مأمورية روحاني الأولى.. تقييمات وتوقعات

Iran's President Hassan Rouhani gestures as he speaks during a ceremony marking National Day of Space Technology in Tehran, Iran February 1, 2017. President.ir/Handout via REUTERS ATTENTION EDITORS - THIS PICTURE WAS PROVIDED BY A THIRD PARTY. FOR EDITORIAL USE ONLY. NO RESALES. NO ARCHIVE. TPX IMAGES OF THE DAY

وعود لم تُنجز
فرص السباق الانتخابي 

لولا تدخل هاشمي رفسنجاني وإقناعه محمد خاتمي بسحب مرشح الإصلاحيين محمد رضا عارف -من السباق الرئاسي عام 2013- لصالح مرشح الأصوليين المعتدلين حسن روحاني؛ لما استطاع الأخير الوصول إلى رئاسة الجمهورية بنسبة تصل إلى 50.7% من الأصوات.

عندما وصل روحاني إلى السلطة كان يواجه عدة مشاكل، أهمها التضخم الذي كانت نسبته تزيد على 45%، والعقوبات الاقتصادية المفروضة بإجماع دولي غير مسبوق.

وعود لم تتحقق
لكي يصل إلى السلطة؛ اضطر روحاني إلى إعطاء عشرات الوعود لحل المشاكل المختلفة للبلاد، بعضها خارج عن اختيارات رئيس الجمهورية في إيران، وهي الوعود التي رفعت سقف مطالب المجتمع الإيراني لاحقا.

وبمجرد تسلمه السلطة قام روحاني بتجميد الاقتصاد الإيراني عبر وقف ضخ الأموال الحكومية، ووقف تنفيذ معظم المشاريع الاقتصادية لكي يلجم التضخم، أملاً منه في أن يستطيع الوصول إلى اتفاق مع مجموعة القوى الدولية "1+5" خلال أشهر، وذلك للإفراج عن الأرصدة الإيرانية المجمدة في الدول الأخرى التي ستعيد تشغيل عجلة الاقتصاد.

وبما أن روحاني كان عضواً في اللجنة العليا للأمن القومي الإيراني؛ فقد كان يعلم أن قرار التفاوض للوصول إلى حل سياسي للموضوع النووي الإيراني تم اتخاذه مسبقا من قِبل مراكز القرار في البلاد، وعلى الرئيس المقبل أن يقوم بتنفيذ هذا القرار. وعليه فإنه كان يتصور أنه قاطع لنصف الطريق بمجرد وصوله إلى رئاسة الدولة.

عمليا لم تستطيع حكومة روحاني الوفاء بأكثر من 10% من عشرات الوعود التي قدمتها للمجتمع وخاصة الاقتصادية منها؛ فقد تحول تجميد الاقتصاد للجم التضخم إلى ركود اقتصادي لم تشهده البلاد في تاريخها، والوضع الاقتصادي لم يتحسن كما كان متوقعا

قامت المجموعة الإعلامية التابعة للحكومة بتصوير الوضع الاقتصادي للبلاد على أساس أنه على حافة الانهيار، ولا بد من الوصول إلى اتفاق مع مجموعة "1+5" لحل جميع الأزمات دون استثناء، الأمر الذي زاد توقعات المجتمع لنتائج الاتفاق النووي، وتطلعه لحل جميع المشاكل بمجرد التوقيع على الاتفاق النووي.

رمت الحكومة بجميع مشاكل البلاد على عاتق حكومة محمود أحمدي نجاد والأصوليين، وكلما واجهت مشكلة لا تستطيع حلها اتهمت الأصوليين بأنهم هم سبب هذه المشكلة، وأنهم يقفون عائقا أمام مساعي الحكومة لحلها، الأمر الذي أدى إلى نشوء عداوة كبيرة بين الأصوليين والحكومة.

طال أمد الاتفاق النووي -الذي كان متوقعا الوصول إليه خلال أشهر- حوالي ثلاث سنوات، تحطمت خلالها جميع عجلات الاقتصاد الإيراني بسبب الجمود الذي كان مفروضا عليه.

ورغم أن الاتفاق أدى إلى كسر العزلة الدولية التي كانت تعانيها إيران ورفع بعض العقوبات؛ فإن التوقعات بشأنه كانت كبيرة جدا، والعقوبات المصرفية التي كانت إيران تأمل رفعها لم ترفع عملياً، والقطاع المصرفي الإيراني -وكذلك بالطبع الاقتصاد- ما زال يواجه عقوبات وصعوبات شتى.

إضافة إلى ذلك؛ فإن العقوبات التي فُرضت على إيران أدت إلى إيجاد مجموعة باتت اليوم فاحشة الثراء، وهي قوية ومتنفذة جداً داخل البلاد وتستفيد من العقوبات عبر إيجاد طرق للاستدارة عليها وتبييض الأموال، وطبعا هذه المجموعة لا تريد تنفيذ رفع العقوبات عن إيران.

سرّعت الحكومة الإيرانية تنفيذ تعهدات إيران في الاتفاق النووي آملة أن يقوم الطرف المقابل بتنفيذ تعهداته أيضا، ويستطيع روحاني استغلال هذا الاتفاق في الانتخابات.

ولكن وبعكس التوقعات؛ لم تقم الولايات المتحدة بمجاراة إيران في تنفيذ الاتفاق النووي، وعليه فإن حكومة روحاني لم تستطع تنفيذ معظم المشاريع التي كانت تنتظر إبرام الاتفاق النووي.

وعمليا لم تستطيع الحكومة الوفاء بأكثر من 10% من عشرات الوعود التي قدمتها للمجتمع وخاصة الاقتصادية منها؛ فقد تحول تجميد الاقتصاد للجم التضخم إلى ركود اقتصادي لم تشهده البلاد في تاريخها، والوضع الاقتصادي لم يتحسن كما كان متوقعا.

أما بالنسبة للحريات العامة التي وعد روحاني بإتاحتها فإنه -كباقي المرشحين- لم يقم بتفسير طبيعة الحريات التي كان يقصدها، بل اكتفى بالعنوان العريض كي يستطيع تفسيره فيما بعد حسب مقتضيات الظروف.

فموضوع الحريات العامة يشمل مواضيع مختلفة وكثيرة يقوم كل شخص بتفسيرها على أساس معياره الخاص لهذه الحريات؛ ففي حين يرى البعض أنها "كل الحريات التي لا تتخطى حدود الشرع الإسلامي والموازين الاجتماعية"، يعتبر آخرون أنها "الحريات الاجتماعية الموجودة في الدول الغربية ويجب ألا تُحَدّ بالدين".

ويميل معظم الشباب الإصلاحي إلى التفسير الثاني، ولكن الرئيس روحاني شخصياً يميل إلى التفسير الأول للحريات العامة. وإضافة إلى ذلك؛ فإن قسما كبيرا من المواضيع المرتبطة بالحريات العامة تعتبر خارجة عن نطاق صلاحيات الحكومة في إيران.

يمكن القول إن روحاني حاول -خلال فترة رئاسته الأولى- ألا يحد الحريات العامة في جميع المجالات التي تتعلق بحدود عمل الحكومة على الأقل، وواجه معارضات من مجموعات صاحبة قرار أدت في النهاية إلى استقالة وزير الثقافة والإرشاد علي جنتي.

ومع أن روحاني لم يستطع تلبية مطالب قسم كبير من مؤيديه بالنسبة "للحريات العامة"؛ فإن أغلبيتهم يفضلون قبول الظروف الحالية بدل أن يواجهوا رئيس جمهورية لا يمكن التكهن بتفسيره للحريات العامة.

فرص السباق الانتخابي
وعلى هذا الأساس؛ فإننا إذا أردنا إعطاء صورة مصغرة للوضع الانتخابي الموجود، يمكننا القول إن الجمهور الإصلاحي -والجمهوري الأصولي عموما- لديهم ما لا يرضيهم بالنسبة للفترة الأولى من حكم الرئيس روحاني.

يمكن القول إن روحاني حاول -خلال فترة رئاسته الأولى- ألا يحد الحريات العامة في جميع المجالات التي تتعلق بحدود عمل الحكومة على الأقل، وواجه معارضات من مجموعات صاحبة قرار أدت في النهاية إلى استقالة وزير الثقافة والإرشاد علي جنتي

أما الأصوليون فيعتبرون اليوم أن هذه الظروف فرصة ذهبية لهم للعودة إلى سدة الحكم، لأن الإصلاحيين لا يجدون مرشحا إصلاحيا قويا يدعمونه في الانتخابات، وعليه فإنهم مضطرون لدعم روحاني في هذه الانتخابات.

الشارع الإيراني اليوم منقسم إلى عدة اتجاهات هي: الإصلاحيون المعتدلون، وصقور الإصلاحيين، والأصوليون المعتدلون، وصقور الأصوليين، والرماديون، وقسم معارض للانتخابات ككل.

بما إن انتخابات رئاسة الجمهورية في إيران تجرى بالتوازي مع انتخابات المجالس البلدية، والمؤكد أن المشاركة الشعبية ستكون كبيرة جدا، إذ إن أكثر من 230 ألف شخص مرشحون لانتخابات هذه المجالس في المدن والقرى.

الاتجاهات السياسية لديها تأثير كبير في المدن الكبرى، ولكن عادة في القرى والأرياف -وحتى المدن الصغيرة البعيدة من مراكز المحافظات- لا يصوت الناخبون على أساس التوجه السياسي للمرشحين، بل يصوتون على أساس معايير أخرى مثل القرابة العائلية أو الاجتماعية أو العشائرية أو الطائفية.

وإذا ما أردنا أن نجمل؛ فإن الرئيس روحاني اليوم يضمن دعم الإصلاحيين والأصوليين المعتدلين له في الانتخابات، أما صقور الأصوليين -وهم الأغلبية بين الأصوليين- فينافسونه فيها.

وبما أن صقور الإصلاحيين لا يملكون مرشحا قويا لهم ويخافون وصول الأصوليين إلى السلطة؛ فإنهم يقفون خلف الرئيس روحاني، ولكنّ قسما منهم يحسبون على رافضي التصويت. ولهذا نرى أن روحاني بدأ إستراتيجية الهجوم العنيف على بعض مراكز القرار في البلاد، لكي يستطيع إرضاء هؤلاء وبالتالي إقناعهم بالتصويت له. وكل هؤلاء إجمالا يشكلون حوالي 50% من الأصوات، وحوالي نصفهم يدعمون روحاني ونصفهم الآخر معارضون له.

أما القسم الذي من شأنه تغيير مسار الانتخابات في البلاد فيسمونه في إيران "الرماديون"، وهم الناخبون الذين ليس لديهم اتجاه سياسي معين، ويقررون التصويت لمرشح ما في آخر لحظة. والواقع أن المنافسة الانتخابية بين المرشحين هي اليوم لجلب آراء هؤلاء. وما يؤثر على رأي هؤلاء اليوم هو الأوضاع الاقتصادية، وحل مشاكل مناطقهم ومجتمعاتهم ومشاكلهم الشخصية، وفي النهاية موضوع الأمن.

معظم هؤلاء لا يهمهم الاتفاق النووي أو فتح العلاقات مع الدول الأخرى وإبرام العقود الاقتصادية معها، إلا إذا كانت هذه الأمور تؤثر على وضعهم الاقتصادي بشكل مباشر. فهم لم يحّسوا بتأثير إيجابي لنتيجة الاتفاق النووي والانفتاح على المجتمع الدولي، إضافة إلى أن عددا كبيرا منهم تضرروا بسبب تجميد الأوضاع الاقتصادية والركود الذي تلاه.

ولهذا فإن المجتمع الإيراني يواجه اليوم خيارين: الاستمرار في سياسة الحكومة الحالية والأمل في تغيير الظروف، أو تغيير اتجاه الحكومة.

ورغم أن الإصلاحيين لديهم عموما نفوذ أكبر بين الرماديين؛ فإن ضعف إنجازات حكومة الرئيس روحاني -مقابل التوقعات الكبيرة التي كان الشعب موعودا بها- يُعتبر اليوم المنافس الأكبر له في الانتخابات.

تشير معظم الإحصاءات إلى أن روحاني متقدم على منافسيه في الانتخابات كمرشح، ولكن جمع نسبة مؤيديه ومقارنتهم بمجموع معارضيه يعطينا صورة أخرى تفيد بأن الأصوليين متقدمون عليه في السباق، ولكن هؤلاء لن يمكنهم الحسم في الجولة الأولى إلا إذا جمعوا قواهم خلف مرشح واحد

ولهذا نرى أن عددا كبيرا من الرماديين بدؤوا يميلون إلى معارضي روحاني، وبات المرشحون مقتنعين بأن من يقوم بأشد الحملات ضد الحكومة سيكون بإمكانه كسب أكبر عدد من الأصوات الرمادية.

تشير معظم الإحصاءات إلى أن روحاني متقدم على منافسيه في الانتخابات كمرشح، ولكن جمع نسبة مؤيديه ومقارنتهم بمجموع معارضيه يعطينا صورة أخرى تفيد بأن الأصوليين متقدمون عليه في السباق، ولكن هؤلاء لن يمكنهم الحسم في الجولة الأولى إلا إذا جمعوا قواهم خلف مرشح واحد.

ومشكلة الأصوليين في تجميع قواهم خلف مرشح واحد تكمن في أن المرشح الأصولي إبراهيم رئيسي استطاع جذب تأييد مجمل المجموعات الأصولية وزعماء الأصوليين، في حين أن محمد باقر قاليباف ومصطفى ميرسليم جذبا عدد كبير من الرماديين. وليس هناك من ضمانة لأن ينسحب المرشحون الأصوليون جميعا لصالح مرشح واحد تتجمع الآراء المؤيدة لهم خلفه.

في الجبهة المقابلة؛ نجد أن إسحق جهانغيري أعلن أنه سينسحب لصالح رئيسه حسن روحاني، كما صرح مصطفى هاشمي طبا بأنه سيصوت له.

جميع الإحصاءات تشير إلى أن الانتخابات ستحسم في الجولة الثانية ولن يستطيع أي مرشح الفوز في الجولة الأولى، ولكن كل الأمور حاليا تعتمد على كيفية أداء المرشحين في الأسبوع الأخير قبل يوم الاقتراع، وما إن كان الأصوليون سيوّحّدون صفوفهم خلف مرشح واحد، أو سيستطيع الإصلاحيون تجييش ناخبيهم للحضور جميعا إلى صناديق الاقتراع.

ولهذا نرى روحاني يحاول تحريك الشارع الإصلاحي بخطابات رنانة ضد الأصوليين لجذبه إلى التصويت، ولكن هذا التصرف يمكن أن يؤدي إلى التهاب الشارع الإيراني وبالتالي تكرار حوادث عام 2009 (الحركة الخضراء)، وهو الأمر الذي حذّر منه أخيرا مرشد الثورة علي خامنئي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.