العلم والكفتة بينهما "بيرقدار"

Turkish President Recep Tayyip Erdogan- - ISTANBUL, TURKEY - SEPTEMBER 21: Turkish President Recep Tayyip Erdogan is seen signing the Armed Unmanned Aerial Vehicle (UAV), Bayraktar Akinci as he attends Teknofest Istanbul Aerospace and Technology Festival in Istanbul, Turkey on September 21, 2019.

في حكاياتنا القديمة المزروعة في وجداننا؛ كانوا يقولون لنا إنّ اللواء فلان هو من غيّر المعادلة في حرب كذا، وإن العقيد فلان هو من ابتكر كذا، حتى ظننا أنّ كل الانتصارات لا تأتي إلى من ذوي الرتب العسكرية، حتى إذا انتصب أحدهم مرتدياً بزته العسكرية وقفنا له إجلالاً وتقديراً، وفي مقابل ذلك -وبلا وعي منّا- نقلل من شأن كل ما هو مدني.

منذ أن خرجنا من مصر التي كان لدينا فيها -ولا يزال- حلم كبير بأن نصنع سلاحنا وغذاءنا ودواءنا، ولأنه وإن خرجنا من مصر فمصرُ لم تخرج منّا؛ كلما رأينا حالة نجاح لإحدى الدول عقدنا المقارنات بينها وبين بلادنا، ويطرح السؤال نفسه علينا: لماذا لا نصبح مثل هذه الدولة أو تلك؟ فالمقومات واحدة والبيانات متقاربة، بل إن بلادنا متفوقة بما حباها الله به من طبيعة متميزة، وبما أودعه سبحانه في ناسها من طبائع وقدرات!

غير أنّ هذا السؤال -الذي يطرح نفسه دائماً- يجيب على نفسه: "رأس السلطة لا يريد للبلاد ذلك"! فالمرة الوحيدة التي وصل فيها إلى كرسي الحكم مهندسٌ مدنيٌّ، عاد من الخارج محمّلا بخبرات اكتسبها وعلوم درسها، آملاً زرعها في وطنه لتثمر بعد سنوات ما ترنوا الأوطان في كل الدنيا إليه؛ في هذه المرة قُطعت يدُ هذا المهندس، وانتزع من كرسي الحكم بقوة الدبابة، وأودع في السجن حتى قـُتل.

في الأيام الأخيرة؛ برزت إلى الأخبار طائرة تركية مُسيَّرة تحمل اسم "بيرقدار"، كانت هي كلمة السر في عملية الرد على مقتل الجنود الأتراك داخل سوريا، التي أدبّت النظام السوري وأعادت لأهل الأرض أرضهم، وطردت منها غاشما يريد أن يحكم لا بقوة سلاحه وإنما بسطوة تفرضها له إيران مرة وروسيا مرات أخرى.

بالعودة إلى أصل الحكاية؛ تبين أنّ الطائرة سُميت على اسم مخترعها: سلجوق بيرقدار، وهو شاب آمنت به السلطة فأعطته ما يحتاجه ليُخرج للوطن (تركيا) -لا للسلطة الحاكمة فيه- اختراعاً رفضت أعظم قوة في العالم بيعه لها قبل سنين، فأبت تركيا إلا أن تمتلكه، فراح الفتى يدرس لدى الأميركان مهارة الصنعة وفن الحرفة، حتى إذا ما عاد وضع بين أيدي شعبه طائرة "بيرقدار"، لترد عن تركيا العدو "باقتدار"!

نحن الشباب -في كل بلد عامة وفي مصر خاصة- لا نحتاج سوى سلطة تؤمن بنا، ونحن بدورنا سنصنع -من أجل أوطاننا- ما عجزت عنه أوطان الغرب وبلاد العجم، أمّا أن نُشرد في بلاد ليست لنا أو نوضع في السجون في بلادنا، ونُعلق على أعواد المشانق بلا ذنبٍ أو تهمة سوى أننا حاولنا أن نمتلك إرادتنا، فليس في ذلك من رفعة للبلاد أو نفعٍ

نحن الشباب -في كل بلد عامة وفي مصر خاصة- لا نحتاج سوى سلطة تؤمن بنا، ونحن بدورنا سنصنع -من أجل أوطاننا- ما عجزت عنه أوطان الغرب وبلاد العجم، أمّا أن نُشرد في بلاد ليست لنا أو نوضع في السجون في بلادنا، ونُعلق على أعواد المشانق بلا ذنبٍ أو تهمة سوى أننا حاولنا أن نمتلك إرادتنا، فليس في ذلك من رفعة للبلاد أو نفعٍ، وما المهندسُ العبقري المعدوم ظلماً أحمد وهدان عن الناس ببعيد.

إنّ مؤتمرات الشباب -التي يخرج بها النظام المصري علينا وقد اختار الحاضرين فيها وفقاَ لمعايير أمنيه قبل أن تكون علمية أو إبداعية- ليست سوى مجرد "كرنفالات"، يخرج فيها رأس السلطة ليس فقط ليضحك وتتعالى قهقته مستهتراً فيها بهموم الناس: "زود يا بشمهندس طارق البنزين ميهمكش"، وإنما كذلك ليرد فيها على خصومه السياسيين الذين يهاجمونه، كما حدث من قبل مع المقاول محمد علي: "هو أنا يعني ببني القصور دي لنفسي.. دي لمصر"، مع أن مصر ليست بحاجة إلى بناء قصور وإنما هي بحاجة لمعالجة القصور!

إنما مثلنا -نحن الشباب- ومثل السلطة في مصر كابن يَجهد يومه كله ويواصل ليله بنهاره ليتفوق، بينما أبوه يُصر إصراراً غريباً وعجيبا على إفشاله، تارة يتسبب في فصله من جامعته وتارة يطارده في الشوارع والمدن، وتارة يضعه في زنزانة ضيقة وحيدا..؛ فلما لم يستطع منعه من التفوق في مجالات شتى، ورأى أن الضائقة تزيده انفتاحاً على علوم أكثر، أخذ طريقه إلى الخلاص منه فأعدمه وأنهى حياته!

من عبد الناصر إلى السيسي، مروراً بالسادات ومبارك والمجلس العسكري؛ ظل الشعب يريد في كل هذه الحقب أن تكون له إرادة والعساكر تقتل هذه الفكرة بل ومَن يحملها، قمعٌ على كل المستويات وتجريف لكافة المجالات، حتى أصبح حالنا كمثل صاحبنا الذي ورث أرضاً من أبيه، ولمّا لم يتقن حرفة يمتهنها أو صناعة يقدمها راح يبيع أرضه مقابل مال يقتات به لأيام، حتى إذا نفد ماله سار إلى قطعة جديدة من أرضه ليبيعها تارة لدول وتارة لأجانب ليسوا منا ولسنا منهم. والأمثلة على ذلك -يا صديقي- كثيرة.. ألم يأتك خبر تيران وصنافير؟!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.