عن محيطهم من غير المسلمين.

ولذا يعتبر أي فعل يقوم به المسلمون الذين يستخدمون مفردات دينهم وثقافتهم بفخر -ليظهروا من خلاله القوة- فعلًا طائفيًا، أو غير وطني، أو جهادا أصوليا. حتى إنهم يقومون بما يعادل التحريض على الحكومة المشكلة حديثًا لإقليم كشمير المتنازع عليه بوصفها بأنها غير ممثلة للشعب لكونها لا تضم أيًا من الكشميريين، باستثناء شخص واحد من وجهة نظرهم. وبمعنىً آخر؛ فإن مهاجمة سياساتهم الطائفية يعتبر فعلًا طائفيًا في نظرهم.

إن هذه السياسات العدائية مجتمعةً تسعى لتهميش المسلمين، بما في ذلك منعهم من إطلاق لحاهم في الجيش الهندي، مع أن السيخ يُسمح لهم بذلك. هذا بالإضافة إلى منعهم من ترديد شعارات إسلامية ملهمة لأنها قد تؤدي للشعور بالتميز

ففي السياق الاجتماعي/الثقافي للمسلمين؛ يتوجه كل مسلم بالدعاء إلى الله سواءً كان الطلب مقدسًا أو دنيويًا متعلقًا بشؤون دنيوية أو سماوية، حيث إن النموذج الإسلامي لا يقسم الحياة إلى طبقات تختلف استجابة الله لها.

أتباع هندوتفا يبنون سياستهم على الافتخار بالتراث الهندي للتسامح الثقافي وحرية التعبير، ولكنهم يقومون بتقويض مشاركة المسلمين والمسيحيين والداليت الأصليين في الحياة المدنية. بل إنهم يستهدفون إضعاف جميع ممثلي الديانات الأصلية وخاصة المسلمين، حيث يتم فقط تشجيع بقاء المسلمين الذين لا يمارسون ديانتهم، ولا يمكن تمييزهم ظاهريًا عن محيطهم من غير المسلمين

وبالتالي؛ فإن القراءة الأصيلة للتقاليد الإسلامية تقرّ بأن هذا التشابك بين القدسية والدنيوية مبني على النية، لكن جميع الطرق مغلقة أمام المسلم الهندي الذي يريد أن يكون أصيلًا وأن يعبر عن إيمانه وانتمائه بطريقة صحية وفعالة.

لطالما نُظر إلى الهنود في كشمير على أنهم أجانب، وبالتالي كان عليهم القيام بهذه السياسات العدائية لمواجهة تلك النظرة. ورغم كل هذا؛ فإن المسلمين الهنود يقبلون بالهند موطنًا لهم بكل سرور، لكن لسوء الحظ فإنهم يواجهون وطأة دولة شمولية لا تقبل بالآخر.

وفي النهاية؛ فإن ما تحققه إستراتيجيات هندوتفا العدائية هو ما يلي:
أولًا؛ إضعاف قوة الترابط الإسلامي وملؤها بالشك عبر غرس شعور العار والخجل من تراثهم، لتثبيط عزيمتهم ومنعهم من اتخاذ موقف، ثم استبدال ذلك بوعدٍ كاذب بالمساواة.

ثانيًا؛ خرق كل القوانين في الدستور الهندي المتعلقة بحقوق الأقليات في الهند أو في منطقة كشمير المتنازع عليها، ثم الاقتراب من الشرائح المتضررة في المجتمع وتوجيهها للمحاكم بحيث تطول القضية لسنواتٍ عدة. والهدف من هذا هو تهدئة المشاعر التي يمكن أن تحرك ثورات محتملة، والحد من ردات الفعل السلبية.

ثالثًا؛ يهدفون إلى شيطنة فكرة الروابط الاجتماعية للمسلمين الحقيقيين، والتي توفر الأساس الثقافي اللازم لمقاومة الاضطهاد بوصفها بأنها عمل متطرف من حيث المبدأ.

وختامًا؛ تصبح هذه المخططات أكثر مدعاة للإدانة في هذا الوقت بالذات، نظرا إلى أن إقليم كشمير المتنازع عليه -وكذلك باقي العالم- يعاني من جائحة فيروس كورونا المستجد. ومع ذلك، وكما يوضح البروفيسور سيمون؛ فإن المخططين الماكرين يتبعون نصيحة "أظهر النوايا الهجومية للآخر، وبمكر أجبره على الاستسلام طواعية. اغرس العار، أو أثر الشك والذنب في نفسه، أو ازرع الخوف؛ وسيقوم الآخر -على الأغلب- بالتراجع عن مطالبه التي يريدها حقًا".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.