تأملات في مذبحة بيتسبرغ من خلال عدسة الشرق الأوسط

Police officers guard the Tree of Life synagogue following shooting at the synagogue in Pittsburgh, Pennsylvania, U.S., October 27, 2018. REUTERS/John Altdorfer? TPX IMAGES OF THE DAY

في الديانة اليهودية؛ عندما تفقد الأسرة أحد أفرادها يأتي الجيران والأقارب لأداء واجب العزاء ومواساة عائلة الفقيد لمدة سبعة أيام، تُعرف باسم فترة شيڤا (السبعة). ثم تستمر المرحلة الثانية من الحداد -التي تسمى فترة شلوشيم (الثلاثين)- لمدة 30 يومًا.

إن أسَر وعائلات أولئك الذين قُتلوا في الهجوم الشنيع على كنيس شجرة الحياة في بيتسبرغ قد وصلوا الآن إلى نهاية فترة الثلاثين يوما هذه.

والآن، وبعد خروج دانيال ليجر –وهو آخر المتعبدين الجرحى- من المستشفى، وفي الوقت الذي نتتبع فيه مرحلة تعافي تيموثي ماتسون ضابط الشرطة البطل الذي أصيب بجراح ولا يزال في المستشفى؛ فإنني أواصل التفكير في هذه المأساة التي تعد أكثر الهجمات دموية على الإطلاق ضد اليهود على الأراضي الأميركية.

لقد شعرتُ بالامتنان للعديد من المسؤولين الأجانب الذين انتقدوا الهجوم علانية وأعربوا عن تعازيهم لأسر وعائلات الضحايا، ولأهالي بيتسبرغ والمجتمع اليهودي، وللأميركيين عمومًا.

الآن، وبعد خروج دانيال ليجر –وهو آخر المتعبدين الجرحى- من المستشفى، وفي الوقت الذي نتتبع فيه مرحلة تعافي تيموثي ماتسون ضابط الشرطة البطل الذي أصيب بجراح ولا يزال في المستشفى؛ فإنني أواصل التفكير في هذه المأساة التي تعد أكثر الهجمات دموية على الإطلاق ضد اليهود على الأراضي الأميركية

وإنني متأكد من أنه لن يكون من المستغرب بالنسبة لمعظم الناس أن تشجب دولة إسرائيل الهجوم، بشدة وأن يكون لها وجود في بيتسبرغ -خلال هذا الأسبوع الفظيع- للوقوف مع المجتمع ومواساته.

وقد تكون مفاجأة لبعض الناس أن العديد من رسائل إدانة وشجب الهجوم جاءت من مسؤولين بجميع أنحاء الشرق الأوسط، المنطقة التي أصبحت جزءًا مهمًا من حياتي خلال الأشهر الاثنين والعشرين الماضية.

سفير دولة الإمارات العربية المتحدة لدى الولايات المتحدة يوسف العتيبة غرّد على موقع تويتر قائلا: "تتقدم دولة الإمارات العربية المتحدة بأعمق مشاعر التعاطف والمواساة لأسر وعائلات الأحباء الذين تضرروا من العنف الذي لا معنى له في بيتسبرغ اليوم. إننا نشجب أعمال الكراهية ضد أي شعب بسبب دينه أو عرقه أو معتقداته".

والمتحدث الرسمي باسم وزارة الخارجية المصرية أحمد حافظ شجب بشدة الهجوم ورفض جميع أشكال الإرهاب والعنف والتطرف. وكتب وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي على تويتر: "أحر تعازينا لحكومة الولايات المتحدة الأميركية، ولأسر وعائلات ضحايا الهجوم الإرهابي على الكنيس في بيتسبرغ. إننا نشجب هذه الجريمة وجميع أنواع الإرهاب وجرائم الكراهية، باعتبارها أعمالا شريرة تستهدف إنسانيتنا المشتركة".

وشجبت وزارة الخارجية البحرينية "إطلاق النار الذي استهدف كنيسًا" وأعربت عن "تعازيها الحارة لأسر وعائلات الضحايا، متمنية التعافي السريع للمصابين نتيجة لهذا العمل الشنيع".

وصرحت الحكومة العُمانية: "إننا نود أن نُعرب عن خالص تعازينا لكم ولجميع أفراد المجتمع الأميركي واليهودي. إن خواطرنا معكم ومع عائلات الضحايا الأحد عشر. وإن الكلمات لتعجز عن التعبير عن حزننا على خسارتكم الناجمة عن هذه المأساة المروعة. وسلام الله عليكم وعلى الأسر والعائلات".

وغردت سفارة المملكة العربية السعودية في واشنطن على موقع تويتر: "تعرب السفارة عن خالص تعازيها للشعب الأميركي ولأسر ضحايا الحادث العنيف الذي وقع اليوم في كنيس في بيتسبرغ. إن دور العبادة تهدف إلى توفير ملاذ آمن وروحاني. والذين يدنّسون قداستها إنما يعتدون على البشرية جمعاء".

وقال الرئيس التركي أردوغان: "إنني أشجب الهجوم الإرهابي الذي وقع على كنيس في بيتسبرغ، وأقدم تعازيّ القلبية لأسر الضحايا وللشعب الأميركي." وقالت الحكومة القطرية: "إن دولة قطر تشجب بشدة حادث إطلاق النار في بيتسبرغ في ولاية بنسلفانيا بالولايات المتحدة الأميركية، والذي أدى إلى سقوط العديد من القتلى والجرحى".

كما أن السلطة الفلسطينية -التي تقاطعني حاليًا أنا وبقية حكومة دونالد ترامب، وتواصل مكافأة الإرهابيين وعائلاتهم، وتفشل في إدانة الهجمات الإرهابية الفلسطينية ضد الإسرائيليين، كما اتضح من التصرف المخزي يوم الخميس الماضي في الأمم المتحدة حين قررت الدفاع عن حماس، وهي منظمة إرهابية لا تندم على ما تفعل- قد صرحت بأن: "وزارة الخارجية تشجب هذا العمل الإرهابي الذي استهدف كنيسًا يهوديًا في بيتسبرغ."

وهكذا يستمر توارد رسائل التعزية والشجب في ذهني. إنني أدرك على نحو مؤلم أن الأفعال أكثر أهمية من الكلمات، وأن العديد من الحكومات في المنطقة -التي شجبت واستنكرت هذه الهجمات- قد تصرفت أحيانا بطرق معادية لدولة إسرائيل أو الشعب اليهودي. لقد حان الوقت أيضًا لكي يقرّ الجميع بأن الهجوم على اليهود في أميركا لا يختلف عن الهجوم على اليهود في أي مكان من العالم، بما في ذلك إسرائيل.

إنني أدرك على نحو مؤلم أن الأفعال أكثر أهمية من الكلمات، وأن العديد من الحكومات في المنطقة -التي شجبت واستنكرت هذه الهجمات- قد تصرفت أحيانا بطرق معادية لدولة إسرائيل أو الشعب اليهودي. لقد حان الوقت أيضًا لكي يقرّ الجميع بأن الهجوم على اليهود في أميركا لا يختلف عن الهجوم على اليهود في أي مكان من العالم، بما في ذلك إسرائيل

لقد كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة في الأسبوع الماضي مخزية تمامًا حيث فشلت هذه الحكومات وغيرها في إدانة حماس، حتى بعد سنوات من الهجمات عبر التفجيرات الانتحارية وعمليات الاختطاف وإطلاق الصواريخ وغيرها ضد الإسرائيليين.

إن من الصعب دفع السلام إلى الأمام عندما لا يستطيع المجتمع الدولي أن يجتمع حتى لإدانة منظمة إرهابية. كما أنني أدرك تمام الإدراك أن بعض هذه التصريحات كان لخدمة مصالح ذاتية أو قيلت لأغراض سياسية بحتة.

ومع ذلك؛ فقد تعلمتُ أيضًا أنه يجب أن أكون متفائلا ومتشائما وواقعيا لأجل القيام بالعمل الذي أقوم به. إن كوننا متفائلين لا يعني أننا يجب أن نكون حالمين وساذجين. ولكن يجب علينا أن نسعى باستمرار للعثور على مَواطن الخير رغم الشك والقبح، وفي بعض الحالات الشر الموجود.

ورغم مقاطعة القيادة الفلسطينية لحكومة ترامب؛ فلا يزال العديد من الفلسطينيين يجتمعون معي، ويطلب معظمهم أن تظل الاجتماعات سرية لأنهم يخشون من الانتقام. إنني أواصل عقد هذه الاجتماعات للسماح للفلسطينيين بمشاركة وتبادل أفكارهم ومظالمهم وتعليقاتهم وانتقادهم والإجابة على أسئلتهم العديدة.

قبل بضعة أشهر؛ التقيتُ بفلسطيني أوضح أنه غاضب مني ومن حكومة ترامب بسبب سياسات الحكومة الأميركية خلال العام الماضي، وهي السياسات التي يعتقد أنها معادية للفلسطينيين.

لقد أمضينا وقتا معًا، وبحلول نهاية وقتنا كنتُ قد استمعتُ إلى بعض مظالمه، كما استمع هو إلى بعض التفسيرات التي قدمتُها لسياسات الحكومة الأميركية. لم نغادر الغرفة في حالة اتفاق، بل كنا بعيدين كل البعد عن الاتفاق تمامًا في بعض القضايا، لكن استمع بعضنا إلى بعض واحترمنا كل منا الآخر.

في الواقع؛ اتفقنا على الاجتماع مرة أخرى، وقد حدث أن عُقد اجتماعنا التالي بعد مذبحة بيتسبرغ. أول شيء فعله هو الإعراب عن خالص تعازيه لي وللمجتمع اليهودي الأميركي. كان لا يزال غاضبًا من سياساتنا، لكنه حرص على بدء الاجتماع بكلمات المواساة. كان يتصرف كرجلٍ بمعنى الكلمة وشخصٍ ملتزم بالصواب.

إنني لستُ فردًا من أفراد أسرة أو عائلة أي واحد من ضحايا المجزرة، وليست عندي روابط تربطني بمدينة بيتسبرغ، ولا أستطيع حقا معرفة وإدراك مدى الألم العميق الذي يواجهونه. لكنني أميركي، ويهودي، والأهم من ذلك: إنسان، مثل كل إنسان. لقد ترك الهجوم تأثيره علينا جميعًا، بغض النظر عن ديننا أو معتقداتنا

إن التعاطف الذي أبداه وعبّر عنه هذا الفلسطيني -شأنه شأن التصريحات الواردة أعلاه من عدة مسؤولين بالشرق الأوسط في أعقاب المأساة- يذكرني بإنسانيتنا المشتركة، ومسؤوليتنا للعمل معًا من أجل السلام ورخاء الإنسان. إن هذه المسؤولية تمتد حتى إلى القضايا التي تكون في صعوبتها وتعقيدها، مثل قضية النزاع الإسرائيلي الفلسطيني.

إنني لستُ فردًا من أفراد أسرة أو عائلة أي واحد من ضحايا المجزرة، وليست عندي روابط تربطني بمدينة بيتسبرغ، ولا أستطيع حقا معرفة وإدراك مدى الألم العميق الذي يواجهونه. لكنني أميركي، ويهودي، والأهم من ذلك: إنسان، مثل كل إنسان. لقد ترك الهجوم تأثيره علينا جميعًا، بغض النظر عن ديننا أو معتقداتنا.

دعونا نتذكر دائما الأحد عشر شخصًا الذين قُتلوا في بيتسبرغ. دعونا نوحّد صفوفنا، ويواسي بعضنا البعض، ونقوي الروابط التي تجمعنا كأميركيين. ودعونا ننطلق جاهدين للعمل مع الآخرين لإيجاد أرضية مشتركة، والعمل معًا لبناء مستقبل واعد وسلام أوسع للمواطنين في جميع أنحاء العالم. ثم ربما -وربما فقط- على طول الطريق يمكننا أن نجد السلام.

نسأل الله أن يمنح أسر وعائلات الذين قُتلوا ومواطني بيتسبرغ القوة التي تمكنهم من تجاوز أحزانهم. ونرجو أن يجدوا المواساة والسلوى من بعضهم البعض، ومن إخواننا الأميركيين، ومن الناس حول العالم الذين يقفون معهم أيضًا. وليبارك الرب أميركا.

تجدر الإشارة إلى أن هذا المقال نشر للمرة الأولى في موقع فوكس نيوز

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.