التحكم في الصراع السيبراني

A man types on a computer keyboard in Warsaw in this February 28, 2013 illustration file picture. One of the largest ever cyber attacks is slowing global internet services after an organisation blocking

عندما تم استطلاع خبراء الأمن السيبراني مؤخرا خلال مؤتمرهم السنوي في "بلاسهات" بلاس فيغاس؛ قال 60٪ إنهم يتوقعون أن تتعرض الولايات المتحدة لهجوم ناجح ضد بنيتها التحتية الحيوية في العامين القادمين. ولا تزال السياسة الأميركية تعاني بسبب تداعيات التدخل السيبراني الروسي في انتخابات عام 2016. فهل الهجمات الإلكترونية تهدد المستقبل أم يمكن وضع قواعد للتحكم في الصراع السيبراني الدولي؟

يمكننا أن نتعلم من تاريخ العصر النووي. وفي حين أن التكنولوجيات السيبرانية والنووية تختلف اختلافا كبيرا، فإن العملية التي يتعلم المجتمع من خلالها التعامل مع تكنولوجيا شديدة التعطيل تُظهر أوجه تشابه مفيدة.

لقد استغرق الأمر عقدين من الزمن للوصول إلى أول اتفاقيات تعاونية في العصر النووي. وإذا كان أحدها يرجع مشكلة الأمن السيبراني ليس إلى بداية الإنترنت في السبعينيات بل إلى أواخر التسعينيات عندما جعلت المشاركة المزدهرة الإنترنت ركيزة للترابط الاقتصادي والعسكري (وبالتالي زادت من ضعفنا)؛ فإن التعاون الآن أكمل نحو عقدين.

لم تكن الجهود الأولى في العهد النووي ناجحة في معاهدات الأمم المتحدة؛ ففي 1946، اقترحت الولايات المتحدة خطة باروخ لمراقبة الأمم المتحدة للطاقة النووية، ورفض الاتحاد السوفياتي -على وجه السرعة- عزل نفسه في موقف الدونية التكنولوجية. ولم يتم التوقيع على أي معاهدة للتحكم في الأسلحة النووية إلا بعد أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962

لم تكن الجهود الأولى في العهد النووي ناجحة في معاهدات الأمم المتحدة؛ ففي 1946، اقترحت الولايات المتحدة خطة باروخ لمراقبة الأمم المتحدة للطاقة النووية، ورفض الاتحاد السوفياتي -على وجه السرعة- عزل نفسه في موقف الدونية التكنولوجية.

ولم يتم التوقيع على أي معاهدة للتحكم في الأسلحة النووية إلا بعد أزمة الصواريخ الكوبية عام 1962، حيث تم التوقيع على معاهدة حظر التجارب المحدودة، في عام 1963. وفي عام 1968، تم التوقيع على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، ثم تبع ذلك توقيع معاهدة الحد من الأسلحة الإستراتيجية بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي 1972.

و في المجال السيبراني اقترحت روسيا عام 1999 معاهدة للأمم المتحدة لحظر الأسلحة الإلكترونية والمعلوماتية (بما في ذلك الدعاية)، ثم واصلت -مع الصين وغيرها من أعضاء منظمة شانغهاي للتعاون- الدفع من أجل اتفاقية عامة منبثقة عن الأمم المتحدة.

قاومَت الولايات المتحدة ما اعتبرته محاولة للحد من القدرات الأميركية، ولا تزال تعتبر أي معاهدة عامة من هذا القبيل مضللةً ولا يمكن التحقق منها. وبدلا من ذلك، اتفقت الولايات المتحدة وروسيا و13 دولة أخرى على أن يعين الأمين العام للأمم المتحدة مجموعة من الخبراء الحكوميين، وقد اجتمعت هذه المجموعة أولا عام 2004.

أسفرت أعمال تلك المجموعة في البداية عن نتائج هزيلة؛ ولكن بحلول يوليو/تموز 2015، أصدرت تقريرا أقرته مجموعة العشرين، يقضي بوضع معايير للحد من الصراع وأخرى لبناء الثقة.

إن مجموعات الخبراء ليست غير شائعة في طريقة عمل الأمم المتحدة، ولكن نادرا ما يرتفع عملها من قبو الأمم المتحدة إلى قمة الدول العشرين الأكثر قوة في العالم. وفي حين كان نجاح فريق الخبراء الحكوميين غير عادي، فقد فشل في الشهر الماضي ولم يتمكن من إصدار تقرير بتوافق الآراء لعام 2017.

إن لعملية فريق الخبراء الحكوميين حدودا؛ ويُعَد المشاركون بمثابة مستشارين تقنيين للأمين العام للأمم المتحدة بدلا من المفاوضين الوطنيين الذين يتمتعون بالصلاحيات الكاملة.

وعلى مر السنين، ومع زيادة عدد الدول الأعضاء في فريق الخبراء الحكوميين من 15 إلى 20 في البداية ثم إلى 25؛ أصبحت المجموعة أكثر عمقا، وصارت القضايا السياسية أكثر تطفلا. ووفقا لما ذكره دبلوماسي كان محوريا في هذه العملية فإن نحو 70 دولة أعربت عن اهتمامها بالمشاركة. ولكن مع تنامي الأعداد تزداد صعوبة التوصل إلى اتفاق.

هناك مجموعة واسعة من وجهات النظر حول مستقبل عملية فريق الخبراء الحكوميين؛ فقد كان هناك مشروع أولي لتقرير جديد في بداية هذا العام، ورأى رئيس ألمانيا أن المجموعة لا يجب عليها إعادة كتابة تقرير عام 2015، ولكن عليها محاولة معرفة المزيد عن الخطوات التي يجب أن تتخذها الدول في وقت السلم.

وقد اقترحت بعض الدول معايير جديدة لمعالجة سلامة البيانات وصيانة الهياكل الأساسية للإنترنت، وكان هناك اتفاق عام على تدابير بناء الثقة والحاجة إلى تعزيز القدرات.

يمكن أن تشمل القواعد -المهيأة للمناقشة خارج إطار فريق الخبراء الحكوميين الأممي- الوضع المحمي للوظائف الأساسية للإنترنت، ومعايير سلسلة التوريد، والمسؤولية عن إنترنت الأشياء، والعمليات الانتخابية باعتبارها بنية أساسية محمية. وعلى نطاق أوسع، يمكن أن تصبح قواعد لقضايا من قبيل الجريمة وحرب المعلومات

لكن الولايات المتحدة والدول المشابهة لها في التفكير ضغطت من أجل مزيد من التوضيح -في الاتفاق السابق- لكون القوانين الدولية المتعلقة بالصراع المسلح -بما في ذلك حق الدفاع عن النفس- تنطبق على الفضاء الإلكتروني، ولكن الصين وروسيا وحلفاءهما كانوا يترددون بخصوص الاتفاق. ثم تدهورت العلاقات الأميركية الروسية تدهور المناخ السياسي.

وعلاوة على ذلك، نجد أنه في حين تأمل دول إحياء عملية فريق الخبراء الحكوميين أو توسيع نطاقها في عملية أوسع للأمم المتحدة؛ فإن البعض الآخر يشكك في ذلك معتقدا أن التقدم في المستقبل سيقتصر على المناقشات بين الدول ذات التفكير المتشابه، بدلا من أن يؤدي إلى اتفاقات عالمية.

ويمكن أن تشمل القواعد -المهيأة للمناقشة خارج إطار فريق الخبراء الحكوميين- الوضع المحمي للوظائف الأساسية للإنترنت، ومعايير سلسلة التوريد، والمسؤولية عن إنترنت الأشياء، والعمليات الانتخابية باعتبارها بنية أساسية محمية. وعلى نطاق أوسع، يمكن أن تصبح قواعد لقضايا من قبيل الجريمة وحرب المعلومات.

وهذه كلها من المواضيع التي يمكن أن تنظر فيها اللجنة الدولية الجديدة غير الرسمية المعنية بالاستقرار في الفضاء السيبراني، التي أنشئت في وقت مبكر من هذا العام وترأستها وزيرة الخارجية الأستونية السابقة مارينا كاليوراند.

وسيتطلب إحراز تقدم في الخطوات التالية لتشكيل القواعد المعيارية استخداما متزامنا للعديد من الأشكال المختلفة، سواء كانت خاصة أو حكومية. على سبيل المثال، شكل اتفاق 2015 بين الصين والولايات المتحدة للحد من التجسس السيبراني الصناعي اتفاقا ثنائيا تم تناوله لاحقا من قبل مجموعة العشرين.

وفي بعض الحالات، يمكن أن يؤدي تطوير القواعد بين الدول ذات التفكير المتشابه إلى جذب التزام الآخرين في مرحلة لاحقة. وفي مجالات أخرى مثل إنترنت الأشياء؛ قد تستفيد المعايير الأمنية من القيادة التي يقوم بها القطاع الخاص أو الجهات المعنية غير الربحية، في وضع مدونات لقواعد السلوك. ولا يحتاج التقدم في بعض المجالات إلى انتظار الآخرين.

وقد يكون نظام القواعد أكثر قوة عندما تكون الروابط غير ضيقة جدا، ومن شأن معاهدة الأمم المتحدة الشاملة أن تضر بهذه المرونة في هذه المرحلة. ويُعد توسيع المشاركة أمرا هاما لقبول القواعد، ولكن سيتطلب التقدم اتخاذ إجراءات على جبهات عديدة. وبالنظر إلى ذلك؛ ينبغي ألا يُعتبر فشل فريق الخبراء الحكوميين في يوليو/تموز 2017 نهاية للعملية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.