مرة أخرى سنة صعبة لمستطلعي الرأي وترامب الأوفر حظا بمقدار شعرة

كومبو لترامب وبايدن
(الفرنسية)

رغم أن استطلاعات الرأي لا يقتصر دورها على التنبؤ بالمستقبل، ولا سيما في بيئة الانتخابات الأميركية، فإن سباق الخيول للبيت الأبيض يتسم بالخصوصية التي تضع مستطلعي الرأي مجددا أمام تحد أكبر من الانتخابات الرئاسية الماضية؛ ولكن يبقى هناك أسباب تجعل لترامب فرصة أكبر بالفوز، ولو بمقدار شعرة؛ نذكرها هنا حسب ما نتوقع من قوة تأثيرها:

أولا: ما زالت هناك نسبة كبيرة من الخجولين من دعم ترامب "الناخبون المختبئون الخجولون" (Hidden Shy Voters) الذين لا يمكن معرفتهم بمنهجية استطلاعات الرأي وحدها، وكنت قد أشرت إلى ذلك في مقال سابق تحت عنوان "الداعمون خِلسة لترامب"، وهؤلاء هم من وصفهم ترامب بـ"الأغلبية الصامتة" مستعيرا هذا المصطلح من الرئيس نيكسون للتعبير عن تلك الفئة التي لا تصرح لمستطلعي الرأي بنيتهم التصويتية.

ثانيا: تميل أغلبية الأميركيين إلى صفات الحيوية والنشاط والمغامرة والتحدي، وهم يجدونها في شخصية ترامب أكثر من شخصية بايدن المملة، وإن كان الأخير أكثر عقلانية واتزانا، وهذا ما أشارت له استطلاعات "بيو" (pew) حين وصف الأميركيون ترامب بأنه "حيوي" (energetic) بنسبة تفوق بايدن بـ16%.

ثالثا: فرضت جائحة كورونا اللجوء إلى خيار التصويت المبكر عبر البريد، مما زاد من الغموض لمستطلعي الرأي، خاصة مع ارتفاع احتمالية إبطال هذا النمط، مقارنة بالتصويت الشخصي في مقر الاقتراع، وهذا ليس لمصلحة الديمقراطيين، وهنا يبدو التصويت عبر البريد أكثر خطورة من التصويت الشخصي؛ ليس بسبب الاحتيال، ولكن بسبب الخطأ البشري والسياسة الحزبية، فهو يتطلب العديد من الخطوات وفي مواقع مختلفة، مما قد يربك الناخبين الذين يخوضون التجربة للمرة الأولى، ويوقعهم في أخطاء ستقود إلى إبطال أصواتهم، وفي الانتخابات التمهيدية لعام 2020، تم استبعاد أكثر من 550 ألف بطاقة اقتراع بالبريد، وهذا أمر يكتسب خطورة خاصة في الولايات المتأرجحة، ووفقا لاستطلاعات الرأي، فإن الديمقراطيين أكثر ميلا 3 إلى 4 مرات للتصويت بالبريد مقارنة بالجمهوريين.

رابعا: الديمقراطيون أكثر قلقا من فيروس كورونا مما يجعلهم أكثر ميلا إلى عدم الذهاب للتصويت، ووفقا لاستطلاع أجرته شركة "أكسيوس إيبسوس" (Axios-Ipsos)، فإن ثلثي الديمقراطيين 64% يرون أن هناك مخاطر صحية معتدلة أو كبيرة للتصويت شخصيا، في مقابل 29% من الجمهوريين ممن يقولون الشيء ذاته، ويعتقد أكثر من واحد من كل 3 (37%) ديمقراطيين في الاستطلاع أن هناك خطرا معتدلا، ويقول أكثر من واحد من كل 5 (21%) إن هناك خطرا كبيرا في الاصطفاف في مراكز الاقتراع للإدلاء بأصواتهم، ويشير تقرير الاستطلاع إلى أن الديمقراطيين والمستقلين ذوي الميول اليسارية والنساء ومجتمعات الأقليات قد لا يصوتون شخصيا إذا كانت معدلات الإصابة بفيروس كورونا مستمرة بالارتفاع، أو إذا كانت هناك عقبات أمام الإرسال بالبريد أو التصويت الغيابي أو التصويت المبكر، وفي دراسة متخصصة بالتغريدات عبر تويتر فاق الناخبون الديمقراطيون نظراءهم الجمهوريين في طلبات الاقتراع الغيابي بنحو 600 ألف طلب، كما أن خوف الديمقراطيين من فيروس كورونا جعلهم يركزون على اللقاءات الافتراضية على عكس الجمهوريين، وهو ما يمكن أن يكون لمصلحة ترامب من حيث قوة الحضور والشخصية المسلية المؤثرة.

 

 ذكريات فوز ترامب المفاجئ على وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون في انتخابات 2016 تشغل بال العديد من الناخبين، وهذا الفوز يذكرهم بأن المجمع الانتخابي، وليس الأصوات الشعبية، هو من يحدد الفائز والخاسر

خامسا: ستكون قوة الاقتصاد الأميركي في عهد ترامب عاملا مهما عندما يتوجه الناخبون إلى صناديق الاقتراع في هذا الشهر، فقد وصلت البطالة الأميركية مؤخرا إلى أدنى مستوى لها منذ 50 عاما، واستمرت في الاتجاه التنازلي الثابت الذي بدأ عام 2010، وارتفع متوسط ​​الدخل الحقيقي في الساعة لجميع الموظفين غير الزراعيين الخاصين بنسبة 0.6% من يناير/كانون الثاني 2019 إلى يناير/كانون الثاني 2020، وفقا لمكتب إحصاءات العمل الأميركي، وبشكل عام فإن الأجور آخذة في الارتفاع، ويتم إنشاء المزيد من الوظائف وعودة المزيد من الناس إلى القوى العاملة أكثر من أي وقت مضى، ووفقا لوزير الخزانة الأميركي ستيفن منوتشين، فإنه عند مقارنة الاقتصاد الأميركي بالاقتصاد العالمي، فإن الأول يبدو نقطة مضيئة، على الرغم من تأثير جائحة كورونا على النمو.

سادسا: إن ذكريات فوز ترامب المفاجئ على وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون في انتخابات 2016 تشغل بال العديد من الناخبين، وهذا الفوز يذكرهم بأن المجمع الانتخابي، وليس الأصوات الشعبية، هو من يحدد الفائز والخاسر، فرغم أن كلينتون قد حصلت على 3 ملايين صوت شعبي أكثر من ترامب؛ إلا أنه تمكن من تحقيق هوامش انتصار ضئيلة في ويسكونسن وميشيغان وبنسلفانيا، وهو ما كان كافيا للحصول على أغلبية في المجمع الانتخابي، ومن ثم الفوز بالرئاسة، ولو أن أقل من 40 ألف ناخب في تلك الولايات (0.29% فقط من جميع الأصوات المدلى بها بين هذه الولايات) قد غيروا رأيهم، لكانت هيلاري كلينتون قد فازت بالرئاسة، وبالنظر إلى أن ما يصل إلى 13% من الناخبين قد اتخذوا قرارهم في يوم الانتخابات، فإن تكرار مثل هذا السيناريو ليس بعيد المنال.

سابعا: الدعم الكبير من الحزب الجمهوري، حيث يحظى ترامب بتأييد واسع النطاق بين الجمهوريين في استطلاعات الرأي، قال 90% ممن عرفوا بأنهم جمهوريون إنهم سيصوتون لترامب، و71% ينظرون إليه بشكل إيجابي للغاية، وفقا لاستطلاع أجرته "نيويورك تايمز/جامعة سيينا" (New York Times/Siena University) في يونيو/حزيران الماضي، وهو ما يعني أن الديمقراطيين قد لا يتعلمون من بعض أخطائهم في عدم الركون لتقدم بايدن كما ركنوا إلى تقدم كلينتون، وهو ما أشرت إليه في مقال سابق في الجزيرة نت "لماذا أخطأت استطلاعات الرأي بانتخابات أميركا؟"، حيث كان أحد أسباب خسارة هيلاري تفوقها في استطلاعات الرأي لدرجة أنها -كحال أغلب المستطلعين- لم تتوقع إلا الفوز، ولم تفكر بتجهيز "خطاب الخسارة" المحتمل (concession speech) وفق التقاليد الأميريكية.

 

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.