ترمب الخطير.. هل سيواجهه العالم؟

U.S. President Donald Trump speaks during a meeting with Republican members of the Senate about immigration at the White House in Washington, U.S., January 4, 2018. REUTERS/Kevin Lamarque

لقد حان فصل الربيع في النصف الشمالي للكرة الأرضية، وبدأت الأزهار تتفتح، والشمس تشرق كل يوم؛ لكن عندما يتعلق الأمر بشؤون العالم فإن التوقعات ليست وردية. ففي الشرق الأوسط؛ هددت إسرائيل بشن هجوم عسكري ضد سوريا وإيران، كما تتحدى المملكة العربية السعودية إيران محاولة الحد من نفوذها المتنامي في المنطقة.

وفي مصر؛ شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي قبضته على السلطة، وقام باستخدام الجيش لملاحقة خصومه السياسيين، وحصل على فوز انتخابي زائف. والسؤال المطروح الآن هو: هل سيُدرك العسكر العرب يوما ما أن الدكتاتورية تعزز الأصولية الإسلامية وعدم الاستقرار؟

لكن هذا الاتجاه لا يقتصر على الشرق الأوسط فقط؛ فقد تمكن الرئيس فلاديمير بوتين للتو من تحقيق فوز انتخابي مضمون، ويرجع ذلك جزئيا إلى استخدامه للأجهزة الأمنية وأصدقائها في المافيا الروسية للقضاء على أي تهديد محتمل لنظامه.

تواجه الولايات المتحدة الآن -وهي التي كنا نعتبرها القائد الأكبر للعالم الحر- آفاقا قاتمة. فتحت قيادة زعماء مثل هاري ترومان، ودوايت أيزنهاور، وجورج بوش، وجون كينيدي، وباراك أوباما؛ دفعت البلادُ النظامَ الدولي نحو الأفضل. واليوم، يعمل دونالد ترمب -الجاهل، والمتحامل، والمخادع، والكذاب، وعديم الأخلاق- على تدمير هذا النظام

لكن الكرملين غير راضٍ عن إلحاق الضرر بنظام الحكم نفسه في روسيا بسبب العصابات الثرية الحاكمة، وسيعمل على تقويض العمليات الديمقراطية في أماكن أخرى.

وبالنسبة للصين؛ فقد تمكن الرئيس شي جين بينغ من شق طريقه ليصبح الزعيم الأكثر هيمنة منذ عهد الرئيس ماو تسي تونغ. واليوم، وبعد أن تم القضاء على الفترة الرئاسية المحدودة (دستورياً)، والتي قدمها دنغ شياو بينغ لتحصين البلاد من دكتاتورية رجل واحد؛ فإن مستقبل السلالة الشيوعية الحاكمة يقع على كاهل القائد الأعلى.

وبالمثل؛ تواجه الولايات المتحدة الآن -وهي التي كنا نعتبرها القائد الأكبر للعالم الحر- آفاقا قاتمة. فتحت قيادة زعماء مثل هاري ترومان، ودوايت أيزنهاور، وجورج بوش، وجون كينيدي، وباراك أوباما؛ دفعت البلادُ النظامَ الدولي نحو الأفضل. واليوم، يعمل دونالد ترمب -الجاهل، والمتحامل، والمخادع، والكذاب، وعديم الأخلاق- على تدمير هذا النظام.

عندما انتُخِب ترمب لأول مرة؛ اعتقد البعض أنه سيكون عند حسن الظن، وأنه -بغض النظر عن حملته الانتخابية المغرضة- سيقوم الرؤساء والمستشارون الأكثر حكمة بدعم الرئيس الأميركي، وسيتعلم حتما كيف تعمل حكومة الولايات المتحدة؛ لكن هذا التفاؤل لم يكن في محله.

ومع بداية العام الثاني من ولايته؛ أصبح ترمب يتصرف بشكل أسوأ مما يشير إليه سِجله، كما يقوم -بشكل غير رسمي- بتنحية المستشارين والمسؤولين الآخرين متى شاء ذلك.

ففي الآونة الأخيرة؛ أقال ترمب وزير الخارجية ريكس تيلرسون الذي كان يعتبر واحدا من "القادة الأساسيين"، الذين كانوا يحمون الولايات المتحدة والعالم من أسوأ غرائز ترمب؛ وعيّن مكانه مدير وكالة الاستخبارات المركزية السابق مايك بومبيو.

والأسوأ من ذلك؛ أن ترمب استبدل جون بولتون (مسؤول السياسة الخارجية وصاحب أكثر وجهات النظر خطورة في العالم الغربي بأكمله) بالمستشار السابق للأمن القومي الجنرال هربرت ماكماستر. وبولتون مؤيد لنهج "أميركا أولاً" وسفاح بيروقراطي، كما يعد بارعا في القضاء على المنافسين.

والأخطر من ذلك؛ يُعتبر بولتون أكبر المتشددين في السياسة الخارجية، والصقر الأقوى الذي سيقضي على جميع الصقور. وباعتباره من كبار المؤيدين للاحتلال الأميركي للعراق؛ يعتقد بولتون أن كل مشكلة تستحق الرد العسكري. إن الصراعات الحالية مع كوريا الشمالية (حيث دعا إلى شن هجوم عسكري وقائي)، وإيران (حيث اقترح مرارًا وتكرارًا تغيير النظام بالقوة)؛ ليست استثناءات.

بين بولتون وبومبيو؛ ازدادت فرص انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني وإعادة فرض العقوبات على هذا البلد. وقد أدى مجرد توقع تلك النتيجة إلى ارتفاع أسعار النفط، وهي هدية أخرى من ترمب إلى بوتين.

لكن الأمور ليست أفضل بكثير بالنسبة للسياسة الاقتصادية. والآن، بعد أن ملأ ترمب فريقَه الاقتصادي بالقوميين، أصبحت حمائيته التجارية الموعودة -منذ زمن طويل- حقيقة واقعة.

من غير المفاجئ أن سلوك ترمب قد أدى إلى تآكل القيادة العالمية للولايات المتحدة بسرعة، وذلك راجع لاستخفافه بالقيم الديمقراطية الليبرالية، وسيضعف ذلك الأركان المؤسسية للنظام العالمي الذي طالما دافعت عنه الولايات المتحدة. وتتمثل الطريقة الوحيدة للحد من هذا التراجع في قيام الديمقراطيات الليبرالية الأخرى في العالم باتخاذ إجراءات حاسمة في هذا الشأن

من المؤكد أن ترمب ليس مخطئًا في مواجهة الصين بسبب سرقة الملكية الفكرية والمعاملة التجارية الصارخة، لكنه مخطئ في نهجه: بدلاً من تجنيد حلفاء -مثل اليابان والاتحاد الأوروبي– للضغط على الصين، أغضب صديقه وعدوه معاً بالتعريفات الأحادية وغيرها من الحواجز غير المدروسة، مما يزيد احتمال وقوع حرب تجارية ستؤذي الجميع.     

ومن غير المفاجئ أن سلوك ترمب قد أدى إلى تآكل القيادة العالمية للولايات المتحدة بسرعة، وذلك راجع لاستخفافه بالقيم الديمقراطية الليبرالية، وسيضعف ذلك الأركان المؤسسية للنظام العالمي الذي طالما دافعت عنه الولايات المتحدة.

وتتمثل الطريقة الوحيدة للحد من هذا التراجع في قيام الديمقراطيات الليبرالية الأخرى في العالم (في أوروبا وآسيا والكومنولث) باتخاذ إجراءات حاسمة في هذا الشأن.

بداية؛ يجب أن تتحرك هذه البلدان سريعا للدفاع عن التجارة الحرة وفتح الأسواق. ومن خلال العمل مع منظمة التجارة العالمية؛ يجب عليهم بذل جهود منسقة للرد على الانتهاكات التي ترتكبها كل من الصين والولايات المتحدة.

وبالإضافة إلى ذلك؛ يجب أن تعمل هذه الدول على دعم سيادة القانون الدولي -وهو مفهوم يُغضب بولتون- عبر الالتزام بتعزيز الأمم المتحدة والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي.

وهذا يعني التمسك بالمبادئ التي ساعدت في دعم السلام والازدهار منذ الخمسينيات، وبما في ذلك دعم الاتفاق النووي الإيراني (خاصة مع إصرار طهران على إتمام الصفقة)، والسعي لإيجاد حل سلمي لأزمة كوريا الشمالية.

وبينما يضع ترمب وفريقه سياسة مدمرة تلو الأخرى؛ يجب أن تستجيب ديمقراطيات العالم الأخرى بكفاءة وتعاون. وعندئذ؛ يمكن أن يأمل المجتمع الدولي الاستمرار حتى عودة قيادة أميركية أكثر مسؤولية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.