خمس خطوات لتحقيق السلام في ميانمار

رجال من أقلية الروهينغا المسلمة - بينهم مسنون- أثناء انتظارهم توزيع بعض المساعدات الغذائية - 2 أكتوبر 2017.

أضرت الأزمة الإنسانية التي حلت بمسلمي الروهينغا في ميانمار بالاستقرار السياسي للدولة، وحطمت صورتها كبلد يتحرك صوب الديمقراطية، ولطخت سمعة زعيمة الحكومة (بحكم الأمر الواقع) أونغ سان سو تشي الفائزة بجائزة نوبل للسلام.

كما شككت هذه الأزمة في مؤهلات وكفاءات إدارة الأزمة لدى كل من رابطة دول جنوب شرق آسيا (آسيان) والأمم المتحدة، وأثارت السخرية من المؤسسات الدولية المعنية بمنع النزاعات.

لكن رغم كل هذه الظروف التي تنذر بالأسوأ؛ فإنه لا يزال الحل ممكنا وإن كان تحقيقه يستوجب الإسراع باتخاذ خمس خطوات دون تأجيل.

أولا وقبل كل شيء، يجب وقف عمليات القتل والأعمال الوحشية، وهو أمر صعب بقدر ما هو ضروري. فلقد تورط جيش ميانمار في حملة متواصلة من التطهير العرقي هدفها الرئيس طرد الروهينغا من البلاد. ورغم استحالة إصلاح ما وقع من أضرار، فإنه يمكن -بل وينبغي- وقف سفك دماء جديدة أو أعمال طرد أخرى موجهة.

ولكن لكي يحدث هذا، يجب كبح المتطرفين الروهينغيين. فعلى عكس الرواية السائدة في الغرب؛ جرى استفزاز جيش ميانمار بعد أن شن المتمردون سلسلة هجمات على مواقع للشرطة والجيش في أغسطس/آب الماضي. واستغل "جيش إنقاذ الروهينغا في أراكان" (أرسا) تاريخا من الصدامات المسلحة بين البوذيين والمسلمين في ولاية راخين (أراكان) ليتولى قيادة حملة متزايدة العنف.

يجب وقف عمليات القتل والأعمال الوحشية، وهو أمر صعب بقدر ما هو ضروري. فلقد تورط جيش ميانمار في حملة متواصلة من التطهير العرقي هدفها الرئيس طرد الروهينغا من البلاد. ورغم استحالة إصلاح ما وقع من أضرار، فإنه يمكن -بل وينبغي- وقف سفك دماء جديدة أو أعمال طرد أخرى موجهة

تكمن المشكلة بالطبع في الاستخدام غير المكافئ في القوة من جانب الجيش في رده على ضربات جيش إنقاذ الروهينغا، وذلك بإطلاقه حملة شعواء لحرق الأخضر واليابس أسفرت عن مقتل ما يصل إلى ثلاثة آلاف شخص. كما أحرق الجنود قرى بأكملها للروهينغا، وتورطوا في اعتداءات جنسية، ودمروا المساجد، وتسببوا في نزوح جماعي.

ويصف المفوض السامي للأمم المتحدة لحقوق الإنسان زيد رعد الحسين ما يجري في ميانمار بأنه "نموذج كلاسيكي لتطهير عرقي"، بينما وصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس الأزمة بـ"الكارثية".

وفي الوقت ذاته، أخفقت سو تشي في ممارسة أي سلطة معنوية، بل بدت وكأنها تبرر ما يجري وتدافع عنه، عندما أصرت على أن "جبل ثلج ضخما من المعلومات المضللة يروّج لمصلحة الإرهابيين".

وهي بالطبع محصورة بين جيش مستقل يحتفظ بالسيطرة الكاملة على الخدمات الأمنية في البلاد، وسكان غالبيتهم من البوذيين تتملكهم مشاعر متجذرة من التعصب والتحيز ضد المسلمين. إلا أن ورطة كهذه لا تبرر فشلها في إدانة ما يحدث أمام ناظريها.

لكن لا شك أن حكومة سو تشي تشعر بالاستياء من البيانات المثالية وغير الحيادية التي يُصدرها غالبا زعماء غربيون وممثلون للأمم المتحدة، ومبعث ذلك الاستياء احتفاظ متطرفي الروهينغا بصلات راسخة مع جهاديين من الخارج، من بينهم جهاديون في تنظيم الدولة الإسلامية.

ومما يعقّد موقف الجيش ما ذكرته مجموعة الأزمات الدولية من أن جيش إنقاذ الروهينغا يأتمر بأمر متمردين يقيمون في المملكة العربية السعودية، ويتمتعون بخبرات واسعة في حرب العصابات. وقليلون في الغرب يدركون التحديات التي يواجهها صناع القرار في الدول النامية التي تحارب تطرف المتمردين والإرهابيين.

هذه التحديات تحديدا هي ما صعّبت على ميانمار كسر دائرة العنف، حتى إن بنغلاديش والهند رفضتا إعادة توطين لاجئي الروهينغا بصورة دائمة، لخشيتهما في المقام الأول من أن يكون بين هؤلاء اللاجئين جهاديون. فقد رصدت وكالات الاستخبارات الهندية صلات بين جيش إنقاذ الروهينغا وجماعة لشكر طيبة الجهادية الباكستانية.

وبالمثل، دعمت حكومة الصين جهود ميانمار لحماية أمنها القومي، لا سيما أن الصين تستثمر 7.3 مليارات دولار في مشروع ميناء جديد براخين (أراكان) كجزء من مبادرة الحزام والطريق، مما قد يدفع الصين لاعتراض أي محاولة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لإدانة ميانمار على أفعالها.

هذه الشبكة المتداخلة والمعقدة من المصالح -مع فشل الحكومة أيضا- تعني أن مسؤولية حماية كل شعب ميانمار تقع على عاتق رابطة الآسيان أو الأمم المتحدة. وبمجرد أن تتوقف الأعمال العدائية، ستكون الخطوة الثانية -نحو ضمان سلام طويل الأجل- هي إعادة اللاجئين لأوطانهم، الأمر الذي قد يكون بمثابة كابوس لوجيستي.

محاكمة كل من ساعد على وقوع الأعمال الوحشية، إذ يجب على حكومة ميانمار أن تتولى هذا الأمر، أو تسمح لرابطة الآسيان أو الأمم المتحدة للقيام بذلك نيابة عنها، وذلك بفتح تحقيق مستقل وعادل في عمليات القتل وتحديد مرتكبيها وتقديمهم لمحاكمة تتسم بالشفافية والمصداقية. وإذا لم يمكن تنفيذ ذلك بالسلطات المحلية، فإنه تجب إحالة الأمر للمحكمة الجنائية الدولية

فوفقا لتقديرات الأمم المتحدة؛ فإنه عبر نحو 700 ألف من لاجئي الروهينغا إلى بنغلاديش في نهاية سبتمبر/أيلول، مع وصول أكثر من نصفهم منذ أواخر أغسطس/آب. وقد قام جيش ميانمار بزرع الألغام على الحدود مع بنغلاديش لمنع اللاجئين من العودة.

وبناء على افتراض إمكانية معالجة قضيتيْ العنف واللاجئين، يجب على ميانمار السماح بوصول المساعدات الإنسانية الدولية إلى المناطق المتضررة. وتعدّ رابطة الآسيان -التي أظهرت قدراتها وإمكانياتها في أعقاب إعصار نارجيس عام 2008- في وضع جيد للمبادرة بتشكيل استجابة إقليمية، كما يمكنها أيضا التنسيق مع الأمم المتحدة بشأن إدارة أطقم الطوارئ.

أما الخطوة الرابعة فهي محاكمة كل من ساعد على وقوع الأعمال الوحشية، إذ يجب على حكومة ميانمار أن تتولى هذا الأمر، أو تسمح لرابطة الآسيان أو الأمم المتحدة للقيام بذلك نيابة عنها، وذلك بفتح تحقيق مستقل وعادل في عمليات القتل وتحديد مرتكبيها وتقديمهم لمحاكمة تتسم بالشفافية والمصداقية. وإذا لم يمكن تنفيذ ذلك بالسلطات المحلية، فإنه تجب إحالة الأمر للمحكمة الجنائية الدولية.

أخيرا، يجب على الحكومة -التي تقودها سو تشي- إلغاء أو تعديل كل القوانين التمييزية، وإنهاء التمييز الرسمي المعتمد من جانب الدولة ضد الروهينغا، التي تعد واحدة من أكبر المجموعات العرقية المشردة في العالم، حيث يبلغ عدد أعضائها 1.1 مليون شخص.

وقد جاء معظم أفراد هذه العرقية إلى ميانمار كجزء من توسع الإمبراطورية البريطانية بعد هزيمة ملك بورما عام 1826، ولكنهم ما زالوا يعتبرون مهاجرين بنغاليين غير شرعيين.

ولم يعترف قانون الجنسية الصادر عام 1982 بالروهينغا كواحدة من 135 مجموعة عرقية تنتشر في البلاد، كما أن إمكانية حصولهم على الرعاية الصحية والتعليم والتوظيف محدودة للغاية، ناهيك عن القيود المفروضة على حرية حركتهم.

لا يزال التحول الديمقراطي في ميانمار هشا، في حين تتنافس قضايا مثل العلاقات المدنية العسكرية، والفقر، والنمو الاقتصادي، والحوكمة على انتزاع الاهتمام. لكن يجب أن تُعطى الأولوية لوقف الأعمال العدائية وحل أزمة الروهينغا.

ويرسم التقرير الذي أصدرته في أغسطس/آب الماضي اللجنةُ الاستشارية بشأن راخين (أراكان) -التي يرأسها الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة كوفي عنان- طريقا محتملا للمضي قدما وتجاوز هذا الوضع.

لن تداوي هذه الخطواتُ الخمسُ كلَّ جرح أو تضع نهاية لكل مَظلمة، لكنها يمكن أن تساعد في تخفيف المعاناة بمنع وقوع المزيد من الأعمال الوحشية، وردع التطرف العنيف، وتحسين أمن الحدود. فربما كانت هذه أفضل نتيجة ممكنة في الوقت الحالي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.