أي تفويض لتيريزا ماي؟

British Prime Minister Theresa May speaks during a joint press conference with Colombia President Juan Manuel Santos (not seen), in N10 Downing street in London, Britain, 02 November 2016. The President of Colombia Juan Manuel Santos and his wife are undertaking their first state visit from Colombia to Britain from 01 to 03 November.

رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي معروفة بثباتها على المبادئ. فهي سياسية حذرة ومنضبطة وابنة قس، ولذلك فهي لا تتلاعب بالحقيقة، كما أنها لا تخاطر بأشياء لا لزوم لها، ولا تبتعد عن منطقتها الآمنة التي تتكون من مجموعة صغيرة من المستشارين.

لذا فإنها عندما أصرت مرارا على أنها لن تجرى انتخابات قبل الموعد المقرر في عام 2020، كان يُعتقد أنها صادقة بلا تحفظ. لكنها دعت في الأسبوع الماضي إلى إجراء انتخابات عامة مبكرة في يونيو/حزيران القادم. وفي الحقيقة، كانت دعوتها مفاجَأة.

إن تغيير موقف ماي الملحوظ بدا بالتأكيد غير طبيعي، لكنه كان بالكاد قنبلة سياسية صنعها الكثيرون. والواقع أنها كانت -بطرق مختلفة- خطوة منطقية. وبعد كل ذلك، فقد أوضحت استطلاعات الرأي أن حزب المحافظين -الذي تتزعمه ماي- سيفوق حزب العمال المعارض بـ20 نقطة مئوية.

وليس مفاجئا أن يختار القادة البريطانيون عادة إجراء انتخابات مبكرة إذا كان فوز حزبهم بها هو الأرجح. ومن المتوقع أن تفوز ماي التي ستشارك حكومتها في مفاوضات صعبة مع الاتحاد الأوربي حول خروج بريطانيا منه. وحتى لو كان المرشحون مخطئون والانتخابات سهلة بالنسبة للمحافظين؛ فمن المرجح أن يكونوا على رأس القائمة.

ليس مفاجئا أن يختار القادة البريطانيون عادة إجراء انتخابات مبكرة عندما يكون احتمال فوز حزبهم بها هو الأرجح. ومن المتوقع أن تفوز ماي التي ستشارك حكومتها في مفاوضات صعبة مع الاتحاد الأوربي حول خروج بريطانيا منه

لقد شاركتُ مرة واحدة في قرار مماثل ذهب في الاتجاه الآخر. ففي عام 1991 وعندما كان جون ميجور رئيسا للوزراء؛ كنت المسؤول عن التخطيط للانتخابات في حزب المحافظين. وكنا قد انتصرنا في الحرب العراقية الأولى، وطُرد صدام حسين من الكويت.

وفي خضم هذا الانتصار العسكري العظيم -الذي لعبت فيه بريطانيا دورا مهما- حث معلقون ومؤيدون رئيس الوزراء آنذاك ميجور على الدعوة إلى الانتخابات، لكنه رفض.

لقد كان النصر في العراق نجاحا للمملكة المتحدة ولذلك لا ينبغي أن يغتصبه حزب سياسي، ولا حتى حزب رئيس الوزراء. كان هذا الموقف موقفا صحيحا، وعلى أية حال فاز حزب المحافظين في الانتخابات المقررة في العام التالي (1992).

وجهت ماي نداء مختلفا؛ وهي تقول إن قرارها جاء بسبب الانتقادات التي واجهتها من المعارضين في البرلمان حول المفاوضات الوشيكة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتريد تفويضا قويا "للتفاوض من أجل بريطانيا". وهذا يعني سحق من وصفتهم صحيفة شعبية -في خطاب شعبوي حارق حول البريكست- بـ"مخربي" المصلحة الوطنية.

لكن الحقيقة هي أنه في هذه اللحظة يمكن لماي الفوز في معظم البلاد. ويوجد الاستثناء الرئيسي داخل حزبها المنقسم بين أولئك المتعصبين لبريكست وقوى أكثر اعتدالا. وبتفويض شخصي أكبر، قد تستطيع ماي مواجهة معارضة المحافظين خلال المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي.

والسؤال هو: أي جانب سترغب في مواجهته؟ هل تريد أن تبعد مناصري اليمين "المدافعين عن بريكست صلب" والذين يفضلون عدم الاتفاق على الإطلاق؟ أم تريد أن تلتحق بالفريق الذي يعتزم تقديم تنازلات للاتحاد الأوروبي؟

أم أنها تريد أن تكون قادرة على التصدي لدعاة "بريكست لين" يشكل صفقة من شأنها أن تعطي الاقتصاد البريطاني -بتكلفة ما- أفضل فرصة ممكنة من حيث التجارة والابتكار والاستثمار؟

الحق يقال، لا أحد يعرف ما تريده ماي بالفعل أو على ماذا ستستقر. حتى الآن، لم تفصح عن أي شيء، أما حكومتها فتتحدث بشكل عام لا يصدق.

صرح نقاد بأن حكومة ماي تتمنى فوزا كبيرا في الانتخابات ليعطيها كامل الصلاحية في محادثات بريكست. إن حقيقة الأمر ستصبح أكثر وضوحا خلال الحملة الانتخابية، عندما نرى التفاصيل التي سيقدمها المحافظون بشأن أهدافهم التفاوضية

ويبدو أن الهدف هو تأمين أفضل شروط تجارة ممكنة، دون تقديم أي تنازلات بشأن حرية حركة اليد العاملة أو سلطة محكمة العدل الأوروبية. وكل من يعتقد أن هذا يعني أن بريطانيا ستحتفظ بنفس المزايا التي تتمتع بها بوصفها عضوا في الاتحاد الأوروبي سيتعرض لصدمة كبيرة.

عند هذه النقطة سيقوم النقاش السياسي بمواجهة الواقع الصعب. كل ما سيحدث في انتخابات المملكة المتحدة في يونيو/حزيران وكيفما بدت نتائج ولاية ماي؛ هو الواقع الذي لا يمكن تغييره والكامن وراء محادثات بريكست القادمة، وهو أن المملكة المتحدة يجب أن تتفاوض مع 27 دولة أخرى، وكلها لها اعتبارات سياسية داخلية خاصة بها تماما مثل بريطانيا.

وقد صرح نقاد بأن حكومة ماي تتمنى فوزا كبيرا في الانتخابات ليعطيها كامل الصلاحية في محادثات بريكست. إن حقيقة الأمر ستصبح أكثر وضوحا خلال الحملة الانتخابية، عندما نرى التفاصيل التي سيقدمها المحافظون بشأن أهدافهم التفاوضية.

لكن لا شك في أن الحكومة تأمل بشكل واضح أن تفوز بأغلبية كبيرة في البرلمان، أي ما يطلق عليه الصينيون "أصحاب أي شيء". وأيا كانت الصفقة التي تمكنت حكومة ماي من عقدها مع الاتحاد الأوروبي فإنها ستناسبها كثيرا.

لا أعتقد شخصيا أن الأمور ستسير على هذا المنوال خلال السنوات القليلة المقبلة، ذلك أن تَوَجُّهَ "أي شيء" ليس قويا ولا مستداما. وبغض النظر عن الولاية الانتخابية التي قد تؤمنها ماي في يونيو/حزيران، فإنها إذا انتهت بعقد اتفاق بريكست سيئ، أو دون التوصل لأي اتفاق على الإطلاق، فإنها وحكومتها -ناهيك عن الاقتصاد البريطاني بأكمله- ستكونان في حالة سيئة جدا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.