استثمار الأثر الاجتماعي يؤتي ثماره

Young migrants hang out at the CCAS (Community Centre for Social Action) reception centre in Sainte-Marie-La-Mer, next to Perpignan, Southern France, 04 November 2016. The migrants arrived following the recently demolished 'Jungle' migrant camp, after a massive operation to clear the settlement, in Calais.

تتسم الأفكار العظيمة بالندرة والتباعد، ويحدث التقدم عادة بشكل تدريجي شيئا فشيئا. ولكن أحيانا ربما يكون بوسع فكرة عظيمة -حتى وإن بدأت بشكل متواضع- أن تُحدِث تحولا تاما في نظرتنا لما هو ممكن.

في الأسبوع الماضي، اكتملت تجربة اجتماعية صغيرة -بدأت قبل عشر سنوات- لمساعدة ألفيْ شاب من الجانحين في بيتر بورو شرقي إنجلترا. والأمر الأكثر أهمية أن تجربة بيتر بورو أصبحت الضوء الموجه لمئات الملايين من الدولارات المستثمرة في الإصلاح الاجتماعي.

خلال حكومة حزب العمال الأخيرة، عملتُ مع واحد من أعظم رجال الأعمال ومحبي الخير -وهو السير رونالد كوهين- لإنشاء ما أصبح أول سند للأثر الاجتماعي في العالَم. فانطلاقا من قلقه إزاء معدل عودة الشباب إلى الجنوح، عمل السير رونالد وزملاؤه على إقناع مجموعة من المستثمرين بدعم برنامج إبداعي للتوجيه والدعم الشخصي المصمم بشكل فردي للشباب المفرج عنهم بعد احتجازهم.

كنا نريد لسند بيتر بورو للأثر الاجتماعي أن يثبت للعالَم إمكانية تعبئة الاستثمار الخاص للتصدي حتى للمشاكل الاجتماعية الأكثر تعقيدا واستعصاءً على الحل. ولهذا تعهدت الحكومة -وفقا للخطة التي وافقتُ عليها- بالدفع لحاملي السندات، إذا نجح المشروع في خفض معدلات عودة الشباب إلى الجريمة بنسبة 7.5%


كانت مبادرة سند الأثر الاجتماعي واحدة من آخر القرارات التي وقّعت عليها أثناء عملي في الحكومة
. وفي غضون شهر، نجح التمويل الاجتماعي -وهو مشروع اجتماعي آخر بدأه السير رونالد كوهين- في جمع خمسة ملايين جنيه إسترليني (6.6 ملايين دولار أميركي) من 17 صندوقا ومؤسسة لإطلاق السند.

وكان سند بيتر بورو للأثر الاجتماعي يموّل برنامج الخدمة الواحدة، وهو منظومة جامعة مصممة لتلبية الاحتياجات المعقدة للجانحين لمساعدتهم في كسر حلقة الانتكاس والعودة إلى الجريمة.

وعلى مدار خمس سنوات من العمل، قدم برنامج الخدمة الواحدة دعم ما بعد الإفراج -لفترة تصل إلى 12 شهرا- لمجموعتين تضمان ألفا من السجناء الذكور الذين نفذوا أحكاما قصيرة بالسجن. وكانت المشاركة طوعية، ولكن المجموعة بالكامل أدرجت في قياس النتائج.

لم يكن أغلب شباب الألفين الذين تلقوا المساعدة من برنامج الخدمة الواحدة في بيتر بورو محتجزين فحسب، بل كانوا من أولئك الذين عادوا إلى الجريمة في مناسبات عديدة. ولم يبد أن أحكام الاحتجاز كانت رادعة على الإطلاق، ولكن العديد منهم كانت لديهم احتياجات ملحة لم يلبّها أحد.

كانت نسبة عالية منهم تعاني من تحديات الصحة العقلية وتعاطي المخدرات، وكثيرون منهم في احتياج إلى السكن، ويفتقرون إلى المهارات المناسبة للعثور على عمل، وكانوا عاجزين عن الحصول على دخل ومدينين للمقرضين، وهي صيغة أكيدة للعودة إلى الجريمة.

كان الاستثمار في هذا النوع الجديد من السندات مجازفة، ولكننا كنا نريد لسند بيتر بورو للأثر الاجتماعي أن يثبت للعالَم إمكانية تعبئة الاستثمار الخاص للتصدي حتى للمشاكل الاجتماعية الأكثر تعقيدا واستعصاءً على الحل. ولهذا تعهدت الحكومة -وفقا للخطة التي وافقتُ عليها- بالدفع لحاملي السندات، إذا نجح المشروع في خفض معدلات عودة الشباب إلى الجريمة بنسبة 7.5%.

ومن خلال العمل مع السكان المحليين في شراكة بيتر بورو الأكثر أمانا، نجح برنامج الخدمة الواحدة في خفض معدل العودة إلى الجريمة بين هؤلاء الجانحين -المحكوم عليهم بالسجن لمدد قصيرة- بنحو 9% أكثر من مجموعة السيطرة الوطنية.

ونتيجة لهذا، سيتلقى المستثمرون السبعة عشر في سند بيتر بورو للأثر الاجتماعي دفعة واحدة تمثل رأسمالهم الأولي، بالإضافة إلى مبلغ يمثل عائدا سنويا يزيد قليلا على 3% على فترة الاستثمار.

على طول الطريق، أثبتت بيتر بورو نجاحها للعالَم. واليوم تعمل سندات الأثر الاجتماعي على تعبئة 300 مليون جنيه إسترليني من الاستثمارات في مجموعة واسعة من المشاريع.

وتمول مثل هذه السندات جهود مساعدة اللاجئين الباحثين عن وظائف في الولايات المتحدة؛ ومساعدة المشردين، والشباب العاطلين عن العمل وكبار السن في المملكة المتحدة؛ والجهود الرامية إلى الحد من معدلات تسرب فتيات المدارس من التعليم في أجزاء من آسيا؛ والوقاية من مرض السكري في إسرائيل.

الحكومة عادة لا تدفع إلا في مقابل النجاح. والمفتاح إلى إطلاق العنان للتقدم الاجتماعي هو قياس الأثر بدقة -بما في ذلك فوائد الوقاية- وتحويل المكاسب الاجتماعية إلى عائد مالي، قادر على اجتذاب الاستثمار من أسواق رأس المال

وكما أوضح السير رونالد؛ فإن الحكومة لا تدفع إلا في مقابل النجاح. والمفتاح إلى إطلاق العنان للتقدم الاجتماعي هو قياس الأثر بدقة -بما في ذلك فوائد الوقاية- وتحويل المكاسب الاجتماعية إلى عائد مالي، قادر على اجتذاب الاستثمار من أسواق رأس المال.

وأنا الآن أعمل على مشروع جديد مع السير كوهين، الذي يعتقد أننا قادرون على جمع مبالغ ضخمة للاستثمارات التعليمية المطلوبة على وجه السرعة، بما في ذلك لصالح 30 مليون نازح ولاجئ من الأطفال. ولكن خطة كوهين أكثر جرأة من هذا، فهي تغطي مجال بالكامل المشاكل الاجتماعية التي هي في احتياج ماس إلى التحسين.

ويتوقع كوهين الوصول إلى نقطة تحول بحلول عام 2020، مع قدوم مليارات الدولارات على هيئة استثمارات جديدة في سندات قادمة من أكبر مئة مستثمر مؤسسي، وخمسين مؤسسة، وخمسين شركة خاصة.

وكما استجاب رأس المال الاستثماري -الذي كان السير كوهين من رواده في بريطانيا أيضا- لاحتياجات تمويل ثورة الدوت كوم قبل جيل واحد؛ فإن الاستثمار في الأثر الاجتماعي من الممكن أن يساعدنا في الوصول إلى المرحلة التالية من الإصلاح الاجتماعي المبدع.

وكما قال لي أحد المؤيدين قبل بضعة أيام؛ فإن الشخص الذي يبين لنا كيف يمكن الجمع بين خوض المجازفة طلبا للعائد المالي وتحقيق الأثر الاجتماعي لتغيير العالَم، يستحق جائزة نوبل للسلام.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.