تقارب بين وحدات حماية الشعب والنظام السوري بالمنطقة الأميركية

Kurdish fighters from the People's Protection Units (YPG) chat with members of U.S. forces in the town of Darbasiya next to the Turkish border, Syria April 29, 2017. Picture taken April 29, 2017. REUTERS/Rodi Said

لقد برزت وحدات حماية الشعب (YPG)/ حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) إلى الواجهة كأداة يمكن أن تستخدمها الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية في الساحة، وذلك بسبب عدم كفاية مجموعات المعارضة السورية للرد على تهديدات "داعش" التي ازدادت اعتبارا خلال 2013-2014. 

وقد أدت المساعدات الجوية التي قدمتها الولايات المتحدة الأميركية لعناصر حزبيْ "PYD/YPG" -أثناء محاصرة "داعش" لمدينة عين العرب (كوباني) في خريف 2014- إلى تعقيد الأمور أكثر فأكثر.

فقد جعل الغرب منظمة "PYD/YPG" وكيله الجديد في الساحة وأمدها بالتجهيزات بدافع مكافح "داعش"، ووصلت المساعدات العسكرية التي قدمها للتنظيم الذي كان يصعب عليه الحصول حتى على الأسلحة الخفيفة والمتوسطة لسنوات كثيرة؛ بحيث أصبحت لديه أسلحة ثقيلة وعربات مدرعة (مصفحة) تكفي لتجهيز جيش بكامله.

ومن التجهيزات العسكرية التي يمتلكها "YPG": عربات عسكرية مدرعة، آلات عمل، صواريخ MANPAD الحرارية وقذائف بر/بر وبر/جو، قذائف متنوعة الأحجام، هاون، مدفع الصواريخ متعددة الجعب، مضاد الصواريخ، أسلحة رشاش ثقيلة، معدات ولوازم إلكترونية وتقنية، وطائرات بدون طيار لتحميل المتفجرات.

الشعبية التي اكتسبها "PYD/YPG" -بذريعة أنها تحارب "داعش"- أدت إلى غض المجتمع الدولي النظر عن الوضع الجديد الذي تشكّل في شرق الفرات، متجاهلا انتهاكات المنظمة لحقوق الإنسان في المنطقة. ولذلك فإن المنظمة -التي لا تمثل كامل أكراد سوريا- تواجه مشكلة شرعية خطيرة بالمناطق العربية الكثيفة التي استولت عليها

ومن جانب آخر؛ فإن الشعبية التي اكتسبها "PYD/YPG" -بذريعة أنها تحارب "داعش"- أدت إلى غض المجتمع الدولي النظر عن الوضع الجديد الذي تشكّل في شرق الفرات، متجاهلا انتهاكات المنظمة لحقوق الإنسان في المنطقة. ولذلك فإن المنظمة -التي لا تمثل كامل أكراد سوريا- تواجه مشكلة شرعية خطيرة بالمناطق العربية الكثيفة التي استولت عليها.

 في عام 2015؛ أنشأت منظمة "PYD/YPG" بنية تحت اسم "قوات سوريا الديمقراطية" (قسد) من أجل التغلب على المشكلة المذكورة، واتخذت بعض الجماعات العربية والآشورية تابعا رمزيا لها بالتهديد والسلاح.

وفي نفس الوقت؛ كثيرا ما يردد سكان المنطقة أن "PYD/YPG" تمتلك السلطة في جميع الهياكل الإدارية والعسكرية في المنطقة، وتقوم بقمع العناصر المحلية ومجموعات الأكراد -على حد سواء- التي تعارض إدارتها.

إن المنظمة ازدادت مكاسبها من أرض الميدان بالاستفادة من فراغ السلطة في سوريا وبدعم من الجيش الأميركي. ومن ناحية أخرى؛ فهي عجلت في أنشطتها السياسية بدعم من الولايات المتحدة لجعل هذه المكاسب مستمرة.

وفي مارس/آذار 2018؛ أسست منظمة "PYD/YPG" حزبا سياسيا باسم "حزب سوريا المستقبل" بتوجيه من الولايات المتحدة، ووضعت على رأس الحزب مواطنا سورياً عربي الأصل اسمه "إبراهيم القفطان".

عندما عقدت المنظمة مؤتمرا لتأسيس الحزب المذكور؛ لم تكن قاعة المؤتمر تحتوي على أية صورة لعبد الله أوجلان، وذلك لإخفاء علاقات حزب "منظومة المجتمع الكردستاني" (KCK) و"حزب العمال الكردستاني" (PKK). وفي نفس الوقت فقد برزت في النظام التأسيسي للحزب فكرة "اللامركزية" بدلا من فكرة "الفدرالية الديمقراطية".  

ورغم جميع المبادرات المفتوحة والمغلقة من الدول الغربية؛ فإن "حزب سوريا المستقبل" -الذي يتحرك بتوجيه من المنظمة- لم ينظر إليها على أنها مبادرة سياسية منفصلة عن المنظمة، التي تقف وراءها الديناميكيات المحلية.

ومن جانب آخر؛ فإن اكتساب الولايات المتحدة قوة في الأراضي السورية من وراء قوة وكلائها "PYD/YPG" أزعج منافستها العالمية روسيا. وقد أدى القلق الروسي من زيادة حماية الولايات المتحدة للمنظمة إلى تشجيع نظام بشار الأسد على عقد مفاوضات بينه (نظام الأسد) وبين "PYD/YPG" في صيف عام 2018.

اكتساب الولايات المتحدة قوة في الأراضي السورية من وراء قوة وكلائها "PYD/YPG" أزعج منافستها العالمية روسيا. وقد أدى القلق الروسي من زيادة حماية الولايات المتحدة للمنظمة إلى تشجيع نظام بشار الأسد على عقد مفاوضات بينه (نظام الأسد) وبين "PYD/YPG" في صيف عام 2018.

ولوحظ في اللقاءات -التي شارك فيها رئيس "حزب سوريا المستقبل" إبراهيم القفطان- أن إدارة "PYD/YPG" -التي تشجعت بوجود الولايات المتحدة على الساحة السورية- حاولت فرض الوضع الراهن في شرق الفرات على نظام الأسد.

وبسبب عدم منح النظام -الذي حقق انتصارات عسكرية بدعم من إيران وروسيا- منظمة "PYD/YPG" تنازلات كبيرة؛ فإنه لم تبرز نتائج مرضية من المفاوضات السالفة الذكر، إلا أن خطط المنظمة بخصوص وضع شرق الفرات ونيتها الحقيقية انكشفت وظهرت على وجه الأرض.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2018؛ قام المجلس الديمقراطي السوري التابع لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) بإعلان "الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا"، ووضح أنه يقوم بإدارة الكنتونات التي في بنية المنظمة مع تسعة وزراء مزعومين.

ومهما برز مبدأ "اللامركزية" في النظام التأسيسي للحزب كحل لأزمة سوريا من قبل "حزب سوريا المستقبل"؛ فإن هذا التطور يثبت أن هدف المنظمة وامتداداتها مختلفان تماما. إن هذه المبادرة -التي واجهت رد فعل قاسيا من النظام- أظهرت بصورة واضحة أن الطريق نحو الهدف النهائي للمنظمة هو أولا كسب "الإدارة الذاتية"، وبعدها تكوين "الفدرالية الديمقراطية".

وبعد أن ظل الرئيس الأميركي دونالد ترامب يردد لمدة طويلة أنه يجب على الولايات المتحدة أن تقلل من مصروفاتها وعملياتها العسكرية في الشرق الأوسط؛ أعلن في 19 ديسمبر/كانون الأول 2018 أنه سيسحب قوات بلاده من سوريا. وتسبب قرار الانسحاب هذا في نقاشات جدية بين حلفاء أميركا العالميين والإقليميين، وحتى داخل الإدارة الأميركية نفسها.

وإضافة إلى ذلك؛ ذهبت الإدارة الأميركية إلى تغيير توضيحات قرار الانسحاب، وذكرت أنها ستنفذ قرار الانسحاب على دفعات بدلا من أن يكون مرة واحدة وبشكل سريع، ولمّحت إلى أنها لن تبقى في الأراضي السورية إلى الأبد.

أما منظمة "PYD/YPG" فقد اعتبرت قرار الانسحاب الأميركي "إهانة لها"، وبدأت في القيام بمبادرات لتغيير هذا القرار، ومن جانب آخر سارعت للجلوس إلى طاولة المفاوضات مع نظام الأسد.   

وقد لوحظ أن "PYD/YPG" أعلنت عشية قرار الانسحاب أنها تنازلت أو تراجعت عن تكوين بنية اتحادية فدرالية في سوريا، وأنها تحاول إقناع النظام بقبول إدارة ذاتية غير مسماة على الأقل.

وفي هذه الفترة التي كانت بمثابة "فترة الذعر"؛ قالت الرئيسة الثانية لمجلس سوريا الديمقراطية (الذراع السياسي لقوات سوريا الديمقراطية) إلهام أحمد إن اللقاءات التي عُقدت مع بشار الأسد "لا تُعتبر بالنسبة لنا أمرا مُرضيا لكنه لا يوجد لدينا خيار ثان".

بعد قرار الولايات المتحدة بشأن الانسحاب من سوريا؛ يتوقع نظام الأسد أن يُضعف ذلك المنظمة أكثر فأكثر. وبذريعة أنه يمتلك كامل سلطة البلاد؛ اقترح على الأكراد في المفاوضات أن يمنحهم مجموعة من التنازلات "كحقوق ثقافية"، وأوضح لهم أنه لن يقبل قطعا الخيارات المتمثلة في البنية الفدرالية أو الإدارة الذاتية

وفي نفس الوقت ولكي تضمن المنظمة استمرار دعم الدول الغربية لها؛ فإنها قدمت الخيارات الآتية: "التوقف فترة عن مكافحة داعش، الإفراج عن عناصر داعش المقبوض عليهم، والتوصل إلى اتفاقية مع الثنائي النظام/روسيا" كعنصر تهديد.

بعد قرار الولايات المتحدة بشأن الانسحاب من سوريا؛ يتوقع نظام الأسد أن يُضعف ذلك المنظمة أكثر فأكثر. وبذريعة أنه يمتلك كامل سلطة البلاد؛ اقترح على الأكراد في المفاوضات أن يمنحهم مجموعة من التنازلات "كحقوق ثقافية"، وأوضح لهم أنه لن يقبل قطعا الخيارات المتمثلة في البنية الفدرالية أو الإدارة الذاتية.

وعندما تبين أن فترة الانسحاب الأميركي من سوريا ستأخذ فترة لوحظ تغيير منظمة "PYD/YPG" لإستراتيجيتها، ومن ذلك: إعادة تعريف الإدارة الذاتية بشكل رسمي أمام النظام (الاعتراف القانوني للإدارة الذاتية)، أن يضم عناصر قوات سوريا الديمقراطية المسلحة إلى جيش النظام، أن تكون السيطرة على المصادر النفطية الموجودة في شرق الفرات بيد الإدارة الذاتية، والاحتفاظ بالمنهج الدراسي الكردي في المنطقة.

إن تعاون حزب العمال الكردستاني (PKK) مع الولايات المتحدة في الساحة السورية، وبحثه عن نهج التقارب مع الكتلة الروسية المقابلة، خاصة بعد توضيحات الرئيس الأميركي بشأن قرار الانسحاب؛ لم يفاجئ الخبراء والمتخصصين قط.

والتطور الآخر الذي جلب الانتباه في الآونة الأخيرة هو أن حزب سوريا المستقبل عقد اجتماعا أواخر مارس/آذار 2019 بعنوان: "الحوار السوري الثالث"، في الرقة/ عين عيسى. وقد بحث الاجتماع مواضيع: حماية "البنية الذاتية" في شرق الفرات، وإلغاء وزارة الدفاع والخارجية المزعومة لقوات سوريا الديمقراطية لأجل أن تخطو خطوة واحدة إيجابية نحو النظام السوري، والمساهمة في صياغة مشروع الدستور السوري.

وفي نطاق هذه التطورات، وبعد قرار انسحاب الرئيس ترامب؛ فإن الولايات المتحدة على دراية بأن منظمة "PYD/YPG" تبحث عن حام جديد لها، ولذلك يُحتمل أن تحاول أن تترك وراءها بنية ملائمة لأهدافها الإمبريالية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.