أفعال كوريا الشمالية أم أقوال أميركا؟

North Korean leader Kim Jong Un shakes hands with U.S. Secretary of State Mike Pompeo in this May 9, 2018 photo released on May 10, 2018 by North Korea's Korean Central News Agency (KCNA) in Pyongyang. KCNA/via REUTERS ATTENTION EDITORS - THIS PICTURE WAS PROVIDED BY A THIRD PARTY. REUTERS IS UNABLE TO INDEPENDENTLY VERIFY THE AUTHENTICITY, CONTENT, LOCATION OR DATE OF THIS IMAGE. NO THIRD PARTY SALES. SOUTH KOREA OUT. TPX IMAGES OF THE DAY

قبل بضعة أيام؛ بدا أن القمة المزمعة في سنغافورة بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون معلقة بخيوط واهية.

لا تزال المحادثات جارية لكن الكوريين الشماليين عبروا عن أفكار أخرى، وذلك بسبب تصريحات إدارة ترامب التي تشير إلى أنه من المتوقع أن تصبح كوريا الشمالية خالية من الأسلحة النووية، مقابل وعد الولايات المتحدة بتخفيف العقوبات.

وعلاوة على ذلك؛ يشعر الكوريون الشماليون بالقلق أيضاً من التعليقات التي أدلى بها جون بولتون(مستشار الأمن القومي لدى ترامب)، وهو عدو قديم -لم يعجز أبدا عن إهانة الآخرين- أطلقت عليه سابقا كوريا الشمالية اسم "حثالة بشرية".

لقد انتقد ترامب أسلافَه بشدة عندما عرضوا تخفيف عقوبات كوريا الشمالية في الماضي، واستبعد بحكمة خفض القوات الأميركية في كوريا الجنوبية كبادرة مؤقتة؛ لكن السؤال المطروح الآن هو: كيف يعتزم ترامب إقناع نظام كيم بالتخلي عن هويته الأساسية كدولة نووية؟

في الأسابيع الأخيرة؛ أشار بولتون اٍلى أن المحادثات مع كوريا الشمالية يمكن أن تحتذي ما يسميه "نموذج ليبيا"، وهو اختزال سهل لبلد يتخلى ببساطة عن برنامجه النووي بمقابل بسيط.

وعلى عكس رواية بولتون الكرتونية؛ كان الزعيم الليبي السابق معمر القذافي يتفاوض بهدوء مع الأوروبيين والولايات المتحدة لسنوات قبل تخليه عن أسلحته النووية عام 2003، وقد تلقى التزامات أمنية ومساعدات في المقابل.

لكن المشكلة الكبرى في رسالة بولتون -بالنسبة لبقية العالم- تكمن في إشارة "نموذج ليبيا" إلى الحملة الجوية لحلف شمال الأطلسي (الناتو) عام 2011، والتي سمحت للمتمردين بالإطاحة بنظام القذافي. انتهى تدخل حلف الناتو بمقتل القذافي والتمثيل بجثته في شوارع مدينة سرت الليبية، بينما كان يشاهده العالم وخاصة الكوريين الشماليين.

أيا كان مقصد بولتون من رسالته؛ فقد نحّى ترامب تصريحاته جانباً، وأكد أنه لن يتم الأخذ "بـ"النموذج الليبي’ مع كوريا الشمالية". ومع ذلك، بقي أن نرى ما الذي يفكر فيه ترامب فعلا بشأن القمة.

فقد انتقد أسلافَه بشدة عندما عرضوا تخفيف عقوبات كوريا الشمالية في الماضي، واستبعد بحكمة خفض القوات الأميركية في كوريا الجنوبية كبادرة مؤقتة؛ لكن السؤال المطروح الآن هو: كيف يعتزم ترامب إقناع نظام كيم بالتخلي عن هويته الأساسية كدولة نووية؟

في الواقع؛ كانت أحد التكتيكات التفاوضية لإدارة ترامب تكمن في عروض الصداقة والكلمات الدافئة، والتي لم يسبق للمسؤولين الأميركيين توجيهها إلى زعماء كوريا الشمالية.

عندما كنتُ ممثلاً لإدارة جورج دبليو بوش في المحادثات السداسية (مع كوريا الشمالية) عام 2005؛ قمتُ بكتابة تعليمات بعدم المشاركة في أي عشاء أو ارتباطات اجتماعية أخرى مع الكوريين الشماليين، أو حتى رفع كوب في أي نخب يتضمن ممثلين لكوريا الشمالية.

كان من المقرر إجراء تفاعلات مع المسؤولين الكوريين الشماليين بحضور المرافقين الصينيين. وقد تم التخلي عن سياسة التفاهة القسرية هذه خلال الجولات اللاحقة من تلك المحادثات، ومن الجيد أن نرى أن وزير الدولة مايك بومبيو لم يحيها بعدُ في لقاءاته مع الكوريين الشماليين.

وفي القمة المقبلة؛ من المرجح أن ترفض إدارة ترامب احتمال التوصل إلى اتفاق سلام لإنهاء الحرب الكورية 1950-1953 والاعتراف بالدولة الكورية الشمالية؛ وهذا المخطط ليس جديدا.

فقد جاء في البيان المشترك الصادر في سبتمبر/أيلول 2005 عن المحادثات السداسية أن "الأطراف ذات الصلة المباشرة [ليس روسيا أو اليابان] ستتفاوض بشأن نظام سلام دائم في شبه الجزيرة الكورية"، وأن كوريا الشمالية والولايات المتحدة ستعملان معا "على احترام سيادة بعضهما بعضا، والعيش سوية بسلام، واتخاذ خطوات لتطبيع علاقاتهما".

مع اقتراب القمة المرتقبة؛ سيحتاج ترامب ومستشاروه إلى تحديد ما إن كان الكوريون الشماليون ينظرون إلى مسألة التحقق بطريقة مختلفة عما كانوا يفعلونه قبل عشر سنوات. وحتى ينجح ترامب في تكتيكاته؛ يبقى السؤال المطروح هو: هل الكوريون الشماليون جادون في ذلك؟

في ذلك الوقت؛ اقترحت الصين -التي تشير إلى تجربتها الخاصة مع الولايات المتحدة- أن تقوم كل من الولايات المتحدة وكوريا الشمالية بفتح مكتب دبلوماسي في عاصمة الأخرى.

وبينما استغرق الأمر بعض الوقت؛ حصلتُ على إذن من إدارة بوش بتقديم هذا العرض إلى الكوريين الشماليين. وقد أجابوا بسرعة شديدة بـ"لا، شكراً لكم". وبالمثل، لم يكن هناك أي اهتمام بعقد اتفاقية السلام. وكما لاحظ أحد أعضاء وفدنا المشترك بين الوكالات؛ فإنهم "يبدو أنهم مهتمون بالأشياء حتى يتبين عكس ذلك".

بالطبع؛ نحن نعرف ما الذي يهتم به الكوريون الشماليون حقا، فنتيجة للعقوبات، كان النظام بحاجة ماسة إلى وقود ثقيل لأغراض التدفئة.

وقد وافقت أميركا وأطراف أخرى في المحادثات على تسليم شحنات الوقود، مقابل خطوات تدريجية نحو نزع الأسلحة النووية، بما في ذلك تعطيل المفاعل النووي في يونغبيون. وباللغة الدبلوماسية في ذلك الوقت؛ تمت الإشارة إلى ذلك على أنه "عمل مقابل عمل".

وأخيرا، انهارت العملية السداسية برمتها بشأن مسألة التحقق، عندما رفض الكوريون الشماليون منح المفتشين إمكانية الوصول إلى مواقع لم تكن مدرجة في إعلانهم السابق للمنشآت النووية.

ومع اقتراب القمة المرتقبة؛ سيحتاج ترامب ومستشاروه إلى تحديد ما إن كان الكوريون الشماليون ينظرون إلى مسألة التحقق بطريقة مختلفة عما كانوا يفعلونه قبل عشر سنوات.

إذا تمكن ترامب من التوصل إلى اتفاق على أساس "العمل مقابل الكلام"، فإنه سيبرهن فعلاً على "فن الصفقة". لكن يبقى السؤال المطروح هو: هل الكوريون الشماليون جادون في ذلك؟

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.