عودة موسكو إلى أفغانستان من بوابة طالبان

FILE - In this Nov. 3, 2015 file photo, Afghan Taliban fighters listen to Mullah Mohammed Rasool, the newly-elected leader of a breakaway faction of the Taliban, in Farah province, Afghanistan. Senior members of the Afghan Taliban said on Thursday that a prominent figure within the militant group who had opposed its new leadership has now pledged his allegiance, helping to close divisions within the Taliban ahead of possible peace talks with the government. (AP Photo, File)

من العداء إلى الصداقة
إفشال الجهود الأميركية بأفغانستان
لعبة جيوسياسية غير نزيهة 

عززت روسيا علاقاتها مع حركة طالبان بشكل واضح في السنتين الأخيرتين. ويبدو أن الكرملين يرغب في العودة إلى أفغانستان من بوابة العلاقة مع طالبان ضمن لعبة معقدة ومتعددة الأهداف.

ويؤكد المسؤولون الروس -على أكثر من مستوى- أن موسكو تسعى إلى منع تنظيم الدولة الإسلامية من إعادة لمّ صفوفه في أفغانستان وبناء قاعدة له فيها بعد العراق وسوريا، ومنع تمدده إلى جمهوريات آسيا الوسطى ولاحقا إلى روسيا.

وينطلق صناع القرار الروس في بناء علاقاتهم مع طالبان من أن "عدو عدوي صديقي"، وهي قاعدة تنطبق على تقارب نظرة روسيا وطالبان من توسع فرع تنظيم الدولة في أفغانستان، وتكتسب دفعا إضافيا بسبب موقف الطرفين الرافض للوجود الأميركي وقوات حلف الناتو في أفغانستان.

من العداء إلى الصداقة
لم تمانع روسيا بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001 في توجيه ضربة أميركية لإسقاط حكومة طالبان. ولاحقا شاركت موسكو في تقديم مساعدات لوجستية في إطار التعاون مع الناتو ضمن برنامج تحسين الاقتصاد الأفغاني.

وحتى عام 2013، كانت موسكو تنتقد إشراك طالبان في العملية السياسية بحجة عدم تشجيع الإرهابيين، لكن الأحوال تغيرت عقب الأزمة الأوكرانية واشتداد الصراع بين روسيا والناتو، بسبب التدخل الروسي شرقي أوكرانيا، وضم شبه جزيرة القرم، وتراكم مشكلات توسع الناتو شرقا، ونشر منظومة الدرع الصاروخية في شرق أوروبا.

ينطلق صناع القرار الروس في بناء علاقاتهم مع طالبان من أن "عدو عدوي صديقي"، وهي قاعدة تنطبق على تقارب نظرة روسيا وطالبان من توسع فرع تنظيم الدولة في أفغانستان، وتكتسب دفعا إضافيا بسبب موقف الطرفين الرافض للوجود الأميركي وقوات حلف الناتو في أفغانستان

وبدأ المسؤولون الروس في انتقاد تفرد لجنة التنسيق الرباعية (أفغانستان، والصين، وباكستان، والولايات المتحدة) في تحديد مستقبل أفغانستان من دون إشراك روسيا وإيران.

وشرعت موسكو في الترويج لمشروعها الخاص بهدف الحصول على دور مستقل ومؤثر، عبر محاولة التقارب مع الحكومة الأفغانية الشرعية في كابل، واختار المسؤولون الروس دمج المساعدات الاقتصادية والوعود الاستثمارية مع بعض المساعدات العسكرية.

وفي نهاية ديسمبر/كانون الأول 2015 قال ممثل الكرملين الخاص لشؤون أفغانستان زامير كابولوف إن "تنظيم الدولة هو العدو الأول لموسكو وطالبان"، وأشار كوبولوف إلى أن "مصلحة طالبان تتوافق مع مصالحنا"، وكشف عن وجود قنوات اتصال لتبادل المعلومات مع الحركة.

وفي نهاية العام الماضي؛ أقر السفير الروسي لدى كابل ألكسندر مانتينسكي بوجود علاقات لبلاده مع طالبان التي سعت موسكو إلى تنظيم محادثات بينها وبين الحكومة الأفغانية. ودعت ممثلين عن البلدان المعنية بالأزمة إلى مؤتمر في موسكو، لكن الولايات المتحدة رفضت المشاركة، وكان تمثيل الحكومة الأفغانية متدنيا.

وتنذر تطورات الأوضاع في أفغانستان بتحول البلد إلى ساحة حرب بالوكالة بين واشنطن والناتو من جهة، وروسيا وإيران من جهة أخرى. ويمكن أن يفسر الانفتاح الروسي على طالبان بأنه دعم للحركة التي زادت حجم عملياتها ضد الحكومة الأفغانية والقوات الأميركية عام 2016 بنحو 35%، ونفذت عمليات "نوعية" استهدفت القوات الحكومية وأوقعت أعدادا كبيرة من الضحايا، وزادت مناطق سيطرتها على حساب الحكومة المركزية.

وتبرر موسكو التقاء مصالحها مع طالبان بأن الحركة تنظيم محلي ليست له طموحات بتشكيل دولة خلافة، عكس تنظيم الدولة الإسلامية وفرعه الأفغاني "ولاية خراسان" الذي يسعى إلى التمدد في آسيا الوسطى والعالم وإعلان الجهاد العالمي، مما يهدد المصالح الروسية والأمن العالمي برمته.

وتستند روسيا -في تبرير مخاوفها من تنظيم الدولة- إلى توسعه في شمال أفغانستان المحاذي لـ"خاصرتها الضعيفة" بآسيا الوسطى والقوقاز، وحسب تقرير للأمم المتحدة (صدر في سبتمبر/أيلول 2015) فإن مقاتلي التنظيم ينتشرون في 25 من أصل 34 ولاية أفغانية.

وقدر التقرير حينها عدد هؤلاء المقاتلين بنحو ثلاثة آلاف، لكن وسائل الإعلام المحسوبة على الكرملين تزيد العدد أضعافا. وتتجاهل موسكو التقارير عن علاقة طالبان بتنظيم القاعدة في أفغانستان الذي يضم مئات المقاتلين من جنسيات مختلفة.

إفشال الجهود الأميركية بأفغانستان
وفي حين تتهم موسكو واشنطن بأنها غير جادة في محاربة تنظيم الدولة، وأنها تسعى فقط للتمركز في أفغانستان وتقويض مواقع روسيا في آسيا الوسطى؛ ترّد واشنطن بأن موسكو تسلح طالبان وتعمل على زعزعة الأمن والاستقرار في أفغانستان.

الأرجح أن موسكو تراهن على التشويش على الولايات المتحدة وفرض دور أكبر لها في أفغانستان، وتسعى لإثبات فشل واشنطن في إحلال الأمن بأفغانستان بعد مرور نحو 17 عاما على غزوها، وأنها تواصل العمل على إخراج واشنطن خاسرة من أفغانستان كما خرج الاتحاد السوفياتي منذ عقود

من المؤكد أن لموسكو مخاوف أمنية، لكنها ربما تسعى إلى رد الصاع صاعين للولايات المتحدة التي دعمت الإسلاميين في حربهم ضد الاتحاد السوفياتي بعد غزوه أفغانستان (نهاية 1979)، وساهم دعمها لهم في خروج مذل للجيش الأحمر السوفياتي من البلاد، وهي خسارة كانت سببا مهما في انهيار الدولة السوفياتية.

وتكشف تصريحات رئيس الاستخبارات العسكرية الروسية الفريق إيغور كوروبوف -التي أدلى بها في مؤتمر الأمن السادس المنعقد بموسكو أواخر أبيرل/نيسان الماضي- عن جوانب من أسباب دعم روسيا لطالبان؛ إذ قال إن الحركة لعبت دورا ملحوظا في ردع تنامي نفوذ تنظيم الدولة بأفغانستان، متجاهلا في الوقت ذاته عمليات طالبان ضد القوات الحكومية.

ويحمل المسؤول الروسي واشنطن وحلفاءها المسؤولية عن "الإخفاق في تحقيق تقدم على صعيد مكافحة الإرهاب بأفغانستان". ويقول إن "الجيش الأفغاني -رغم تفوقه عدديا على المسلحين المتشددين- غير قادر على تحقيق اختراق في الوضع الأمني، بسبب ضعف تدريبه والوضع الاجتماعي والاقتصادي المتأزم في البلاد بشكل عام".

لكن اللافت هو إشارة كوروبوف إلى أن حركة طالبان ترفض "تقاسم النفوذ" مع تنظيم غريب عنها أيديولوجياً، وترغب في إبقاء سيطرتها على تهريب المخدرات وغيرها من موارد التمويل غير الشرعية. مما يطرح أسئلة حول علاقة روسيا بتنظيم مسلح يموّل نشاطه من تجارة المخدرات ويحارب الحكومة المركزية في كابل.

 والأرجح أن موسكو تراهن على التشويش على الولايات المتحدة وفرض دور أكبر لها في أفغانستان، وتسعى لإثبات فشل واشنطن في إحلال الأمن بأفغانستان بعد مرور نحو 17 عاما على غزوها، وأنها تواصل العمل على إخراج واشنطن خاسرة من أفغانستان كما خرج الاتحاد السوفياتي منذ عقود. إضافة إلى إعطاء إيحاء بأنها قادرة على تحقيق سلام بين الفرقاء عجزت عنه واشنطن لسنوات.

لعبة جيوسياسية غير نزيهة
واضح أن موسكو تتعامل مع الملف الأفغاني من جوانب تتعدى محاربة تنظيم الدولة. ولا يمكن أن نغفل عن أهداف أخرى لموسكو تتمثل في الضغط على الناتو ومنعه من إكمال تطويق روسيا، حتى ولو كان ذلك بالتحالف مع طالبان.

وكذلك الضغط على الولايات المتحدة والناتو في حال تبني قرار بالتدخل في سوريا لدعم الثائرين على حكم بشار الأسد، أو توجيه ضربات مؤلمة للنظام. ومؤكد أن موسكو تسعى لأن تكون لاعبا مهما في أفغانستان لتملك ورقة إضافية تشهرها في الصراع المتصاعد مع الغرب منذ 2014، والذي ازداد بعد التدخل العسكري الروسي في سوريا.

موسكو استفادت من انكفاء إدارة الرئيس السابق باراك أوباما فوسّعت نفوذها في آسيا الوسطى وأفغانستان، لكن أفضل ما تبحث عنه في ظل إدارة رونالد ترمب هو صفقة شاملة تستخدم فيها جميع الأوراق لرفع العقوبات الاقتصادية المفروضة بسبب الأزمة الأوكرانية، والاعتراف بضم القرم إلى روسيا

وكعادتها تبرع موسكو في خلط الأوراق والتدخل دون وجود إستراتيجية متكاملة؛ فهي تدعو إلى مفاوضات بين الحكومة وطالبان رغم زيادة عمليات الأخيرة ضد الحكومة، وإعلانها منذ أيام إطلاق هجومها الربيعي السنوي، وتأكيدها أن "الهدف الرئيس لعملية منصوري سيكون القوات الأجنبية وبنيتها التحتية العسكرية والاستخبارية، والقضاء على مرتزقتها المحليين (قوات الحكومة الأفغانية)".

وربما يعلم صناع القرار في الكرملين أن الوصول إلى اتفاق سلام بأفغانستان صعب في ظل مواقف طالبان المتشددة، وفي ذات الوقت لا يمكن الاستمرار في علاقات مع الحكومة الشرعية ومليشيات توسّع سيطرتها في البلاد، مما يصّعب دور موسكو في إنجاح أي مفاوضات للوصول إلى حل سياسي وإنهاء الأزمة، ويحدّ من قدرتها على لعب دور الوسيط النزيه بين الفرقاء.

وتعليقا على اتهامات واشنطن للكرملين بدعم طالبان ماليا وعسكريا؛ قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في 25 أبريل/نيسان الماضي "للأسف، هناك ألعاب جيوسياسية تدور حول أفغانستان لا علاقة لها بالاهتمام بمصير الشعب الأفغاني. وفي هذه اللعبة غير النزيهة هناك محاولات لاستغلال نزعات معاداة روسيا".

وفي التصريح المذكور أصاب لافروف كبد الحقيقة في جزء وجانبها في آخر؛ فالمؤكد أن هناك ألعابا جيوسياسية لا تهتم بمصير الشعب الأفغاني مثل دعم طالبان من قبل روسيا وإيران، رغم أنها تحارب الجيش الأفغاني، أو العمل على إفشال جهود الناتو والولايات المتحدة بأفغانستان بغض النظر عن الثمن الذي سيدفعه المواطنون الأفغان.

وأخيرا فإن الاهتمام بالأمن في روسيا وآسيا الوسطى يحظى بأولوية موسكو وهذا مبرر، ولكنّ غير المبرر وغير الإنساني هو توطيد هذا الأمن ولو على حساب ضرب الاستقرار الهش في أفغانستان وإشاعة القتل والفوضى عبر وكلاء داخلها.

وواضح أن موسكو استفادت من انكفاء إدارة الرئيس السابق باراك أوباما فوسّعت نفوذها في آسيا الوسطى وأفغانستان، لكن أفضل ما تبحث عنه في ظل إدارة رونالد ترمب هو صفقة شاملة تستخدم فيها جميع الأوراق لرفع العقوبات الاقتصادية المفروضة بسبب الأزمة الأوكرانية، والاعتراف بضم القرم إلى روسيا مقابل التخلي عن شرق أوكرانيا، وضمان خروج غير مذلّ في سوريا مع الحفاظ على مصالحها فيها.

ومما سبق؛ فإن أفغانستان لا تتعدى كونها ورقة من أوراق الصراع مع الغرب وإن اختلفت الحجج، ولا يمكن للنخب الروسية الحديث عن ألعاب جيوسياسية غير نزيهة مع استعدادهم لتدمير بلدان ودعم دكتاتوريات تمارس القتل، والتحالف مع أعداء الأمس لتثبيت دور روسيا العالمي الجديد، ودعوة الغرب إلى تغيير طريقة التعامل معها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.