هل هناك ثورة جديدة في إيران؟

epa06410378 Iranian students clash with riot police during an anti-government protest around the University of Tehran, Iran, 30 December 2017. Media reported that illegal protest against the government is going on in most of the cities in Iran. Protests were held in at least nine cities, including Tehran, against the economic and foreign policy of President Hassan Rouhani's government. EPA-EFE/STR

المطالب الاقتصادية
الدوافع السياسية
ليست ثورة.. ولكن 

منذ الخميس الماضي والجميع يسألون: ماذا يحدث في إيران؟ وهل هناك ثورة جديدة في هذا البلد؟
كنا قد نشرنا -منذ نحو أسبوعين- مقالا في موقع الجزيرة نت بعنوان: "ماذا تحمل ميزانية إيران للعام المقبل؟"، يقدم تفسيرا لأحد أسباب انفجار الاحتجاجات الشعبية في إيران، التي يمكن ردها إلى عوامل اقتصادية وأخرى سياسية.

لقد عوّدتنا إيران على مواجهتها مظاهرات واحتجاجات يرتفع صداها بين فينة وأخرى، ولكن ربما لا يمكن قياس بعضها -خاصة أحداث عام 2009 (الحركة الخضراء)- على ما يحصل هذه الأيام في البلاد، من حيث عدد المتظاهرين وتنظيم المحتجين في الشوارع.

المطالب الاقتصادية
إن عددا كبيرا من الذين تجمعوا يوم الخميس الماضي في مدينة مشهد كانوا تجمعوا في طهران ومشهد وعدد آخر من المدن الإيرانية، بسبب خسارتهم لأموال -التي هي حصيلة أعمارهم- استثمروها في مؤسسات مالية خاصة، كانت تدفع فوائد عالية جدا ثم انهارت خلال السنوات الأخيرة.

وقد ازدادت الاحتجاجات يوما بعد يوم إثر تنحيةِ الحكومةِ المسؤوليةَ عن نفسها، على أساس أن هذه المؤسسات لم تكن مرخصة من قِبل المصرف المركزي أو الحكومة.

أما الاحتجاجات في محافظة خوزستان -خاصة مدينة الأهواز– فقد كان أساسها البطالة والظروف الاقتصادية التي يعيشها أهالي هذه المنطقة، وعدم اكتراث الحكومة لحل مشكلة تلوث البيئة وسُحُب الغبار المخيمة على هذه المدن، ويمكن أن نعتبر أن ذروة هذه الاحتجاجات حدثت منذ حوالي ستة أشهر، حين انهالت سُحُب الغبار على مدن خوزستان وانقطعت المياه والكهرباء والاتصالات.

واعتبر عدد كبير من الخوزستانيين أن بناء السدود على نهر كارون -الذي يعدّ أطول نهر في البلاد ويعبر خوزستان- هو السبب في تجفيف هذا الحاجز الطبيعي، الذي كان يحمي مناطقهم من هجوم الرمال. ثم انفجر غضب هؤلاء بعد أن انتشرت معلومات مفادها أن الحكومة تخطط لبناء عشرة سدود على هذا النهر، وتحويل مسار المياه إلى باقي مناطق البلاد.

وفي أول ميزانية قام روحاني بتقديمها إلى مجلس الشورى -بعد انتخابه لدورة ثانية- فوجئ المواطن الإيراني بأن الوضع الاقتصادي في العام القادم سيزداد سوءاً، وبأن الحكومة تخطط لرفع الدعم الحكومي وزيادة الضغط على الشعب بزيادة الضرائب والتكاليف المعيشية

وأدى غضب الأهوازيين إلى تصادم بين نواب محافظة خوزستان وعيسي كلانتري مساعد رئيس الجمهورية لشؤون البيئة، مما قاد إلى نزول عدد من أهالي مدن خوزستان إلى الشوارع دعما لنوابهم.

أما بالنسبة للمناطق الكردية (خاصة سنندج وكرمانشاه) فقد كان هناك تصادم -منذ بضعة أشهر- بين مجموعات تسمى في إيران "كولبر" (الحمّالون)، الذين كان مرخصا لهم حملُ البضائع على ظهورهم من مناطق كردستان العراق إلى كردستان إيران.

لكن الحكومة اتهمتهم بأنهم يهرّبون البضائع وألغت رخصهم في الشهر الماضي، هذا دون وضع خطة بديلة لعمل حوالي نصف سكان هذه المنطقة الحدودية الذين كانوا يرتزقون من هذا العمل، إضافة إلى غضبهم من ضعف مساعدة الحكومة لمنكوبي الزلازل في هذه المنطقة.

أما في مرافئ المناطق الجنوبية (مثل بوشهر وبندر عباس) فقد احتج الملاحون على إلغاء رخص خاصة كانت لديهم وتسمى "تحت لنجي"، حيث كان يسمح لهم بإدخال حجم قليل من البضائع في كل سفرة لهم خارج البلاد، دون دفع جمارك عنها على أساس أنها هدايا لذويهم.

جاء كل هذا في ظروف تواجه فيها البلاد ضغوطا اقتصادية عديدة منذ عدة سنوات؛ فمنذ استلم الرئيس حسن روحاني السلطة في إيران اضطر إلى إدخال البلاد في انكماش اقتصادي، لمواجهة التضخم الذي كانت نسبته تتجاوز 45% عندما تسلم السلطة.

وكانت الحكومة تأمل أن تستطيع الوصول إلى الاتفاق النووي ورفع العقوبات الاقتصادية عن البلاد، وإعادة تفعيل الاقتصاد خلال بضعة أشهر من وصولها إلى السلطة. ولكن التوصل إلى الاتفاق النووي طال أمده إلى أكثر من ثلاث سنوات، ثم إن الولايات المتحدة تعرقل البنود التي من شأنها حل المشاكل الاقتصادية لإيران.

ولهذا لم تستطع الحكومة الإيرانية استغلال الاتفاق النووي لحل مشاكلها الاقتصادية كما كانت تخطط له، ولكن روحاني تمكن من إقناع الجماهير -في حملته الانتخابية الأخيرة- بأن الظروف الاقتصادية ستتحسن، ووعد برفع باقي العقوبات "غير النووية" عن إيران بعد التمديد له في السلطة. بينما لم يكن لمنافسيه أي برنامج يقنع الشعب باستطاعتهم حل المشاكل الاقتصادية.

وفي أول ميزانية قام روحاني بتقديمها إلى مجلس الشورى -بعد انتخابه لدورة ثانية- فوجئ المواطن الإيراني بأن الوضع الاقتصادي في العام القادم سيزداد سوءاً، وبأن الحكومة تخطط لرفع الدعم الحكومي وزيادة الضغط على الشعب بزيادة الضرائب والتكاليف المعيشية. ومع أن المجلس لم يقرّ الميزانية إلى الآن؛ فإن التأثير النفسي لها أدى لارتفاع جنوني في أسعار سلع خلال أيام قليلة فقط.

ورغم أن العديد من الإيرانيين في المدن الكبرى لا يعيرون أهمية لرفع الدعم الحكومي عن الشعب، الذي بات اليوم يعادل حوالي 12 دولاراً للمواطن الواحد يتلقاها كل شهر؛ فإنه في الأرياف والمدن الكبرى -حيث العائلات أكبر- ما زال هذا الرقم يشكل دعما مهما لميزانية العائلات.

وقد أدى تراكم كل هذه الضغوط الاقتصادية والنفسية -إضافة إلى مشاكل البطالة التي يعاني منها ما يزيد على 20% من الشباب الإيراني من خريجي الجامعات، حسب الإحصاءات الرسمية- إلى انفجار نفسي فنزل المواطنون الإيرانيون إلى الشوارع للاحتجاج على أوضاعهم الاقتصادية.

الدوافع السياسية
مثلها مثل باقي دول العالم؛ فإن إيران تواجه معارضة سياسية تتمثل في خلافات بين الاتجاهين الإصلاحي والأصولي اللذين يتنافسان على الحكم، كما تتمثل في معارضة سياسية خارجية تعارض النظام ككل.

1- المعارضة الداخلية: بعد تقديم لائحة الميزانية إلى مجلس الشورى؛ بدأ الأصوليون -الذين كانوا ينافسون الرئيس روحاني في الانتخابات الرئاسية الأخيرة- شنّ حملات عنيفة على هذه الميزانية، تمثلت في انتقاد شخصيات ونواب في المجلس لحكومة روحاني.

ومن جهة أخرى؛ فإن الإصلاحيين أيضا قاموا بانتقاد ميزانية الحكومة، متخوفين من خسارة شعبيتهم في الانتخابات البرلمانية المقبلة بسبب دعمهم للحكومة.

اعتادت إيران -خلال السنوات الماضية- أن تكون إحدى المجموعات السياسية الداخلية هي المحرك الأساسي للاحتجاجات، وهذا هو الحال في موجتها الأخيرة التي كان معارضو الحكومة يأملون استغلالها ضد روحاني، ولكن المجموعات السياسية الخارجية والحركات الانفصالية استغلت التجمعات لتحريك الجمهور بوسائل إعلامها

2- المعارضة الخارجية: تتمثل هذه المعارضة في المجموعات السياسية الإيرانية التي تعيش عموما خارج البلاد، وبطبيعة الحال فإن نفوذها داخل البلاد ضعيف جداً، ولكن بعضها بات يتلقى الدعم والتمويل من دول معادية لإيران مثل السعودية وإسرائيل والولايات المتحدة.

ويمكن القول إن أشهر هذه المجموعات هي: الداعون إلى عودة المَلَكية، ومنظمة مجاهدي خلق، والعلمانيون، والاشتراكيون، وهي عبارة عن اتجاهات متناقضة بشدة. لكن هؤلاء يمتلكون وسائل إعلام قوية جداً من محطات تلفزيونية وإذاعات تبث عبر الأقمار الصناعية، إلى شبكات للتواصل الاجتماعي يضم بعضها ما يزيد على مليون مشترك.

وباتت هذه المعارضة تستطيع التأثير على الشارع الإيراني عبر وسائل إعلامها، أو بالمساعدة التي تتلقاها من وسائل إعلام تابعة بشكل مباشر لدول أخرى مثل بريطانيا والولايات المتحدة.

3- الحركات الانفصالية: بينما تؤكد كافة المجموعات السياسية الداخلية والخارجية على وحدة البلاد، وأن هدفها جميعا هو الوصول إلى السلطة؛ تنادي حركات سياسية قومية أخرى بانفصال مجموعاتها القومية عن إيران. وأشهر هذه المجموعات هي الحركات الانفصالية الكردية والعربية والأذرية والبلوشية.

وقد اعتادت إيران -خلال السنوات الماضية- أن تكون إحدى المجموعات السياسية الداخلية هي المحرك الأساسي للاحتجاجات، وهذا هو الحال في موجتها الأخيرة التي كان معارضو الحكومة يأملون استغلالها ضد روحاني، ولكن المجموعات السياسية الخارجية والحركات الانفصالية استغلت التجمعات لتحريك الجمهور بوسائل إعلامها ووسائل التواصل الاجتماعي المتاحة لها.

ومع أن شرارة الحركات الاحتجاجية أوقدتها مطالبُ ومشكلات اقتصادية؛ فإنه سرعان ما حاولت الاتجاهات السياسية استغلال المظاهرات كلّ اتجاه على هواه، الأمر الذي أدى إلى تفرق الأهداف وانحراف التجمعات عن أهدافها الأساسية.

وفي حين تعارض المجموعات السياسية الموالية للمعارضة الخارجية أو بعض شباب الإصلاحيين حضورَ إيران في المنطقة، وخاصة في سوريا وفلسطين ولبنان؛ نرى أن بعض المتظاهرين -من الأصوليين المعارضين لروحاني- هم من ضمن آلاف الشباب الإيرانيين الذين يتطوعون للقتال في سوريا.

ومعروف أن الذين ينادون بوقف دعم إيران للبلدان الأخرى يتأثرون عادة بإعلام المعارضة الخارجية، التي تقول إن إيران يجب أن تصرف أموال هذا الدعم داخل أراضيها طالما أن وضعها الاقتصادي سيئ، وأن التشنج الذي يثيره حضور إيران في المنطقة وعداؤها للدول الأخرى من شأنه زيادة الضغط على المواطن الإيراني.

ليست ثورة.. ولكن
إذا ما وضعنا كل هذه الأمور معاً؛ فإنه يمكننا أن نلاحظ أن الاحتجاجات التي تعصف بالشارع الإيراني خلال هذه الأيام سببها الأساسي المشاكل الاقتصادية للبلاد، وفقدان الأمل في إمكانية حل هذه المشاكل.

ولكن خلط المطالب السياسية المتضادة بالمطالب الاقتصادية المختلفة، وعدم وجود أي زعيم أو هدف موحد لهذه التجمعات؛ من شأنه أن يجعلنا نعتقد أن هذه المظاهرات لن تستطيع الوصول إلى نتيجة بشكلها الحالي. وفي الحد الأقصى؛ ستتراجع الحكومة عن بعض قراراتها أو تحاول تنفيس الضغوط التي يواجهها المواطنون في بعض المناطق لتُسكت هذه المظاهرات، ولا نستطيع القول إن البلاد تشهد ثورة وفقاً لهذه الظروف.

مآل الاحتجاجات الحالية مرهون بتجاوب الحكومة الإيرانية مع مطالب المتظاهرين وخاصة الاقتصادية منها، وإلا فإن استمرار المظاهرات يذكرنا بما حصل في سوريا حين كبرت الحوادث يوما بعد يوم، ثم تطورت إلى ما نراه اليوم هناك

وحسب ما رأيناه إلى حد الآن؛ فإن هذه التجمعات لم تستطع إنزال أعداد ضخمة من الناس إلى الشوارع. وما يعزز موقف الحكومة الإيرانية هو أن الشارع لم يتجاوب -إلى حد الآن على الأقل- مع التحركات السياسية الموجودة ومطالبها.

من جهة أخرى؛ عندما يشاهد المواطن الإيراني ما يحصل اليوم في سوريا أو ليبيا أو العراق أو اليمن، فإنه سيتخوف من أن إعلان زعماء دول مثل الولايات المتحدة وإسرائيل دعمهم للتحركات السياسية داخل البلاد، يدعم نظرية وجود فتنة خارجية من شأنها أن تجعل إيران تواجه نفس المستقبل.

وعليه يمكننا القول إن النظام في إيران ليس مرتابا في هذه الحوادث كما كان الحال في أحداث سنة 2009 مثلا، ولهذا فإن شكل مواجهة القوى الأمنية للمتظاهرين هذه المرة مختلف جدا عما حصل في تلك الأحداث.

ولكن كل هذا مرهون -كما قلنا سابقا- بتجاوب الحكومة الإيرانية مع مطالب المتظاهرين وخاصة الاقتصادية منها، وإلا فإن استمرار المظاهرات يذكرنا بما حصل في سوريا حين كبرت الحوادث يوما بعد يوم، ثم تطورت إلى ما نراه اليوم هناك.

ويمكن القول إن ردة فعل الرئيس روحاني على هذه المظاهرات -خلال الأيام الأخيرة- كانت تشير إلى أن الحكومة تحاول إيجاد صيغة للإجابة على المطالب، ولكن نظرا للظروف الدولية والاقتصادية التي تواجهها البلاد فإن أيديها مكبلة، الأمر الذي ينذر على الأقل بوصول المتشددين المعارضين للغرب إلى السلطة في الانتخابات المقبلة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.