بومبيو "الصهيوني" ورئاسة أميركا 2024

بومبيو يؤكد استعداده لزيارة طهران لحل أزمة الاتفاق النووي
(الجزيرة)

قام وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، بزيارة لإسرائيل خلال الأيام الماضية، ولعلها تكون الزيارة الأخيرة له قبل رحيل إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الذي خسر انتخابات الرئاسة الأميركية لصالح المرشح الديمقراطي جو بايدن؛ لذا لم يفوت بومبيو الفرصة كي يضع بصمته على الزيارة، ويقدم لإسرائيل ما لم يقدمه أي وزير خارجية أميركي من قبل. فقد قام بزيارة لمصنع لإنتاج النبيذ بإحدى المستوطنات الإسرائيلية هي مستوطنة "شاعر بنيامين" في الضفة الغربية، وذلك في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وكذلك في تاريخ العلاقة بين واشنطن وتل أبيب. فلم يقم أي وزير خارجية أميركي من قبل بزيارة المستوطنات الإسرائيلية كونها تمثل انتهاكا للقانون الدولي. كما زار هضبة الجولان المحتلة، وهي أيضا الزيارة الأولى، التي يقوم بها وزير خارجية أميركي للهضبة المحتلة منذ 1967.

هدايا بومبيو لإسرائيل لم تتوقف عند هذه الزيارات؛ بل طالب بالتعامل مع السلع والبضائع، التي تُنتج في الضفة الغربية باعتبارها منتجات إسرائيلية، وطالب بوضع شعار "صُنع في إسرائيل" عليها، وذلك في انتهاك غير مسبوق ليس فقط للقانون الدولي، الذي يعتبر المستوطنات الإسرائيلية غير شرعية، ولكن أيضا لقرارات الإدارات الأميركية السابقة، التي رفضت الأمر واعتبره انتهاكا للقانون الدولي. الأكثر منذ ذلك هو إعلان بومبيو المثير للجدل باعتبار حركة "مقاطعة إسرائيل" المعروفة "بي دي إس" (BDS) معادية للسامية، وذلك من أجل وقف نشاطها ودعمها الدولي المتزايد.

ومبيو يستخدم إيمانه المسيحي، ودعمه اللامحدود لإسرائيل من أجل إرضاء القاعدة الإنجيلية الأميركية. وهي قاعدة تصويتية مهمة لأي شخص يطمح في الوصول للبيت الأبيض، وقد صوتت بكثافة لترامب في انتخابات 2016 وانتخابات 2020. وهو يدرك جيدا أنه لا يمكن الحصول على دعم القاعدة المسيحية الإنجيلية بدون إظهار دعمه اللامحدود لإسرائيل

واقع الأمر أن ما قدمه بومبيو لإسرائيل ليس فقط خلال زيارته الأخيرة لها؛ لكن منذ توليه وزارة الخارجية الأميركية قبل أكثر من عامين ونصف يتجاوز دوره وزير خارجية أجنبيا، وذلك إلى الدرجة التي يمكن أن نعتبره وزير خارجية الاحتلال الإسرائيلي لا الأميركي، فالرجل يبدو حريصا على تحقيق مصالح تل أبيب أكثر من مصالح بلاده، ولا ننسى زياراته المكوكية خلال الشهور الثلاثة الماضية للتعجيل بالتطبيع مع إسرائيل بين كل من الإمارات والبحرين والسودان.

وهو ما يثير السؤال: لماذا يفعل بومبيو كل هذا؟ وهل الأمر يحمل دلالات عقائدية أم سياسية؟ وهو سؤال يدفعنا للتنقيب قليلا في تاريخ الرجل كي نفهم دوافع سلوكه المشين. فبومبيو إنجيلي متدين ينتمي لتيار المسيحية الصهيونية، الذي يؤمن بضرورة دعم إسرائيل من أجل تحقيق النبوءة الدينية :أرمجيدون". وهو لا يخفي التزامه الديني، وإنما يتباهى به دوما، حيث اعتبر في حوار له خلال إحدى زياراته لإسرائيل عام 2019 أن ترامب هو "مبعوث العناية الإلهية من أجل حماية ودعم إسرائيل". كذلك لا يتوقف بومبيو عن استحضار عقيدته والتزامه الديني في كثير من المناسبات بما فيها نشاطه السياسي والدبلوماسي؛ بل يعتبر دلك مصدر فخر واعتزاز. وقد قال في أحد الحوارات مع جريدة "نيويورك تايمز" (New York Times) أن الإنجيل يخبره بكل ما يجب فعله. وعلى عكس ما يقول البعض حول علمانية السياسة الخارجية الأميركية، فإن سلوك بومبيو وتصريحاته المختلفة فيما يتعلق بدور الدين وتأثيره في قراراته وسياساته، تؤكد عكس ذلك. أما اللافت فهو تعصب وكراهية بومبيو تجاه المسلمين، خاصة مسلمي أميركا، والتشكيك في ولائهم للبلاد، وله تصريحات عديدة في هذا الصدد.

أما سياسيا، فإن بومبيو يستخدم إيمانه المسيحي، ودعمه اللامحدود لإسرائيل من أجل إرضاء القاعدة الإنجيلية الأميركية. وهي قاعدة تصويتية مهمة لأي شخص يطمح في الوصول للبيت الأبيض، وقد صوتت بكثافة لترامب في انتخابات 2016 وانتخابات 2020. وهذا تحديدا ما يسعى إليه بومبيو، حيث تتحدث تقارير إخبارية عديدة عن رغبته في الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة في 2024 عن الحزب الجمهوري، وهو يدرك جيدا أنه لا يمكن الحصول على دعم القاعدة المسيحية الإنجيلية بدون إظهار دعمه اللامحدود لإسرائيل على حساب ليس فقط الفلسطينيين وحقوقهم العادلة؛ ولكن على حساب مصالح أميركا، وهذا هو الأخطر. ولعل بومبيو ليس الأول في هذا الصدد، وقطعا لن يكون الأخير، الذي يهتم بمصالح إسرائيل على حساب مصالح بلاده. فهناك الكثير من الساسة والدبلوماسيين الأميركيين الأكثر ولاء للصهيونية من ولائهم للعلم الأميركي؛ بل يحتفظ بعضهم بالجنسيتين الأميركية والإسرائيلية، وهو ما يعني ازدواجية واضحة في الولاء.

وحقيقة الأمر، لم يحدث أن رأينا وزير خارجية أميركي يتصرف بالطريقة التي يتصرف بها بومبيو تجاه إسرائيل. فالرجل لا يخفي إعجابه بها ودعمه لها، ولا يخجل من أن يخلط الديني بالسياسي في تصريحاته وأنشطته الدبلوماسية. وعلى ما يبدو فإن تعيين ترامب له كان بالأساس لهذه السبب، فترامب لا يتوقف عن استخدام كافة الأساليب من أجل الحصول على دعم الإنجيليين واليمين الديني المتشدد في أميركا. أما المدهش فهو دعم هؤلاء لترامب رغم سلوكه الشخصي المشين سواء مغامراته النسوية أو أكاذيبه السياسية أو فساده المالي والاقتصادي وتهربه الضريبي؛ لذا فإذا حدث ووصل بومبيو للسلطة سواء في 2024 أو بعدها، فسوف نكون أمام نكبة جديدة أسوأ بمراحل من نكبة ترامب وكوارثه، التي شهدناها طيلة السنوات الأربع الماضية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.