مواجهة ترمب وشي الإستراتيجية

A combination of file photos showing Chinese President Xi Jinping (L) at London's Heathrow Airport, October 19, 2015 and U.S. President Donald Trump posing for a photo in New York City, U.S., May 17, 2016. REUTERS/Toby Melville/Lucas Jackson/File Photos

لم يسافر الأباطرة الصينيون قط في العصور القديمة اٍلى دولة أخرى للقاء حاكمها الجديد؛ بدلا من ذلك، فإن هذا الحاكم أو مبعوثه، هو الذي يزور العاصمة الإمبراطورية الصينية لطلب التنصيب من "ابن السماء" (كان إمبراطور الصين قديما يعتبر نفسه "ابن السماء").

إن قطع الرئيس الصيني شي جين بينغ آلاف الأميال للقاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب في مارا-لاغو، بدلا من استقبال ترمب في المدينة المحرمة في بيكن، يوحي بأن الصين تعترف بوضعها كقوة أقل أمام الولايات المتحدة.
لكن هذا لا يعني أن هذه الحالة دائمة؛ بل على العكس من ذلك، قد يكون متوقعا أن الموقف الإستراتيجي للبلدين سيتغير بسرعة كبيرة إذا لم تقم الولايات المتحدة بالمزيد من أجل الحفاظ على أولويتها العالمية.
وقد استمرت المناقشات حول ازدهار الصين وتراجع الولايات المتحدة نسبيا منذ عقد تقريبا، لكن الفكرة القائلة بأن الصين ستحل محل الولايات المتحدة كقوة عالمية مهيمنة لم تعتبر معقولة -سواء من قبل الصينيين أو المراقبين في جميع أنحاء العالم- حتى وصل ترمب إلى الرئاسة.
ويمكن تعزيز هذا التصور الجديد في مارا لاغو. وعلى الرغم من أن هذا الحدث قد تم تقديمه كمناسبة ليتعارف الزعيمان شخصيا، إلا أن ترمب يتوقع أن يكون قد طرح ثلاث قضايا رئيسية على الأقل: عجز أميركا التجاري الكبير مع الصين، البرنامج النووي لكوريا الشمالية، والنزاعات الإقليمية بين الصين وحلفاء الولايات المتحدة في بحر الصين الجنوبي.
ولا شك أن كل زعيم سيكون قد طلب من الآخر تقديم تنازلات بشأن هذه القضايا، حتى يتمكن من الظهور "كمنتصر" بعد القمة. يحتاج ترمب إلى نتيجة مواتية للتعويض عن الإخفاقات السياسية المحلية التي أدت إلى تآكل رأس ماله السياسي بشدة، وإلى انخفاض شعبيته إلى مستويات قياسية. كما يريد شي انتصارا دبلوماسيا لتعزيز مكانته السياسية قبل المؤتمر الوطني للحزب الشيوعي الصيني في نوفمبر/تشرين الثاني.
وفيما يتعلق بالتجارة، يريد ترمب تقليص الصادرات الصينية إلى الولايات المتحدة، بفرض رسوم جمركية أعلى على السلع الصينية والضغط على الشركات المصنعة الأميركية والدولية لنقل مرافق إنتاجها إلى أميركا. لكن من غير المحتمل أن ينجح ترمب في تحقيق هذا الهدف. فمن ناحية فرض رسوم جمركية على الواردات الصينية سيثير منازعات تجارية، وسيدعو ذلك إلى انتقام الصين، وسيضر الشركات الأميركية التي تخلق الثروة وتقدم منتجات بأسعار معقولة للمستهلكين الأميركيين من خلال بناء مرافق إنتاجية في الصين.
البديل الأفضل لترمب هو إقناع الصين باستيراد المزيد من الولايات المتحدة. لكن إجراء هذا التغيير سيستغرق وقتا بالنسبة للصين. أما بالنسبة للجانب الأميركي، فلا يمكن لترمب ببساطة إملاء حصص على الشركات التي يجب أن تتخذ قراراتها حسب ظروف السوق.
ومن ناحية أخرى، أشار ترمب إلى أنه قد يخفف موقفه من قضية التجارة إذا ما قدم الرئيس شي المساعدة في كبح طموحات النظام الكوري الشمالي. لكن شي -مع العلم أن لديه اليد العليا في قضية التجارة- لن يتأثر بسهولة. وبدلا من ذلك، سيعرض على الأرجح تعاون الصين مقابل قيام الولايات المتحدة بوقف نشر نظام الدفاع الصاروخي للمنطقة العليا للطائرات (ثاد) في كوريا الجنوبية.
وسيرفض ترمب هذا الاقتراح بلا شك. ومع ذلك قد يكون مبالغا في تقدير تأثير الصين على كوريا الشمالية. وأجرت هذه الأخيرة تجاربها النووية والصاروخية الأخيرة على الرغم من العقوبات الصينية التي أوقفت واردات الفحم من كوريا الشمالية وهي مصدر الدخل الرئيسي للنظام. وإذا كان لدى الصين سيطرة أقل على كوريا الشمالية عكس ما يفترضه الكثيرون، فمن غير المرجح أن يقدم شي أي تنازلات إستراتيجية لترمب لمواجهة التهديد النووي.
ونفس الشيء يمكن أن يقال عن قضية بحر الصين الجنوبي. حددت الصين طبيعة مطالبها الإقليمية هناك بالقول بأنها "مصلحة جوهرية"، مما يدل على أنها ستستخدم القوة للدفاع عن موقفها هناك. وانتقد بعض المراقبين الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما لكونه ظل متساهلا للغاية بشأن هذه القضية، فقد سمح للصين بتأكيد مطالبها دون رقابة على مدى السنوات الثماني الماضية. لكن من غير المحتمل أن يكون أوباما قد فعل أي شيء لوقف الصين دون المخاطرة بالنزاع الكبير مع قوة عظمى. ويرغب ترمب في وقف التجاوزات الإستراتيجية للصين في بحر الصين الجنوبي. لكن -وهو ما يتوقع أن يكون أكده اجتماعه مع شي- خياراته ستكون محدودة كما كانت خيارات أوباما.
ونظرا لهذه القيود، فإن ترمب سيفشل بالتأكيد في تحقيق النصر السياسي في القمة، وفي الوقت نفسه، يمكن أن يعود شي إلى بلاده منتصرا فقط من خلال الإصرار على موقفه. ومن شأن هذه النتيجة المرجوة أن تعزز الرأي القائل بأن الولايات المتحدة بدأت تفقد تأثيرها العالمي في الصين، وخاصة بالنسبة للمراقبين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ الذين شاهدوا ترمب ينبذ الشراكة عبر المحيط الهادئ ويوقف محور أوباما الإستراتيجي للمنطقة.

وبسبب الانقسامات العميقة داخل المجتمع الأميركي، فإن إدارة ترمب الانعزالية والمناهضة لليبرالية قد تفتقر بالفعل إلى رأس المال السياسي والتصميم على تأجيل -ناهيك عن عكس- التحول الهائل في القوة العالمية تجاه الصين. ولن يتحقق هذا التحول إلا بعد رئاسة ترمب، ما لم يتم إجراء تغييرات كبيرة للاحتفاظ بالأولوية العالمية المكلِفة التي اكتسبتها أميركا بمشقة النفس.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.