لماذا على قطر أن تعزز علاقاتها مع باكستان؟

كومبو للشيخ تميم بن حمد أمير قطر و رئيس وزراء باكستان عمران خان

مع مغادرة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان باكستان بعد توقيع اتفاقيات قيمتها أكثر من 21 مليار دولار؛ قد يبدو من السخف عدم الحديث عن ضرورة شراكة إستراتيجية بين قطر وباكستان. ذلك أن كلتا الدولتين بحاجة إلى بعضهما بعضا بطرق لا حد لها، ومسألة حيادية باكستان في العلاقة مع السعودية يجب أن تبقى حاضرة وبقوة لدى صانع القرار في كلتا الدولتين: قطر وباكستان.

ولكي نكون أكثر دقة؛ فإن الشراكة الإستراتيجية القوية بين قطر وباكستان ستدور حول القضايا الإستراتيجية التالية: 1- الإسلام المدني. 2- الشراكة العسكرية/ الأمنية. 3- الزراعة/ الأمن الغذائي. 4- الممر الاقتصادي الباكستاني الصيني/ الاتصال الجغرافي مع آسيا الوسطى. 5- ميناء جوادر/ أهمية ميناء المياه العميقة.

في الوقت الحالي؛ جاء انتخاب رئيس الوزراء عمران خان مؤشرا لبداية تحول المدار الجغرافي السياسي الإستراتيجي إلى اتجاهات جديدة، دون التخلي عن حلفاء قدماء وموثوقين، مما يجعل العلاقات بين قطر وباكستان ناضجة للتطور.

وهذا لأن وصول عمران خان للسلطة استند إلى دعم القاعدة الشعبية بمكونيها: الرجل والمرأة، بدلاً من النخب. وبناء على ذلك؛ أصبح الوقت الآن هو اللحظة الأنسب لكي يتم اتخاذ خطوات إيجابية ومدروسة نحو ترسيخ هذه العلاقة الإستراتيجية بين كلتا الدولتين.

أولاً: باكستان، كأي مجتمع يمر بمرحلة ما بعد الاستعمار (post-colonial society)؛ ناضلت باكستان بكفاح لا يعرف الملل لبناء دولة الحكم التمثيلي الذي يمتلك أدوات السلطة، سواء كانت ثقافية أو اقتصادية أو سياسية، بعيدا عن الحكام الدُّمى أو المماليك المستأجرين.

لقد بقيت قضية بناء دولة المؤسسات التمثيلية هي الشغل الشاغل لقطاع عريض من الشعب الباكستاني، بعيدا عن الساسة الدجالين الذين لهم جيوب عميقة وعلاقات زبونية قوية، داخلية وخارجية على حد سواء.

الشراكة الإستراتيجية القوية بين قطر وباكستان ستدور حول القضايا الإستراتيجية التالية: 1- الإسلام المدني. 2- الشراكة العسكرية/ الأمنية. 3- الزراعة/ الأمن الغذائي. 4- الممر الاقتصادي الباكستاني الصيني/ الاتصال الجغرافي مع آسيا الوسطى. 5- ميناء جوادر/ أهمية ميناء المياه العميقة

وفي الحقيقة؛ هذه الطبقة المخملية تكره أبناء وطنها وتبرر وجودها في السلطة عبر نظرة سامية للذات ودونية للآخر. إنهم يحكمون فقط لإضفاء الطابع المؤسسي على المحسوبية واللامساواة والفساد. خطابهم قديم، وفارغ المحتوى. وهي طبقة تدور حول وصف أفراد شعبها بأنهم فقراء ومتخلفون وغير متعلمين، ومتدينون بسطاء غير قادرين على الارتقاء بأنفسهم لتحقيق حضارة أعلى.

وفي الواقع؛ فإن هذا التبرير يستهدف عرقلة التنمية الاجتماعية بشكل مقصود وخنق الإبداع؛ وهو خدعة للحفاظ على ساديتهم البائسة. وهذا ما يواجهه رئيس الوزراء عمران خان بشكل فريد. وبالتالي، وبالمعنى الأيديولوجي العميق؛ فإن عمران خان والشيخ تميم والأمير الوالد هم صقور من نفس الفصيلة.

ولمزيد من التوضيح؛ أقول إن انتصار رئيس الوزراء عمران خان في الانتخابات البرلمانية أدى إلى ثورة اجتماعية في باكستان تستند إلى مفهوم "الإسلام المدني"، أو كما يفضل عمران خان تسميتها "دولة المدينة"/ نظام الرفاه الإسلامي على زمن النبي محمد (صلى الله عليه وسلم).

هذا الالتزام المنهجي بأهمية الإسلام كقوة اجتماعية اقتصادية وسياسية وثقافية هو الإسلام المدني الذي يرده عمران خان. وباختصار؛ فإن الإسلام المدني يجسد معاني الإجماع والشورى، وحق الشعب في أن يكون لهم رأي في ولاة أمرهم. وعلاوة على ذلك؛ فهو يسعى إلى تجسيد ثقافة حكم القانون والمساءلة والشفافية، وكلها مبادئ أساسية للحكم الرشيد.

وفي الواقع؛ فإن المبادئ التي تتجمع في الإسلام المدني هي القوة الدافعة الحقيقية وراء ثورات الربيع العربي، والعديد من الحركات السياسية/ الاجتماعية في جميع أنحاء العالم الإسلامي. ومنها على سبيل المثال؛ الإخوان المسلمون في مصر، وحزب العدالة والتنمية في تركيا، وحزب النهضة في تونس، وحركة إنصاف الباكستانية.

وهذا الإسلام المدني يستمد جذوره من أفكار مجموعة كبيرة من المثقفين اللامعين، مثل: جمال الدين الأفغاني ومحمد إقبال وعلي شريعتي، ومالك بن نبي و(الطاهر) ابن عاشور وإسرار أحمد (Israr Ahmed)، وسيد قطب وعبد الوهاب المسيري، وسعيد النورسي وإسماعيل الفاروقي. وجميعهم أثرَوا المكتبة العربية والإسلامية بأفكارهم، وأطروحاتهم بشأن قلقهم العميق من إشكالية التبعية الفكرية والروحية والاقتصادية للعالم الإسلامي.

وما نعنيه هنا هو أن رؤية رئيس الوزراء عمران خان لباكستان والعالم الإسلامي الأوسع -وخاصة إشارته الحثيثة إلى إنشاء دولة الرفاه الإسلامية- تنسجم كلية مع موقف قطر. ومن ثم؛ فإن كلا من قطر وباكستان تتشاركان في الالتزام العميق بقضايا العدالة الاجتماعية التي دفعت في اتجاه ثورات الربيع العربي.

ثانيا؛ يُعتبر الجيش الباكستاني من بين أفضل عشرين جيشا مدربا ومؤهلا وذا خبرة في العالم. وفي هذا الصدد؛ هناك مجال كبير لتطوير العلاقات بين قطر وباكستان، مثل التدريبات والتسهيلات، وحتى اختبار الصواريخ الذي لا يمكن أن يحدث في المساحة الجغرافية لقطر.

لا يمكن لباكستان فقط توفير التدريب للمشاة/المتخصصين، بل يمكنها أيضا توفير أرضية اختبار صاروخية. وبطبيعة الحال؛ لا تزال قطر متفائلة بحذر بشأن تعميق هذه العلاقة لأنها على علم بالاتفاقيات العسكرية/الأمنية القوية بين باكستان والسعودية والإمارات.

يُعتبر الجيش الباكستاني من بين أفضل عشرين جيشا مدربا ومؤهلا وذا خبرة في العالم. وفي هذا الصدد؛ هناك مجال كبير لتطوير العلاقات بين قطر وباكستان، مثل التدريبات والتسهيلات، وحتى اختبار الصواريخ الذي لا يمكن أن يحدث في المساحة الجغرافية لقطر

ومع ذلك؛ لا توجد لدى باكستان أية أوهام خاطئة بشأن الآثار الأوسع نطاقاً لعلاقة كل من الإمارات والسعودية مع الولايات المتحدة وإسرائيل، وكلتاهما حقيقة تريان باكستان بين أخطر التهديدات لهيمنتهما. ولهذا السبب؛ فإن هذه الشراكة مقلقة جدا لباكستان.. حتى إنها خطيرة.

وباعتبارها القوة النووية الوحيدة في العالم الإسلامي؛ تتعرض باكستان لتهديدات مستمرة وحقيقية تستهدف هذه القوة، لا سيما أن الولايات المتحدة قد طورت -بشكل أحمق وغير قابل للتنفيذ عمليا- في حالات الطوارئ قدرتها على تخريب قدرات باكستان النووية/العسكرية.

فبالنسبة لكل من الولايات المتحدة وإسرائيل والهند؛ تُعد القدرات العسكرية الباكستانية تهديدا إستراتيجياً كبيرا، وليس مرجحا تغير هذه السياسة في الأمد القريب.

وتحتاج قطر فقط إلى اتخاذ خطوات صغيرة في هذا الصدد، الأمر الذي سيتيح مساحة أكبر لتطور العلاقة بين الحليفيْن: قطر وباكستان، وضمان ألا تقع باكستان بالكامل في المدار السعودي/الإماراتي، بل تبقى على الأقل محايداً -كما فعلت- أثناء الحصار. ولا شك أن القيادة السعودية/الإماراتية تستثمر بكثافة لإقناع باكستان بالتخلي عن موقفها المبدئي.

ثالثا؛ من بين التحديات الأكثر خطورة التي تواجه قطر: الأمن المائي/الغذائي. إن تحلية المياه خيار وإن كان مكلفًا، مع وجود تأثير سلبي لنسبة الهيدروكربون في مياه الشرب المحلاة. ومع ذلك، ومع وجود الاحتياطيات الحالية من مياه الشرب لبضعة أيام فقط، وتواصل استيراد المواد الغذائية الأساسية الكبيرة؛ هناك مجال كبير لبناء علاقة قوية ومُجدية.

في الوقت الراهن؛ رفعت قطر الحظر المفروض على الأرز الباكستاني. ومع ذلك، يمكن القيام بالمزيد. يُمكن لقطر شراء أو استئجار مئات الأفدنة من الأراضي الباكستانية الصالحة للزراعة كما فعلت في السودان، وجلب التكنولوجيا ذات المستوى العالمي. وبعد ذلك، ومن خلال تأمين خطوط الإمداد الخاصة بها؛ يمكن لقطر أن تعالج بجدية جوانب معينة من نقص الغذاء.

تمتلك باكستان أعلى مستويات الأراضي المروية في العالم، وتبلغ مساحة الأرض الصالحة للزراعة 70% من مساحة باكستان. ومن خلال الاستثمار في هذا المجال؛ ستكون هناك فائدة مشتركة مربحة لكلا البلدين، وهو ما سيزيد فرص العمل ويرفع مستوى الأمن الغذائي في قطر.

رابعا: وقعت قطر مؤخرا اتفاقا ضخما لتزويد الصين بالغاز المسال (LNG) لمدة 22 عاما، ويُمثل هذا الأمر أهمية كبيرة في ظل توسيع قطر شراكاتها الاقتصادية والعسكرية العالمية.

والأكثر أهمية هو أن باكستان يُمكن أن تكون القناة الأكثر فعالية -من حيث التكلفة- لنقل هذا الغاز الطبيعي المسال إلى الصين بشكل منتظم. وذلك نظرا للأهمية الجيوإستراتيجية لباكستان في مبادرة الحزام والطريق الصينية، والممر الاقتصادي الصيني الباكستاني.

نظرا للأهمية الإستراتيجية لميناء جوادر؛ فإنه يمكن أن يساهم في أمن وترتيب احتياجات التخزين لقطر؛ فميناء جوادر -الواقع في المياه العميقة ببحر العرب- من شأنه أن يحول باكستان إلى مركز رئيسي للشحن الدولي. وعلاوة على ذلك وفي إشارة إيجابية؛ أعربت قطر عن اهتمامها الشديد بالاستثمار في ميناء جوادر

هناك ما يقدر بـ65 مليار دولار من الاستثمارات في هذا المجال؛ فهل هناك أي سبب وراء وصف هذا المشروع بأنه "تغيير لقواعد اللعبة"؟ وفي هذا الصدد؛ يمكن لقطر أن تتعاون مع مشاريع تطوير البنية التحتية في باكستان التي من شأنها تسهيل نقل البضائع والخدمات.

خامسًا: الأهمية الإستراتيجية لميناء جوادر؛ فبالنظر إلى الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني، ولما له من أهمية كبيرة نظرًا للطرق المتعددة التي يمكن أن تساهم بها في أمن وترتيب احتياجات التخزين لقطر؛ فإن ميناء جوادر -الواقع في المياه العميقة ببحر العرب- من شأنه أن يحول باكستان إلى مركز رئيسي للشحن الدولي.

وعلاوة على ذلك وفي إشارة إيجابية؛ أعربت قطر عن اهتمامها الشديد بالاستثمار في ميناء جوادر. ومن أجل تعزيز أمنها الغذائي؛ تخطط قطر للاستثمار في مرافق تخزين الأغذية التي سيتم إنشاؤها في ميناء جوادر. وهذا الاستثمار سيساعد أيضا في تطوير البنية التحتية بالمنطقة والاقتصاد المحلي.

إن صاحبة هذه المبادرة هي "مؤسسة باهريا الباكستانية" التي تدير أيضاً مركزاً لإعادة الشحن في كراتشي. ومن خلال هذه الخدمات؛ يمكن لباكستان أن تُسهل لقطر ترتيبات علاقاتها التجارية مع الصين.

أخيراً؛ إن الثقة تُمثل حجر الزاوية، سواء لقطر أو أي شخص يسعى في هذا الصدد إلى بناء أرضية جديدة لعلاقات متينة. وعلى مدار السنوات الطويلة الماضية؛ قوّضت القيادة المرتكزة على الذات، والتنافس الشخصي لقيادات العمل السياسي، والرشا والمحسوبية، وغيرها من أشكال الحكم السيئ؛ قدرةَ الشركات الباكستانية على تطوير شراكات إستراتيجية حقيقية.

وقد انتقد عمران خان قادة الأحزاب السياسية الباكستانية لنفاقهم ورؤيتهم الملتبسة، واتجاههم الواضح ضد الحكم الرشيد خلال فترات الحكم السابقة. والآن؛ أعطى عمران خان الملايين من الناس أملاً جديدا لم يكن لديهم، ويستند تحديداً إلى رؤية واضحة لتأسيس دولة الرفاه الإسلامية المرتكزة على مبادئ "الإسلام المدني".

وهذا لا يختلف عن الأسباب التي أدت إلى الربيع العربي، أو الملايين التي اندفعت للتصويت لحزب العدالة والتنمية والرئيس أردوغان. عمران خان هو ذلك الزعيم الذي يُقدِّر الصداقة والقيم الإنسانية الأصيلة، ويرفض الاستعانة بقوى خارجية عن بلده وخوض حرب بالإنابة عن الآخرين. وبعبارة أخرى؛ عمران خان هو شريك يجب الوثوق به.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.