الجديد في العلاج المناعي لكورونا.. من المستفيد وما العوائق؟

A member of the medical staff in a protective suit is seen in front of a patient suffering from coronavirus disease (COVID-19) in an intensive care unit at the San Raffaele hospital in Milan, Italy, March 27, 2020. REUTERS/Flavio Lo Scalzo TPX IMAGES OF THE DAY

أمام هذا التحدي والانتشار المستمر لفيروس كورونا (Covid-19) عالمياً، والخوف المترتب على ذلك لعدم وجود علاج ناجع، أو مصل واقٍ يلوح في الأفق؛ ثمة محاولات علاجية تجري الآن المصادقة عليها في كل من أميركا وبريطانيا -رغم قدم هذا البرتوكول الإكلينيكي- كبداية متواضعة للحالات الحرجة، حتى يتسنى الوصول إلى العلاج الأمثل على المدى المتوسط أو البعيد.

فقد أقرت إدارة الدواء والغذاء الأميركية "FDA" وكذلك هيئة الخدمات الصحية البريطانية "NHS" الموافقة على استخدام العلاج المناعي المعروف بالمناعة المكتسبة العابرة "Passive immunity"، وقد ورد ذلك على موقع دورية نيتشر ”Nature” الإلكتروني (24/03/2020).

ولا بد في البدء من تحرير للمصطلح المناعي بتمهيد مبسط يُظهر عملية التفاعل المباشر وغير المباشر بين الميكروبات الغازيَة للجسم: (فيروسات، بكتيريا، طفيليات، فطريات، أو خلايا سرطانية)، وكيفية رد فعل النظام المناعي المعقد والممتد عبر الجسم لمقاومة الأمراض، ولحفظ الصحة. فالنظام المناعي قوامه مجموعة من العمليات الميكانيكية والبيوكيميائية التي تشكل خط الدفاع عن هذا الجسم.

ولكن التركيز على الجانب البيوكيميائي هو ما يهمنا في هذا المقام، حيث يقوم هذا بالتعرف أولاً، ثم محاربة وقتل الميكروبات والخلايا السرطانية إلى حد ما، وحيث إن التنوع -في الشكل والتركيب والوظيفة والأصل- يُعد من أبرز سمات هذا النظام المناعي؛ فإن الاستجابة المناعية تبعاً لذلك تنقسم إلى رد فعل خلوي "CellularImmune Response" أو خلطي على شكل مركبات: "Humoral Immune Response"، وهذا النوع من الاستجابة يشكل رد فعل أساسيا لمكافحة الفيروسات بشكل خاص على شكل أجسام مضادة "antibodies".

ومن ناحية أخرى؛ فإن الاستجابة المناعية تُقسم من حيث الأصل إلى قسمين: فطري طبيعي "Innate natural immunity" يُولد مع الإنسان، ويكون مزوداً به، ويُفعّل للاستجابة الأولية لأي طارئ يغزو الجسم، وهو نظام عام غير محدد، وقصير الأمد، ويحدث بسرعة في الأيام الأولى من التعرض للمحرض المناعي "antigen".

لا بد في البدء من تحرير للمصطلح المناعي بتمهيد مبسط يُظهر عملية التفاعل المباشر وغير المباشر بين الميكروبات الغازيَة للجسم: (فيروسات، بكتيريا، طفيليات، فطريات، أو خلايا سرطانية)، وكيفية رد فعل النظام المناعي المعقد والممتد عبر الجسم لمقاومة الأمراض، ولحفظ الصحة. فالنظام المناعي قوامه مجموعة من العمليات الميكانيكية والبيوكيميائية التي تشكل خط الدفاع عن هذا الجسم

بعد ذلك يتم تفعيل النظام الأكثر فاعلية، وهو نظام المناعة المكتسبة "Adaptive or acquired immunity" ويُعتبر القسم الثاني للاستجابة المناعية، ومنه أيضاً تتفرع المناعة المكتسبة الناشطة "active immunity" التي تحدث بعد أسبوعين من التعرض للمحرض المناعي (كالحصبة مثلا) وتحدث ببطء كما تتميز بدقة التحديد، وطول الذاكرة في التعرف على الهدف وقتله بالأجسام المضادة "antibodies"، وهذه بدورها تشكل مناعة طويلة الأمد، وقد تحدث أيضاً نتيجة اللقاحات المضادة "Vaccines".

وهذا ما يُنظر إليه كحل نهائي لوباء كورونا، لكن يتعذر حصوله في الوقت الراهن لأسباب سنذكرها لاحقاً. وتحت هذا النوع يندرج أيضاً ما يعرف بالمناعة المكتسبة "السلبية" العابرة "Passive immunity”، ومثال ذلك المناعة المنقولة للجنين من والدته عبر الحبل السري، وكذلك أيضا عملية نقل بروتينات الدم المناعية "plasma transfusion". 

وهذا النوع من المناعة المكتسبة العابرة يعتبر حالياً خياراً متاحاً لبعض مرضى كورونا، ويتمثل في استخدام ونقل بروتينات الجلوبينات المناعية "Immunoglobulins"، حيث تقوم بتوفير مناعة مباشرة عابرة وسريعة للجسم المستقبل.

إذن هذا هو الأمر المتاح حالياً، والذي يُراد البدء به كخطوة أولى لعلاج مرضى كورونا "Covid-19" الذين فشلوا في مقاومة الفيروس لأسباب عديدة، ليس هذا مجال الحديث عنها. ولكن مما أصبح معلوماً بشأن هذا الوباء أن نسبة كبيرة تتماثل للشفاء، ويعزز ذلك استجابة جهاز المناعة واستطاعته التعرف على الفيروس ومهاجمته من خلال محدده البرتيني، ثم التخلص من الفيروس بعد قتله في نهاية المطاف.

بينما كان الحال مختلفاً لدى فئة أخرى من المرضى، حيث إن النظام المناعي لم يتعامل مع الفيروس بشكل فعال، وقد يكون هذا الفشل عائداً لأسباب بنيوية حالت دون الوصول إلى القدرة الكافية للمقاومة عبر نظامهم المناعي، والذي تأثر سلباً تبعاً لحالتهم السابقة للعدوى بكورونا.

لذلك فإن ما يراد تفعيله حالياً عبر هذا البروتوكول هو إعادة تدوير للأجسام المضادة من المرضى الذين تماثلوا للشفاء، إلى الفئة الأقل حظاً ممن فشلوا في إنتاج تلك الأجسام المضادة للفيروس، وذلك عبر عملية نقل سائل البلازما "Plasma" الذي هو عبارة عن الدم ناقص الخلايا والصفائح الدموية، ويحتوي على الأجسام المضادة "Antibodies" التي ستمنح لاحقاً هؤلاء المرضى المناعة المكتسبة العابرة لمقاومة الفيروس على أمل التماثل للشفاء. لكنها حتما مناعة سريعة وقصيرة الأمد.

لا شك في أن هذا البرتوكول مفيد لمرضى القصور المناعي كعلاج لمرة واحدة "Immunocompromised"، ولكن إنْ تعرض هؤلاء للعدوى مرة أخرى فلا بد من إعادة البروتوكول ثانية، بسبب تكوّن مناعة قصيرة الأمد لديهم، إلا أن من سلبيات هذه الطريقة أنها تتطلب الكثير من الجهد البشري، بالإضافة إلى كلفتها الزمنية لإعداد ذلك لكل مريض. وأيضاً فقد تؤدي عند بعض المرضى إلى إيقاف إنتاج الأجسام المضادة، فيصبحون عرضة للإصابة بعدوى أخرى بشكل أسرع.

ولكن لماذا العودة إلى هذا البروتوكول القديم جداً (100 عام)؟ الجواب ببساطة: هو انعدام البدائل الأخرى، ونظرًا لطبيعة التحدي الذي يفرضه هذا الفيروس الجديد من حيث النوع والسلالة وسرعة انتشاره. والأدهى من ذلك أنه فيروس قادر على التحور "mutation" أو ما يُعرف بحدوث الطفرات الجينية في تركيبه الوراثي، وقد ثبت هذا على الأقل من خلال الأبحاث الحالية في مركز العدوى والصحة العالمية بكلية الطب في جامعة ليفربول ببريطانيا، حيث تبين أن سلالة الفيروس التي ظهرت في بريطانيا مختلفة عن مثيلتها التي ظهرت في بؤرة العدوى بمدينة ووهان الصينية.

الخطير أن فيروس كورونا قادر على التحور "mutation" أو ما يُعرف بحدوث الطفرات الجينية في تركيبه الوراثي، وقد ثبت هذا على الأقل من خلال الأبحاث الحالية في مركز العدوى والصحة العالمية بكلية الطب في جامعة ليفربول ببريطانيا، حيث تبين أن سلالة الفيروس التي ظهرت في بريطانيا مختلفة عن مثيلتها التي ظهرت في بؤرة العدوى بمدينة ووهان الصينية

وإذا كان ممكناً إلى حد ما التحكم في سرعة تفشي المرض عن طريق مواصلة التباعد الاجتماعي (Social distancing) وكذلك العزل "Isolation"؛ فمن الصعوبة بمكان السيطرة على حدوث هذه الطفرات الوراثية أو حتى التنبؤ بمآلاتها، لكنها تشير بالمجمل إلى منحى سلبي غريب الأطوار يسلكه هذا الفيروس الكوروني. ومن المتوقع أن تؤثر سلباً على محاولات التوصل إلى لقاح خاص مضاد للفيروس.

وفي أحدث دراسة لتسلسل المادة الوراثية لفيروس كورونا (النسخة البشرية)، وقد قطعت الشك باليقين حول أصل الفيروس وسرعة تحوره وانتشاره؛ تبين وجود ثلاث سلالات رئيسية للفيروس (A,B,C)، وكانت السلالة A هي الأصل وتكاد تكون مرتبطة إلى حد كبير بنسخة الفيروس الموجودة في الخفافيش (Bats) وكذلك آكل النمل الحرشفي (Pangolins)، وقد تحوّر الفيروس بعد ذلك فتولدت النسخة B التي تحوّرت إلى شكلين آخرين، ثم تولدت النسخة C التي انتشرت في أوروبا.

وأشارت الدراسة إلى أن السلالة A التي وُجدت في مدينة ووهان الصينية ليست هي الأكثر هناك بل السلالة B، ولكن في أميركا وأستراليا كانت A هي السلالة المنتشرة. وفي آسيا عموما؛ كان انتشار السلالة B جليا. وهذه الدراسة المشار إليها جرت في جامعة كامبريدج ببريطانيا (10 أبريل/نيسان 2020) بإشراف د. بيتر فوستر، ونُشرت في دورية أكاديمية العلوم (proceeding of national academy of science). وقد أظهرت الدراسة أيضا أن تحور الفيروس بدأ بطيئا ثم تسارع في السلالتين B وC.

وفي تقديري أننا بحاجة إلى عام -على أقل تقدير- للوصول إلى حل معقول لهذا الوباء العالمي، الذي بدأ نتيجة للتعدي على الأنظمة البيولوجية التي من المفترض أن لا علاقة لنا بها البتة، وأكل ما يجب ألا يؤكل من الكائنات الحية (الخفافيش وما شابهها بيئياً وتركيبياً) المتعايشة بسلام مع هذه الفيروسات الكورونية أصلاً، ولكن الاختراق البشري لتلك المنظومة أدى إلى هذا القفز الفيروسي المرعب "Jumping species virus" من تلك الكائنات إلى الإنسان، وعبر فترة زمنية ليست بالقليلة أدت إلى تحوره لكي يتلاءم مع عائله الجديد (أي بيئته الجديدة في جسم الإنسان).

وبنظرة تاريخية معاصرة سريعة على حالة من حالات التعدي الفجة على الأنظمة البيولوجية بكل استهتار (تحت شعار التقدم العلمي طبعاً)؛ فإنه يمكننا القياس على ذلك حالة تفشي مرض جنون البقر الذي كانت بؤرته بريطانيا عام 1986، ثم تفشى وانتقل إلى دول الاتحاد الأوروبي بعد ذلك، وأحدث أزمة كبيرة وقتها.

كانت تلك سابقة خطيرة من المنظور العلمي والأخلاقي، حيث تم تبني نظام غذائي للأبقار يتكون من لحوم أبقار ومواشٍ وخنازير نافقة، وذلك من أجل زيادة الإنتاج سواء كان لحماً أو لبناً! فأصيبت لاحقاً بمرض جنون البقر، وأدى ذلك التغيير في نمطها الغذائي إلى تحولها من آكلة أعشاب صالحة للاستهلاك البشري إلى آكلة لحوم غير صالحة للاستهلاك البشري.

وقد أظهرت الأبحاث عندئذ ما يُعرف بالبروتين المعدي "prions" وهو أصغر من الفيروس، ويضرب الجهاز العصبي المركزي، ويؤدي إلى مرض تنكسي ينتهي بالموت. ثم انتقل إلى الإنسان بسبب أكل لحوم تلك الأبقار فيما عُرف لاحقاً بنسخته البشرية "CJD". ولم ينته ذلك الوباء "الجنوني" إلا بعد أن أدرك الجميع خطأ مسلكهم، وتم قتل وحرق ملايين الأبقار "المجنونة" بعد ذلك.

كورونا المتحور "جينياً" سيبقى فترة ليست بالقصيرة نسبياً، والوصول إلى علاج فعّال سيحتاج إلى زمن يتناسب مع سلوك هذا الفيروس الأغرب بين أمثاله. فأي تحدٍّ وأي آية تنتظرنا: «سنريهم آيَاتِنَا في الآفاقِ وفي أنفسِهم حتى يتبيَّنَ لهم أنه الحقُّ، أوَلَمْ يَكْفِ بربِّكَ أنه على كلِّ شيءٍ شهيدٍ»

عند قياس هذه الحالة (مرض جنون البقر) بالوباء العالمي "الكوروني" الحالي؛ سنجد أن عاملاً مشتركاً واحداً بينهما على الأقل يشير إلى التعدي (جهلاً واستخفافاً) على أنظمة بيولوجية تعمل بكفاءة وجودة ويصلنا خيرها فقط، وهذه هي "الفطرة" التي فطر الخالق الكون عليها بنظام وتقدير دقيقيْن، هما محل اعتراض وتعدٍّ من قبل كثير من البشر الذين يغترون بما عندهم من علم.

وجزاء على ذلك التعدي؛ فإنهم يعاقَبون بعقوبات غير متوقَّعة، لردعهم عن ذلك التعدي والتجاوز على هذه الفطرة، وينزل بهم من البلاء العام ما يشملهم ويشمل غيرهم، كما قال الله تعالى: «واتقوا فتنةً لا تُصيبنّ الذين ظلموا منكم خاصةً، واعلموا أن اللهَ شديدُ العقابِ» [سورة الأنفال/ الآية: ٢٥]؛ كما هو مشاهد الآن على مستوى العالم بأسره.

وكل ما يدعو إلى التمرد على هذه الفطرة أو يقف في طريقها وينحرف بمقاصدها هو محاربة لله، ومضادة للقانون الطبيعي الذي يضبط حياة الإنسان على هذه الأرض، ومن يحارب الله تعالى فهو لا شك مغلوب في النهاية، وإن ظن أنه قد حقق ما يصبو إليه ويتمناه.       

وختاماً؛ يبدو أن كورونا المتحور "جينياً" سيبقى فترة ليست بالقصيرة نسبياً، والوصول إلى علاج فعّال سيحتاج إلى زمن يتناسب مع سلوك هذا الفيروس الأغرب بين أمثاله. فأي تحدٍّ وأي آية تنتظرنا: «سنريهم آيَاتِنَا في الآفاقِ وفي أنفسِهم حتى يتبيَّنَ لهم أنه الحقُّ، أوَلَمْ يَكْفِ بربِّكَ أنه على كلِّ شيءٍ شهيدٍ». [سورة فصلت/ الآية: ٥٣].

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.