نساء أفريقيا ينتمين إلى القمة

Women cook in pots heated up with firewood at an Internally Displaced Persons (IDP) camp at Dikwa in Borno State, north-eastern Nigeria, on February 2, 2016.

عندما كنت في الثامنة من عمري؛ أخبر صديق للعائلة والدي بأنه يعتقد أن قدَري هو أن أقوم بدور قيادي في المستقبل، ولم يسمح لي أبي أبدا بأن أنسى تلك الملاحظة القوية.

ونتيجة لتشجيع والدي المستمر؛ عملت على الاستفادة من جميع الفرص التي أتيحت لي من أجل تحقيق نبوءة صديقنا. واليوم، أدين بالفضل فيما يتعلق بجزء كبير من نجاحاتي لأبي الراحل الذي كان إيمانه بي لا يتزعزع.

وللأسف؛ فإن معظم الفتيات الأفريقيات لم يحالفهن الحظ كما حالفني، وفي حين أن العديد من الفتيات يمتلكن صفات قيادية فإن الحواجز الاجتماعية والسياسية والاقتصادية تحد من إمكاناتهن، وهذا ينطبق خصوصا على الفتيات في المناطق الريفية من أفريقيا، حيث يتآمر عليهن الفقر وسوء المعاملة والتقاليد للحد من الفرص المتاحة لهن.

إن القصة المحزنة لصديقة طفولتي "كريسي" دليل على ذلك؛ فقد كانت كريسي طالبة متفوقة جدا في قرية تقع في مالاوي حيث ترعرعتُ، ولكنها تركت المدرسة الثانوية لأن عائلتها لم تستطع تحمل تكاليف الرسوم الشهرية التي تبلغ ستة دولارات، وقبل أن تبلغ كريسي الـ18 عاما من عمرها، كانت متزوجة ولديها طفل ولم تغادر القرية التي وُلدنا فيها أبدا.

عندما تكون الموارد محدودة؛ يجب على الأسر الفقيرة اختيار بعض الأطفال لإرسالهم إلى المدرسة، وفي العديد من المناطق يُنظر إلى الأولاد على أنهم استثمار أضمن، وفي غضون ذلك تتزوج الفتيات أو يرسلن للعمل في الحقول أو كخادمات في المنازل

إن تجربة كريسي تتكرر ملايين المرات في بلدي وفي أفريقيا وجميع أنحاء العالم، واليوم يوجد أكثر من 130 مليون فتاة في جميع أنحاء العالم خارج المدرسة لأسباب ليست من صنع أيديهن.

وبحلول الوقت الذي سيبلغ فيه العديد من الفتيات الأفريقيات العاشرة من العمر؛ سيتم تحديد مصيرهن بالفعل وبعضهن يقعن ضحايا للممارسات الثقافية الضارة مثل تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية وزواج القاصرات، في حين لا تستطيع فتيات أخريات الهروب من براثن الفقر الذي يسيطر على عائلاتهن ومجتمعاتهن.

إن التحيز الاقتصادي يضر بشكل خاص الفتيات؛ فعندما تكون الموارد محدودة فإنه  يجب على الأسر الفقيرة اختيار بعض الأطفال لإرسالهم إلى المدرسة، وفي العديد من المناطق يُنظر إلى الأولاد على أنهم استثمار أضمن، وفي غضون ذلك تتزوج الفتيات أو يرسلن للعمل في الحقول أو كخادمات في المنازل، وهذه القرارات المتعلقة بتوزيع الفرص التعليمية تعوق بشدة الإمكانات القيادية النسائية.

تتمثل إحدى أهداف مؤسسة جويس باندا في تعزيز الاستقلالية المالية للنساء في مالاوي، وبالتالي تهيئة الظروف الملائمة لتطور الفتيات الصغيرات ليصبحن قادة المستقبل، حيث تشير الأدلة إلى أنه عندما تعمل المرأة فإنها تستثمر 90٪ من دخلها في أمور تعود بالنفع على أسرتها مقارنة بنسبة 35٪ للرجل.

وعلاوة على ذلك، وبمجرد أن تحصل المرأة على دخلها الخاص؛ فإنها تكون أكثر قدرة على المشاركة في العملية السياسية.

يولد القادة ويصنع القادة أيضا، ولكن عندما يولد هؤلاء القادة في أفريقيا لا يتم الاعتراف بهم دائما، ومن أجل إتاحة الفرصة أمام المزيد من الشابات لتنمية مواهبهن وتطبيق مهاراتهن، يتعين على قادة اليوم أن يمهدوا الطريق أمام قيادات الغد من النساء

إن تغيير المعايير الثقافية المترسخة بشأن نوع الجنس والهوية، وتطوير المزيد من القيادات النسائية يبدأ في الفصل الدراسي، حيث يجب تعليم الفتيات في سن الدراسة تقديرَ أنفسهن وتقدير بعضهن بعضا، وأن من حقهن أن يكن متعلمات وبصحة جيدة وأن يتم تمكينهن.

وفي مدرسة مؤسسة جويس باندا في بلانتير بمالاوي؛ يتبنى المعلمون منهجا يستند إلى أربعة مبادئ رئيسية، وهي القيم العالمية والتفاهم العالمي وخدمة الإنسانية والتميز.

تتحرك أجزاء من أفريقيا في الاتجاه الصحيح، واليوم أصبح ما يقارب ربع النواب في منطقة جنوب الصحراء الكبرى الأفريقية من النساء، مقارنة بنسبة 10% فقط في عام 1997.

وفي الوقت نفسه؛ فإن رواندا تحتل المركز الأول من حيث نسبة عدد النواب من النساء، كما تم انتخاب النساء في جميع أنحاء أفريقيا لأدوار قيادية على جميع مستويات الحكومة.

ومع ذلك، لا يزال هناك الكثير الذي يتوجب علينا عمله، وستوضح مؤسسة بيل وميليندا غيتس في تقريرها السنوي -الذي سيصدر في وقت لاحق من هذا الشهر- أنه يجب على الحكومات أن تجدد الالتزام بدعم تنمية القادة الإناث عبر الاستثمار في صحة النساء والفتيات وتعليمهن.

إن تقديم الخدمات للفتيات تحت سن العاشرة -وخاصة في المناطق الريفية- يعتبر أمرا ضروريا من أجل أن تتمكن أفريقيا من تحقيق المساواة الدائمة بين الجنسين.

وعلى مدار مسيرتي المهنية في مالاوي -أولا في المجتمع المدني ثم كعضو في البرلمان.. وأخيرا كرئيسة- أصبحتُ مقتنعة بأن الطريقة الوحيدة لتغيير النظرة الأفريقية الكارهة للمرأة هي بمساعدة المزيد من النساء على الوصول إلى أعلى مستويات السلطة.

فقد أظهرت الأبحاث في الهند أنه عندما تزيد الحكومات النسبة المئوية للنساء في صفوفها فإن القضايا الاجتماعية مثل الرعاية الصحية والتعليم والأمن الغذائي تحظى بأولوية أعلى. وبالتالي؛ فإن وجود المزيد من النساء في القيادة أمر جيد للجميع.

يولد القادة ويصنع القادة أيضا، ولكن عندما يولد هؤلاء القادة في أفريقيا لا يتم الاعتراف بهم دائما، ومن أجل إتاحة الفرصة أمام المزيد من الشابات لتنمية مواهبهن وتطبيق مهاراتهن، يتعين على قادة اليوم أن يمهدوا الطريق أمام قيادات الغد من النساء.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.