مستقبل الصراع مع "إسرائيل"

Israeli police clash with Palestinian worshippers on the compound known to Muslims as Noble Sanctuary and to Jews as Temple Mount as Muslims mark Eid al-Adha, in Jerusalem's Old City August 11, 2019. REUTERS/Ammar Awad

بعد الإعلان عن قيام دولة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين؛ حدد رئيس وزرائها آنذاك ديفد بن غوريون مستقبل الدولة -وجوداً أو زوالاً- بالمحافظة على تحقيق الأمن الجاذب لليهود المشتتين في أصقاع الدنيا، وامتلاك التفوق على الدول العربية مجتمعة أو متفرقة.

وعلى هذا الأساس صاغ المؤسسون الأوائل نظريتهم لمفهوم الأمن بوجوب "أن تنتصر ‘إسرائيل‘ عسكرياً ومعرفياً في كل المعارك وعلى كل المستويات، وبشكل لا لبس فيه حتى ييأس الأعداء من أحلام الانتصار، وأوهام الاستقلال".

ومن أجل تحقيق نظرية التفوق؛ سعت "إسرائيل" مبكراً لامتلاك القدرات النووية وأسلحة الردع الشامل، فهل تحقق لهم ما يريدون؟ بعد سبعة عقود من تأسيس الدولة، وممارسة شتى أنواع الإرهاب من أجل السيطرة والتوسع؛ يقول الخبراء "الإسرائيليون": إن دولتهم لن تُهزم في الحرب القادمة، ولكنها لن تنتصر أيضاً.

وذلك رغم الاختراقات السياسية لبعض أنظمة الحكم العربية والتطبيع العلني معها، وإنهاك الدول العربية واستنزاف مكامن القوة فيها بالصراع الدموي على السلطة، وتمدد نفوذ بعض الحكام خارج حدودهم بممارسة أسوأ ألوان المغامرات السلطوية، وإشعال شتى أنواع الفتن في دول الربيع العربي، والانخراط في تمويل الثورات المضادة لإرادة الشعوب العربية.

غير أن زمن الانتصارات "الإسرائيلية" الخاطفة قد انتهى، وانكسر الاحتكار الإعلامي المضلل، وخسرت "إسرائيل" جزءاً من رصيدها في المجتمعات الغربية، وأصبح الكثير من الغربيين يدركون أن "إسرائيل" تشكل تهديداً حقيقياً للأمن العالمي والسلم الدولي، وأنها أصبحت عبئاً على المجتمع الدولي والنظام العالمي، وهو ما أثار حالة من القلق والجدل لدى المستويات السياسية والعسكرية والأمنية بشأن المستقبل المنشود.

من أجل تحقيق نظرية التفوق؛ سعت "إسرائيل" مبكراً لامتلاك القدرات النووية وأسلحة الردع الشامل، فهل تحقق لهم ما يريدون؟ بعد سبعة عقود من تأسيس الدولة، وممارسة شتى أنواع الإرهاب من أجل السيطرة والتوسع؛ يقول الخبراء "الإسرائيليون": إن دولتهم لن تُهزم في الحرب القادمة، ولكنها لن تنتصر أيضاً

خسارة "إسرائيل" في المجال القيمي والأخلاقي كشفت عن حقيقة دورها الإرهابي في قتل الأطفال والنساء وحصار المدنيين، وتدمير المدارس والمستشفيات، والاعتداءات المتكررة على المسجد الأقصى والمقدسات الإسلامية والمسيحية. وترافقت هذه الخسارة مع عدم وجود نصر عسكري حاسم، ومع تراجع التفوق الأمني، والفشل الإعلامي في تسويق الرواية الصهيونية لدى الرأي العام العالمي.

في خضم هذا الاشتباك؛ يدور جدل عميق بشأن مفهوم وتعريف المعنى العملي لمصطلح "النصر". وبعبارة أخرى؛ يُطرح السؤال عن تحديد الهدف الواضح الذي يسعى الجيش "الإسرائيلي" إلى تحقيقه في الحرب القادمة حتى يحظى بلقب النصر؟ وتحديد من هو المنتصر؟ ومن الذي خسر؟

ما يفكر فيه "الإسرائيليون" هو أن أي جولة أو حرب لا تُحسم نتائجها لصالحهم بشكل واضح، فإنها تشكل انتكاسة جديدة، ستحاصر أحلامهم بتوسيع قوس الهيمنة والسيطرة وبناء مشروع "إسرائيل الكبرى". ولهذا جاءت صفقة القرن، والعمل على تأجيل أي مواجهة عسكرية إلى ما بعد إتمام تلك الصفقة، والانتهاء من تدمير فواعل القوة في طرف الصراع المقابل.

فهل هذا المنطق كفيل بإقناعنا بأن التحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وحتى العسكرية تهدف إلى تطويع العقل العربي للتسليم والقبول بالهزيمة والتبعية؟

تسعى الإدارة العبرية لاستغلال انحياز الرئيس الأميركي دونالد ترامب لفكرة "إسرائيل الكبرى"، قبل اعتمادها وكيلا حصريا ووريثا نافذا للنفوذ الأميركي في المنطقة. وبناءً على ذلك؛ فلا بد من تعزيز نظرية العدو البديل، والحرب ضد ما يسمى الإرهاب تارةً، وتشكيل الناتو العربي لمواجهة إيران، وتحقيق التطبيع العلني الرسمي ثم الشعبي.

وكذلك إزاحة العقبات التي تعيق المشروع أو ربما تُفشله، بما في ذلك أو في مقدمته شيطنة قوى المقاومة الفلسطينية وحصارها وتجفيف منابع التزويد والدعم اللوجستي الإقليمي والدولي لها، وحظر الحركة الإسلامية في فلسطين، وتصنيف جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية. ويبقى السؤال قائماً: هل سينجح المخطط "المؤامرة" في تحقيق الحلم الصهيوني؟

يشير الخبراء أنفسهم إلى أن المجتمع "الإسرائيلي" يتصدع من داخله، بسبب التناقضات الإثنية المزمنة والصراع بين العلمانيين والمتدنيين، ولأن الطبقات العليا المتعطشة للحياة الآمنة ليست على استعداد لدفع الثمن وتقديم التضحيات، وهؤلاء ويبحثون عن مكان أكثر هدوءاً وأماناً تحت الشمس.

قائمة التفسيرات في البحث عن أسباب الفشل طويلة، ومنها السؤال المعلق: لماذا لن ينتصر الجيش "الإسرائيلي" في الحرب القادمة؟ دون إدراك أن هذا الجيش -الذي "لا يُقهر" لأنه كان يدير معاركه مع جيوش ضعيفة وغير محترفة- أصبح يواجه اليوم رجالاً مقاتلين أولي بأس شديد، عقيدتهم القتالية تقوم على قاعدة الخيار بين إحدى الحسنيين: إما النصر أو الشهادة.

خلاصة القول هي أن الأيام القادمة ستشهد مخاضاً قاسياً على مستوى الداخل "الإسرائيلي"، يتمثل في الانتخابات المبكرة خلال شهر سبتمبر/أيلول القادم، وأيضا على صعيد الداخل الأميركي في عام الانتخابات الرئاسية القادم. والعالم كله على صفيح ساخن؛ فهل ستنجح صفقة القرن؟ أم إن فشلها سيُؤْذن بعهد جديد؟ والمؤكد أن الأمة العربية أيضا تعيش حالة سائلة مفتوحة على كل الاحتمالات

فهم مقاتلون من طراز فريد، من حيث العقيدة القتالية والقدرة على التحمل والصمود، وإدارة المواجهة بتراكم الانتصارات الأولية وتجميع النقاط الميدانية.

بقي القول بأن العالم يعيش اليوم طور المتغيرات الكونية الكبرى، ببروز أقطاب وفواعل ودول ذات مصالح أوقفت نهاية التاريخ بالاستفراد الأميركي بحكم العالم. وقد شهدنا في أيام معدودات عجز الرئيس الأميركي المتغطرس عن رد الاعتبار للهيبة الأميركية بعد إسقاط إيران للطائرة الأميركية المتفوقة، وتراجعه عن ضرب إيران في اللحظات الأخيرة قبل التنفيذ.

وكذلك دخول روسيا كلاعب رئيس في المنطقة، وجلوس الدبلوماسية الأميركية للحوار مع حركة طالبان في الدوحة، وتراجع ترامب أيضاً عن فرض العقوبات الاقتصادية على الصين، وذهابه لمقابلة الرئيس الكوري الشمالي المتمرد، والأهم أن ترامب يقود المجتمع الأميركي إلى حالة غير مسبوقة من الفرز والاستقطاب على خلفيات يمينية وعنصرية.

خلاصة القول هي أن الأيام القادمة ستشهد مخاضاً قاسياً على مستوى الداخل "الإسرائيلي"، يتمثل في الانتخابات المبكرة خلال شهر سبتمبر/أيلول القادم، وأيضا على صعيد الداخل الأميركي في عام الانتخابات الرئاسية القادم. والعالم كله على صفيح ساخن؛ فهل ستنجح صفقة القرن؟ أم إن فشلها سيُؤْذن بعهد جديد؟

المؤكد أن الأمة العربية أيضا تعيش حالة سائلة مفتوحة على كل الاحتمالات، بما في ذلك انقشاع عصر الظلم والظلام، وفشل مرحلة الثورات المضادة وعودة الربيع ليُزهر من جديد، وقد بدأت إرهاصاته في عدة دول عربية لم تشارك في جولة الربيع الأولى.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.