الحقيقة القاسية بشأن رجال الهند المقدسين

Followers of the controversial Indian guru Ram Rahim Singh are seen outside the 'Dera Sacha Sauda' ashram in Sirsa on August 27, 2017.Supporters of an Indian guru ended a tense standoff with soldiers on August 27 after the 'godman' was convicted of rape, but authorities are bracing for more trouble on the eve of his sentencing after rioting by devotees left 36 dead. Thousands of followers of Ram Rahim Singh had congregated in the spiritual headquarters of his sect in the northern state of Haryana over the weekend and refused to leave, despite calls from police and troops for them to disperse. / AFP PHOTO / Money SHARMA (Photo credit should read MONEY SHARMA/AFP/Getty Images)

في الشهر الماضي، عندما وقعت العاصمة الوطنية وولايتان هنديتان رهينة للغوغاء الذين انخرطوا في أعمال شغب احتجاجا على إدانة زعيمهم الروحاني بجريمتيْ اغتصاب لفتاتين قاصرتين؛ وجد العديد من الهنود أنفسهم في مواجهة عدد كبير من الحقائق المؤلمة حول بلادهم.

الزعيم الذي حفز هذه الاحتجاجات هو غورميت سينغ، وهو واحد من أبرز "الرجال المقدسين" أو من ينصبون أنفسهم زعماء روحانيين، وينتشرون في الهند على نطاق واسع.

يدعو سينغ المزخرف بالجواهر نفسه "بابا غورميت رام رحيم سينغ إنسان"، وهي تركيبة من الأسماء الهندوسية والمسلمة والسيخية، تليها كلمة "إنسان" في اللغات الهندية والبنجابية والأوردية. وقد اشتهر الرجل باستغلال أتباعه من الإناث جنسياً. وفي عام 2002، استجمعت اثنتان من أتباعه القدر الكافي من الشجاعة لتوجيه الاتهام إليه.

وعلى مدار خمسة عشر عاما ونحو مئتيْ جلسة عقدتها المحكمة قبل الوصول إلى قرار الإدانة؛ بذل أنصار سينغ جهودا عديدة في الضغط على المحققين ورجال الشرطة والقضاة، وعلى الشاكيتين لحملهما على سحب القضية. ولكنهم لم يستسلموا، وفي الشهر الماضي حُكِم على سينغ بالسجن عشرين عاما.

تشير التقديرات إلى أن "بابا نجم الروك" -غير المعقول هذا- اجتذب عشرات الملايين من المتعبدين المتعصبين لحركة "ديرا ساشا سودا" التي أنشأها. وبمساعدة أتباعه، أبقى على القطيع متماسكا بأساليب فعّالة إلى حد الوحشية، وأبرزها جريمة قتل صحفي من بلدة صغيرة نشر تقريرا عن شكوى الاغتصاب المقامة ضده عام 2002

كان سينغ دائما رجلا مقدسا غريب الأطوار، فكان يتحاشى الزهد الروحاني وينغمس في حالة من حب الظهور والأداء المبهرج والحياة المتباهية. وكان يحب ترك شعره مسترسلا طويلا، ويعشق الدراجات النارية القوية والسيارات الباهظة التكلفة، والألبسة الفاخرة المزخرفة، والنساء. وكان يشارك بالأداء في مقاطع فيديو موسيقية شعبية من تأليفه (من أنجح أعماله أغنية باسم "شاحن الحب")، كما مثل في فيلم روائي عن شخصه بعنوان "رسول الرب".

وتشير التقديرات إلى أن "بابا نجم الروك" -غير المعقول هذا- اجتذب عشرات الملايين من المتعبدين المتعصبين لحركة "ديرا ساشا سودا" التي أنشأها. وبمساعدة أتباعه، أبقى على القطيع متماسكا بأساليب فعّالة إلى حد الوحشية، وأبرزها جريمة قتل صحفي من بلدة صغيرة نشر تقريرا عن شكوى الاغتصاب المقامة ضده عام 2002.

على مر السنين، كانت حركة "ديرا ساشا سودا" حريصة على جمع ثروة كبيرة من الأراضي والأصول العقارية، وتمتعت بنفوذ كبير في ولايتيْ البنجاب وهاريانا وامتد نفوذها إلى دلهي. كما نجحت في تلبية حاجة أساسية في المجتمع الهندي الشمالي: إعطاء الملايين الهوية والمكانة في المجتمع، وشعور الأمان الذي لم يعرفوه ولم تعرفه أسرهم قَط.

أغلب أعضاء هذه الحركة من السيخ، والواقع أن إحدى رسائل السيخ الأساسية -وهي المساواة بين المؤمنين- ألهمت في الماضي الناس من الطبقات الهندوسية الأدنى. ولكن الإجحاف عميق الجذور في المجتمع الهندي، حتى إن كثيرا من السيخ المتحولين يكتشفون أن إخوانهم في العقيدة الجديدة من الطبقات العليا، الذين يهيمنون على الهيئات الدينية الرسمية لديانتهم، لا يعاملونهم بأفضل من معاملة الهندوس لهم.

وفي مواجهة الوضع القائم الراسخ، يتحرر العديد من السيخ -من ذوي الخلفيات الأقل حظا- من الوهم ويصابون بخيبة الأمل. وتدفعهم مشاعر الغضب والعجز غالبا إلى معاقرة الخمر وتعاطي المخدرات. وفي نظر هؤلاء اليائسين، ظهرت حركة "ديرا ساشا سودا" وزعيمها صاحب الكاريزما -ناهيك عن العديد من الحركات المماثلة الأصغر حجما غالبا والتي تنتشر في البنجاب وهاريانا- في هيئة الـمُخَلِّص.

فقد وفرت الحركة التعليم المجاني لأعضائها وأطفالهم والطعام المجاني للجوعى. وأبقت المؤمنين بها بعيدا عن المخدرات، كما وفرت لهم الوظائف في مؤسساتها، وقدمت لهم ليس فقط سبل العيش بل وأيضا حِس المغزى والغرض. ومن ثَم فقد وفرت لأتباعها الاحتياج الإنساني غير الملموس والأغلى على الإطلاق: الشعور بالقيمة والانتماء.

وقد عزف الساسة على نغمات مثل هذه الحركات التي ساعدت في الحفاظ على السلم الاجتماعي، وخففت حالة السخط، ووجهت الإحباط نحو نشاط بنّاء. كما ساعدت الحركات في الحد من الإدمان، وأحلت حس المجتمع محل الانحلال الاجتماعي، وأعادت توجيه اليأس إلى الربوبية. ولذلك، بدلا من مقاومتها وصدها -باعتبارها طوائف بالغة الخطورة- سارعت الحكومات المتعاقبة إلى احتضانها.

ولا ينبغي التقليل من شأن الولاء المستلهم من هذه الحركات بين أتباعها؛ فهناك بطبيعة الحال الحماس الديني الذي يصاحب الانتماء إلى معلم روحاني. ولكن في قلب جاذبية أي حركة كهذه يكمن الأمان الاجتماعي والاقتصادي، والقدرة على تلبية الاحتياجات الأساسية للناس. وفي حالة سينغ؛ نجح مشعوذ واضح في تحقيق ما فشلت في تحقيقه الحكومات ومنظمات المجتمع المدني.

تكشف الأحداث الأخيرة عقب إدانة سينغ عن حقيقة مفادها أن التنمية الاقتصادية -التي كثيرا ما رُوِّج لها- جذورها ضحلة حتى إنها فشلت في تحقيق المساواة الطائفية والعدالة الاجتماعية لصالح الطبقات الدنيا، وتُظهِر أن مؤسسات الحكم الرسمية لا تمانع في تفويض مسؤولياتها لغيرها بكل سهولة، على النحو الذي يمكّن أولئك الذين يديرون الحياة الدينية من العيش فوق القانون

لقد كان هذا النجاح أهم كثيرا من عيوب سينغ، ولم يكن بوسع الناس -الذين كانوا على استعداد لإعارة زوجاتهم وبناتهم لمعلمهم، في مقابل الشعور بالأمان- أن يدركوا لماذا تكون نفس "البركة" التي أنعم بها على الفتاتين سببا في دخوله السجن. وعلى حد تعبير أحد المعلقين على موقع فيسبوك؛ فإن "الشخص الذي ضل الطريق لا يهمه إن كان من يرشده إلى الطريق مغتصبا، والشخص الجائع لا يمانع في أخذ الطعام من يد قاتل".

وقد كشفت مقاومة أتباع حركة "ديرا ساشا سودا" لإدانة معلمهم عن مخاوفهم من عودتهم مرة أخرى -بسبب غيابه هو ومنظمته- إلى مواجهة التهميش الاجتماعي والاقتصادي. وهم مرتبطون به بشدة أياً كانت أفعاله، وعلى استعداد للقتل في سبيل نجاته، لأنهم -كما قد يرون الأمر- يُقتلون في حقيقة الأمر لإنقاذ أنفسهم.

كان هذا الالتزام واضحا في أعمال الشغب والتدمير التي أعقبت إدانة سينغ، والتي أسفرت عن مقتل ثلاثين شخصا، واحتراق العشرات من السيارات وإشعال النار في العديد من المباني (بما في ذلك فندقان جديدان)، وتحطيم عربات السكك الحديدية، وقطع الطرق، وإصابة الحياة بالشلل عبر مساحة كبيرة من شمال الهند لعدة أيام.

ويُعرِب كثير من الهنود عن أسفهم لازدهار مثل هذا التفاني الديني الأعمى في بلدهم خلال العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين. ولكن العنف يثير تساؤلات أكثر إزعاجا.

إذ تكشف الأحداث الأخيرة عن حقيقة مفادها أن التنمية الاقتصادية -التي كثيرا ما رُوِّج لها- جذورها ضحلة حتى إنها فشلت في تحقيق المساواة الطائفية والعدالة الاجتماعية لصالح الطبقات الدنيا، وتُظهِر أن مؤسسات الحكم الرسمية لا تمانع في تفويض مسؤولياتها لغيرها بكل سهولة، على النحو الذي يمكّن أولئك الذين يديرون الحياة الدينية من العيش فوق القانون.

كما تُظهِر هذه الأحداث مدى هشاشة إنفاذ القانون الذي فشل على نحو مذهل في مواجهة الغضب الجماعي، وتُظهِر أيضا قبضة الزعماء الذين يملكون الكاريزما الجماهيرية المحكمة على أعداد هائلة من البشر، الذين يجدون الصلاحية والغرض في تبجيل وتوقير مثل هذه الشخصيات بلا أي عقل أو وعي.

اقتيد "بابا غورميت رام رحيم سينغ إنسان" إلى السجن في طائرة هليكوبتر فاخرة بصحبة "ابنته المتبناة"، وبحضور جمع من الأنصار المخلصين؛ وكان يقضم -وهو يظهر بوجه شارد- قطعةً من الشوكولاتة، بينما كان مرافقوه من الشرطة يحملون حقائبه. الآن ربما يكون غورميت سينغ في السجن، ولكن المجتمع الهندي لا يزال في قفص الاتهام.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.