بايدن رئيسا للولايات المتحدة الأميركية

(الجزيرة)

بخطى واثقة تقدم نائب الرئيس الأميركي السابق جو بايدن نحو البيت الأبيض منتزعا المكتب البيضاوي من الرئيس دونالد ترمب، الذي فاز فيه قبل عجاف أربع على غفلة من الزمن، فما الذي يعنيه هذا التطور على صعيد الأوضاع في الولايات المتحدة والعالم بأسره لا سيما العربي؟

الوضع الداخلي:

بايدن الذي يتسلم الرئاسة رسميا في 20 يناير/كانون الثاني المقبل يدخل بيتا زعزع ترامب أركانه، وبعثر محتوياته، لتكون مهمته الأولى لا كسائر أسلافه البناء على الإنجاز وتعزيز رفاه البلاد والعباد؛ بل ترتيب البيت وتدعيم أركانه وترميم جدرانه. سيسعى بايدن ابتداء إلى إعادة ثقة الأميركيين والعالم بمؤسسة الرئاسة أولا، والولايات المتحدة ثانيا كدولة رائدة ومؤثرة تربعت على عرش المسرح الدولي منذ 7 عقود أو يزيد، سيسعى بايدن إلى إعادة الدور الطبيعي الذي سلبه ترامب من المؤسسات الفدرالية إليها، وفي مقدمتها وزارات الخارجية والدفاع والعدل وأجهزة الأمن والاستخبارات؛ ليعود إليها استقلالها وحرية العمل بما تمليه عليها واجباتها الوطنية بعيدا عن هوية ساكن البيت الأبيض وأهوائه.

سيعمل بايدن على إعادة بناء اللحمة الوطنية للبلاد وترميم نسيجها الاجتماعي، الذي أمعن ترمب فيه تمزيقا، ويضع مؤسسة الرئاسة فوق أي اعتبار حزبي أو عرقي أو مناطقي ليكون رئيسا لكل الأميركيين. وبينما سيكون بايدن منشغلا في توحيد البلاد وطمأنة حلفائها سيعمل على تعيين فريق كفء للتعامل مع جائحة كورونا لوضع حد لانتشارها، في الوقت الذي يعمل فيه فريقه الاقتصادي على تعزيز اقتصاد البلاد ونموه، ودعم سياسات البلاد المالية والنقدية، ووضع حلول لتفاقم أزمة المديونية وعجز الميزان التجاري وارتفاع نسبة البطالة.

الصين التي تنظر إليها الدولة الأميركية العميقة كأكبر منافس للولايات المتحدة خلال العقود القليلة المقبلة على تصدر الساحة الدولية عسكريا واقتصاديا، فستحتفل بانتهاء عهد ترامب، الذي شن عليها حربا تجارية شعواء كانت مرشحة بقوة للاستمرار 4 سنوات أخرى لو قدر له الفوز بالرئاسة مجددا

العلاقات الأميركية الدولية:

 

سيتنفس حلفاء الولايات المتحدة التقليديون الصعداء بمجرد إعلان فوز بايدن وانتهاء حقبة ترمب حتى قبل أن يتخذ أي قرار أو يجري أول اتصال، فجلوس رئيس تقليدي في المكتب البيضاوي كبايدن يشعر هذه الدول والهيئات، وفي مقدمتهم الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي واليابان وأستراليا، بالاطمئنان والأمل في عودة العلاقات بينهم وبين الولايات المتحدة إلى سابق عهدها بدون ابتزاز أو تغول ونكوص العهود ونسيان الماضي والأسباب والظروف، التي قادت إلى هذا التحالف المتين عبر ضفتي الأطلسي (الولايات المتحدة، وأوروبا) والهادئ (الولايات المتحدة، واليابان وأستراليا).

وعلى الجانب الآخر تكاد تكون روسيا بوتين أكثر الدول استياء من خسارة رجل بمواصفات ترامب يمكن التلاعب فيه بسهولة، ويرفض الإصغاء لتقييمات أجهزة الاستخبارات ووزارتي الخارجية والدفاع إزاء موسكو والمخاطر التي تشكلها على المصالح الأميركية حول العالم، فموسكو ستعود من جديد تحت المجهر الأميركي، الذي يراقب تحركاتها، ويرفض السماح لها بتجاوز الحدود التي وجدت نفسها فيها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي قبل 3 عقود أو يزيد.

أما الصين التي تنظر إليها الدولة الأميركية العميقة كأكبر منافس للولايات المتحدة خلال العقود القليلة المقبلة على تصدر الساحة الدولية عسكريا واقتصاديا، فستحتفل بانتهاء عهد ترامب، الذي شن عليها حربا تجارية شعواء كانت مرشحة بقوة للاستمرار 4 سنوات أخرى لو قدر له الفوز بالرئاسة مجددا، ومرد هذا الاحتفال لا يعود لتغير عميق متخيل في سياسة واشنطن إزاء بكين؛ بل لوجود رئيس في المكتب البيضاوي يمكن التكهن بسياساته مسبقا، ووضع السياسات المناسبة للرد عليها، فبايدن لن يتعامل كسلفه بسياسة رد الفعل والمزاجية؛ بل وفقا لسياسات تمليها المصالح العليا الأميركية، استنادا لتوصيات من المؤسسات العريقة والدوائر الأميركية المختصة، وفي مقدمتها مجلس الأمن القومي.

 

الشرق الأوسط:

 

مثلما نجح ترامب في تقسيم الأميركيين خلال السنوات الأربع الماضية اتسم عهده بتباين كبير في مواقف دول المنطقة منه، وتلقت القضية الفلسطينية في ولايته أقوى الضربات بقراره نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس، ومحاولاته تصفية القضية، وتحويلها من قضية احتلال وشعب يبحث عن دولة واستقلال إلى قضية مالية اجتماعية، ناهيك عن دفع الدول العربية إلى تطبيع علاقاتها مع إسرائيل بدون المرور من بوابة الحقوق الفلسطينية المشروعة.

في هذا السياق لا يتوقع أن يعكس بايدن هذا المسار؛ ولكنه على الأقل لن يكمل ما بدأه ترامب، وبينما لا يتوقع منه على الإطلاق إعادة السفارة إلى تل أبيب لن يعجل في الوقت ذاته عملية نقلها إلى القدس، وربما استخدم هذه الورقة للضغط على إسرائيل لتقديم شيء للفلسطينيين يشبه الحكم الذاتي.

وفيما يتعلق بقضية التطبيع مع إسرائيل لا يضير بايدن على الإطلاق هذا التوجه؛ لكنه لن يصبغ سياسته إزاء المنطقة، ولن يضغط بهذا الاتجاه على أحد إلا من باب تعزيز أمن المنطقة واستقرارها. وفي الأزمة الخليجية سيعمل بايدن، الذي لا ينظر بعين الرضى مطلقا لولي العهد السعودي محمد بن سلمان، جديا على حل الأزمة لاتفاق وزارتي الخارجية والدفاع وأجهزة الأمن والاستخبارات الأميركية على تداعيات استمرارها على مصالح الولايات المتحدة في المنطقة؛ لذلك ستشهد السعودية في بواكير عهده وقتا عصيبا وكتفا أميركيا باردا ككتف أوباما، يدفعها إلى تقديم التنازلات في ملفات أهمها الأزمة الخليجية والقضية الفلسطينية، وربما إيران، التي تبدو اليوم أكثر دول المنطقة ارتياحا لخسارة ترامب ،الذي مارس عليها خلال عهده ما تسميه واشنطن سياسة الضغوط القصوى، التي أنهكت البلاد ماليا واقتصاديا، وعمقت أزمة مديونيتها، ودهورت سعر صرف عملتها، وحرمتها من تصدير نفطها، ناهيك عن الصفعة الكبرى التي تمثلت باغتيال قائد فيلق القدس السابق قاسم سليماني، وما تركه موته من فراغ كبير لا لطهران فحسب؛ بل لجميع حلفائها في المنطقة، بايدن الذي وقعت إدارة أوباما -الذي كان هو ذاته نائبا له- اتفاقا تاريخيا مع إيران أعادها إلى المجتمع الدولي، وفتح عليها أبواب الرزق، وأطلق يدها في المنطقة لا يتوقع له أبدا الاستمرار في سياسة "الضغوط القصوى"؛ بل سيسعى إلى اتفاق جديد شامل مع طهران يقدم لها فيه أكثر مما قدمت واشنطن في عهد أوباما شريطة أن تقدم هي الأخرى ما هو أكبر، وهو الحد من تدخلها في الشؤون الداخلية للدول لا سيما العراق واليمن وسوريا ولبنان، والتوقف عن تهديد المصالح الأميركية.

وفيما يتعلق بالعراق ستواصل إدارة بايدن محاولات إصلاحه وتعزيز أمنه واستقراره واستقلال قراره السياسي والأمني وتحقيق العدالة لجميع مكوناته. أما تركيا التي اتسمت علاقاتها مع الولايات المتحدة إبان عهد ترامب بالتوتر بسبب اختلاف الرؤى والأهداف في ملفات إقليمية أهمها علاقتها مع الأكراد، ودولية في مقدمتها علاقتها مع روسيا، وشرائها منظومة "إس 400" (S 400) الدفاعية، فلا يتوقع لها أن تنعم بفترة هانئة مع بايدن خلافا لترامب، الذي اتسمت علاقته الشخصية بالرئيس التركي بالتفاهم والانسجام.

وأما مصر التي كان يحلو لترامب إطلاق اسم دكتاتوره المفضل على رئيسها، فستفقد في ترامب حليفا قويا وقف سندا وداعما لها في قضية سد النهضة؛ بل ومحرضا على قصفه، ورئيسا أعمى أصم أبكم إزاء ما يجري فيها من انتهاك للحقوق والحريات، لتعود واشنطن من جديد للضغط على القاهرة في هذه الملفات، وتقييد حرية السيسي وأجهزته الأمنية إزاءها.

 

وبينما نستشرف هنا سياسات الولايات المتحدة المقبلة في عهد بايدن، يبقى أن نقول إن ترامب قد لا يعترف بسهولة بالخسارة، وقد يلجأ بالفعل إلى المحاكم، ويضع أمن بلاده واستقرارها على المحك قبل اضطراره لإخلاء البيت الأبيض لبايدن ليبدأ حياة جديدة لا يتوقع لها أن تكون بعيدة عن المنغصات والدعاوى القضائية، التي ربما -أقول ربما- تنتهي به وراء القضبان.

 

 

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.