فرصة ترمب في آسيا

U.S. President Donald Trump and China's President Xi Jinping meet business leaders at the Great Hall of the People in Beijing, China, November 9, 2017. REUTERS/Damir Sagolj

يقوم الرئيس الأميركي دونالد ترمب بزيارته الرسمية الأولى لآسيا بعد عام من انتخابه. وتركز الجولة -التي تستمر 12 يوما في خمسة بلدان وتعدّ أطول رحلة خارجية لترمب حتى الآن- وفقا للإحاطات الرسمية على تخفيف الشكوك في موثوقية أميركا وزعيمها. وبالنظر للتحديات والإمكانات بالنسبة لواشنطن في آسيا، فإن هذا هدف غير طموح.

بدأ ترمب رحلته بتعزيز تحالفات أميركا مع اليابان وكوريا الجنوبية، وهي تحالفات سبق له أن أهملها واستخف بها، وخاصة خلال حملته الانتخابية. والهدف من ذلك هو دعم مطالبته بضرورة أن تفي الصين بتعهداتها في مجلس الأمن بتشديد العقوبات على كوريا الشمالية.

وبزيارته لفيتنام والفلبين يسعى ترمب إلى إقامة علاقات وثيقة مع كلا البلدين لدعم الجهود الأميركية الجارية لتحدي النفوذ المتزايد للصين في جنوب شرق آسيا. وكان لإدارة الرئيس السابق باراك أوباما نتائج متباينة في التنافس على النفوذ مع الصين. وقد أشار مسؤولو إدارة ترمب مؤخرا إلى أن الولايات المتحدة قد تضع -في مرحلة ما- إستراتيجية جديدة لمنطقة الهندوالمحيط الهادئ بأسره.

بعيدا عن السياسة الخارجية؛ يجب أن تقدم جولة ترمب الآسيوية بعض الأهداف الاقتصادية، إذ ترافق مجموعة كبيرة من قادة الشركات الأميركية وزير التجارة ويلبر روس إلى الصين، حيث يسعون لإبرام صفقات وتعزيز الأسواق المفتوحة، ومعالجة التجاوزات في التجارة الثنائية. وقد أشار المسؤولون الصينيون من جانبهم إلى أنهم سيعلنون عن اتفاقيات جديدة

وبعيدا عن السياسة الخارجية؛ يجب أن تقدم جولة ترمب الآسيوية بعض الأهداف الاقتصادية، إذ ترافق مجموعة كبيرة من قادة الشركات الأميركية وزير التجارة ويلبر روس إلى الصين، حيث يسعون لإبرام صفقات وتعزيز الأسواق المفتوحة، ومعالجة التجاوزات في التجارة الثنائية.

وقد أشار المسؤولون الصينيون من جانبهم إلى أنهم سيعلنون عن اتفاقيات جديدة، وسينظرون في فتح أجزاء من السوق الصينية المغلقة حاليا أمام الأطراف الخارجية. حتى الآن الأمور جيدة، ولكنها ليست جيدة بما فيه الكفاية.

تكشف المحادثات مع المسؤولين في جميع أنحاء المنطقة أن أصدقاء وحلفاء أميركا لم يتلقوا هذا النوع من الإحاطات الإعلامية المسبقة، التي تُستخدم عادة لتمهيد السبيل للسياسات والتعهدات الجديدة الهامة.

والأهم من ذلك، أن الإحاطة الإعلامية والبيانات في الفترة التي سبقت الرحلة لم تبد أي اعتبار للاتجاهات السياسية والإستراتيجية الرئيسية التي تتقارب الآن، وهي اتجاهات يجب أن تسترشد بها أية سياسة أميركية شاملة تجاه آسيا.

أول اتجاه من هذا القبيل يتمثل في تراجع النظام العالمي الأحادي القطب الذي تقوده الولايات المتحدة وساد منذ نهاية الحرب الباردة، وعودة منافسات القوى العظمى. وتتجه بلدان الصين وروسيا وأوروبا والشرق الأوسط جميعا نحو مسارات جديدة، ولم تعد أميركا قادرة على التأثير عليهم مثل السابق. إن إدارة ترمب في حاجة إلى التخلي عن الرضا عن الذات والسعي لبناء تحالفات تنافسية.

وسيتطلب القيام بذلك تأكيد ترمب ثقته في فوائد النظام الدولي الليبرالي -الذي تقوده الولايات المتحدة- التي تواجهها الصين وروسيا الآن. كما سيتطلب الأمر إبداء جدية زعامة ترمب عبر إقامة تعاون دولي، وخاصة في مجال التجارة.

تماما كما تراجع ترمب عن تشويهه سمعة الحلفاء الأوروبيين والآسيويين بأميركا؛ يجب أن يكبح رغبته في الحمائية والعمل من جانب واحد. ومن الناحية السياسية، يرغب ترمب في كسب الكثير بتزعمه تَصدّر الطريق نحو إبرام اتفاق جديد متعدد الأطراف للتجارة الحرة، أكثر من قيامه بذلك عبر السعي وراء الانعزالية والسماح للصين بتولي القيادة التجارية في آسيا.

يملك ترمب فرصة ذهبية للقيام بذلك؛ فرغم أنه سحب الولايات المتحدة من الشراكة عبر المحيط الهادئ في وقت مبكر من ولايته، فإن الشركاء الـ11 الباقين يعملون للحفاظ على معظم الاتفاق. لماذا لا نقف أمام الموكب من جديد ونظهر القدرة على القيادة في الأوقات المتغيرة؟

وفي الوقت نفسه، تحتاج إدارة ترمب لأن تكون أكثر طموحا في الضغط على الصين لمزيد من المعاملة بالمثل في الوصول للأسواق والمنافسة. وفي وقت سابق من هذا العام؛ أشاد ترمب بوعود الصين في هذا المجال، رغم تقديمها فعلا نفس الوعود لإدارة أوباما، لكنها لم تَفِ بها.

وتريد الولايات المتحدة الوصول إلى أسواق الخدمات المالية الصينية، ولكنها تبدو مستعدة لإيجاد تسوية -على الأقل حاليا- من أجل بداية جديدة في خدمات الأبحاث الائتمانية، وربما تسويق بطاقات الائتمان. وفي الوقت نفسه، تقود الصين العالمَ في مجال شركات التكنولوجيا المالية المزعجة (فينتيش)، بالدفع عبر الجوّالات عوضا عن بطاقات الائتمان.

على ترمب اغتنام هذه اللحظة لتأمين تعاون أكبر مع الصين في مواجهة التهديد الكوري الشمالي، جنبا إلى جنب مع كوريا الجنوبية. إن الصين ليست في وضع يمكّنها من وقف الأسلحة النووية وبرامج الصواريخ الباليستية في كوريا الشمالية. إلا أنه بإمكان بكين التعاون مع واشنطن لتضييق خيارات الشمال، وتقليل إمكانيات اندلاع الحرب في شبه الجزيرة الكورية بالتعاون السري

والاتجاه الرئيسي الثاني الذي يجب أن تطلع عليه إدارة ترمب في سياستها الآسيوية؛ هو تعزيز الرئيس الصيني شي جين بينغ لسلطته. فمن خلال عدم تعيين خليفة لشي، فإن المؤتمر الوطني التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني فتح الطريق أمامه لولاية ثالثة.

ومع تعزيز سلطته السياسية، أصبح شي الآن قادرا على ضبط موقفه بشأن القضايا الحساسة محليا، وفقا لمصالح الصين الطويلة الأجل واهتماماتها. إن اتفاق الصين الأخير مع كوريا الجنوبية على تطبيع العلاقات -بعد غموض دام أكثر من عام- قد يعكس تأثير تحرّر شي من تبعات سياسة خلافته.

وقبل المؤتمر الوطني التاسع عشر؛ أصرت الصين على معاقبة كوريا الجنوبية على السماح لواشنطن بنشر محطة دفاع نظام مضاد للصواريخ على أرضها. ولكن هذا النهج لم يجلب أي فوائد للصين؛ بل على العكس من ذلك، أضر بسمعة الصين في كوريا الجنوبية. والآن، تراجعت الصين بشكل كبير.

على ترمب اغتنام هذه اللحظة لتأمين تعاون أكبر مع الصين في مواجهة التهديد الكوري الشمالي، جنبا إلى جنب مع كوريا الجنوبية. إن الصين ليست في وضع يمكّنها من وقف الأسلحة النووية وبرامج الصواريخ الباليستية في كوريا الشمالية.

إلا أنه بإمكان بكين التعاون مع واشنطن لتضييق خيارات الشمال، وتقليل إمكانيات اندلاع الحرب في شبه الجزيرة الكورية، بالتعاون السري والتخطيط الطارئ الرسمي لمستقبل كوريا الشمالية. وعلى ترمب وشي أن يقدما نهجا نحو مثل هذا الحل الإستراتيجي.

كما هو الحال؛ يبدو أن ترمب يأمل إقناع النقاد بالعناوين الرئيسية المتعلقة بالإنجازات الصغيرة، ولكن هناك فرص تاريخية أمامنا، ورحلة ترمب إلى آسيا هي اللحظة المثالية لاغتنامها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.