إيران بلا رفسنجاني.. غياب الاعتدال هل يؤذن بأزمة؟

Former Iranian President Akbar Hashemi Rafsanjani, who is also a member of the Experts Assembly, waves to media as he registers his candidacy for the Feb. 26 elections of the assembly at interior ministry in Tehran, Iran, Monday, Dec. 21, 2015. (AP Photo/Ebrahim Noroozi)

أحسب أن النظام الإيراني لم يُصَب في أحد رجالاته -من بعد وفاة الخميني– كما أصيب يوم أمس بوفاة هاشمي رفسنجاني الذي يعتبر أحد أعمدة النظام، وعقدة الخاصرة لتيار الاعتدال السياسي ورأس الهرم فيه. وعندما نتحدث عن تيار الاعتدال فنحن نشير إلى النهج البراغماتي الذي سلكه رفسنجاني طوال حياته السياسية، التي حاول فيها قدر الإمكان سلوك سياسة الانفتاح والتواصل، وعدم النزوع إلى التصادم والاقتتال.

فهو صاحب سياسة إعادة بناء إيران من الداخل بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية، وهو صاحب سياسة إعادة الاندماج لفك عزلة إيران الخارجية، والتصالح مع المنظومة الدولية والإقليمية. وعليه يكمن أن يُعتبر الرجلَ الذي وضع اللمسات الأولى لتحول إيران من مسار الثورة إلى مسار الدولة، وهو المسار الذي لم يكتمل بعد.   

وتأتي وفاة رفسنجاني في وقت تتجهز فيه البلاد لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة التي ستجري في شهر مارس/آذار من هذا العام، وسط تكهنات بشأن قدرة التيارين الإصلاحي والبراغماتي على المحافظة على الزخم المطلوب لضمان التجديد للرئيس الحالي حسن روحاني لولاية ثانية، في ظل السعي الحثيث الذي يقوم به التيار المحافظ لانتزاع منصب الرئاسة، وذلك لتعويض خسارته في الانتخابات البرلمانية التي جرت مطلع العام الفائت.

رفسنجاني هو صاحب سياسة إعادة بناء إيران من الداخل بعد الحرب مع العراق، وسياسة إعادة الاندماج لفك عزلة إيران الخارجية، والتصالح مع المنظومة الدولية. ويكمن اعتباره الرجلَ الذي وضع اللمسات الأولى لتحول إيران من مسار الثورة إلى مسار الدولة

بشكل عام، هناك ثلاثة تيارات رئيسية تسيطر على المشهد السياسي في إيران: أولها التيار الوسطي/البراغماتي الذي اكتسب زخماً كبيراً مع فوز هاشمي رفسنجاني بالرئاسة بُعيد انتهاء الحرب مع العراق عام 1989. وأصحاب هذا التيار لطالما شددوا على الكفاءة في مقابل الأيديولوجيا، وعلى البراغماتية في مقابل الأهداف السياسية السامية.

أما التيار الثاني فهو التيار الإصلاحي الذي برز على الساحة السياسية مع فوز الرئيس محمد خاتمي عام 1997. وتتركز دعوة هذا التيار على مطالب تتعلق بتعزيز المجتمع المدني وبناء مؤسساته، وتعزيز الحكومة الدستورية واحترام القانون، والاعتراف بإرادة الشعب كأهم مصدر من مصادر السلطة.

وأخيرا هناك التيار المحافظ الذي يتناوب فيه اتجاهان يتمثلان في الاتجاه المحافظ التقليدي (Traditionalists) والاتجاه المتشدد (Hardliners)، ويمكن أن يضاف إليهما اتجاه المحافظين الجدد (Neo-conservatives) الذي ظهر بشكل كبير على الساحة السياسية مع فوز الرئيس محمود أحمدي نجاد. ويؤمن هذا التيار بالسلطة المطلقة للمرشد الأعلى وللنظام على سيادة الشعب.  

وقد مثل فوز الرئيس الحالي حسن روحاني عام 2013 انتصاراً للتيارين البراغماتي والإصلاحي، حيث حصل روحاني على الدعم الكامل من رفسنجاني على وجه الخصوص، واعترف صراحة بتقاربه الكبير معه رغم التكلفة السياسية التي كانت ستترتب على ذلك، خصوصاً في تلك المرحلة التي لم يكن مرضياً فيها عن رفسنجاني بشكل كبير من قبل مؤسسة النظام، بسبب موقفه الملتبس من أحداث الحركة الخضراء عام 2009.

تاريخياً، كان روحاني يقف على اليمين من رفسنجاني؛ فالرجل لم يكن إصلاحياً بالمعنى التقليدي، كما أنه لم يكن محافظاً. وكان قريباً جدا من تيار الاعتدال الذي يمثله رفسنجاني بالرغم من محاولاته الدائمة البقاء أيضا على مسافة منه إلى حد ما.

غياب رفسنجاني سيجعل إعادة انتخاب روحاني مهمة صعبة ومحفوفة بالمخاطر، لا سيما إذا أضيفت إليه عوامل أخرى مثل تعثر الاقتصاد، وفوز دونالد ترمب الذي من شأنه أن يعيد العلاقة مع إيران إلى مربع المواجهة

ولا شك أن الرئيس روحاني سيفقد بوفاة رفسنجاني واحداً من أبرز وأقوى الداعمين له، خصوصاً أنه رحل في توقيت حرج يقترب فيه موعد الانتخابات الرئاسية، وتشتد الهجمة المضادة التي يشنها التيار المحافظ من أجل إضعاف موقفه الانتخابي لانتزاع كرسي الرئاسة، وذلك من خلال إثارة قضايا الفساد والطعن في سجل إنجازاته السياسية والاقتصادية في فترة ولايته الأولى التي شارفت على الانتهاء. 

وبلا شك فإن غياب رفسنجاني سيجعل إعادة انتخاب روحاني مهمة صعبة ومحفوفة بالمخاطر، لا سيما إذا أضيفت إليه عوامل أخرى مثل تعثر الاقتصاد، وفوز دونالد ترمب الذي من شأنه أن يعيد العلاقة مع إيران إلى مربع المواجهة، وزيادة ثقة التيار المحافظ بنفسه من خلال الإنجازات العسكرية الخارجية، وحرص المحافظين على تولي زمام الرئاسة في الفترة القادمة في ظل الحديث عن تدهور صحة المرشد الأعلى علي خامنئي وعملية التحضير لخليفته، الذي يسعى التيار المحافظ لأن يكون من ضمن الدائرة المحافظة المغلقة.

وحتى في حال انتخاب روحاني مجددا فإنه سيكون في وضعية أضعف مما كان عليه في ولايته الأولى، وهو ما يفتح المشهد أمام أزمة داخلية ربما ستواجهها إيران في السنوات الأربع القادمة، وتتمثل في كيفية المحافظة على صلابة الجبهة الداخلية وعدم انفلاتها والسقوط في الفوضى.

فالأنظمة الأيديولوجية -كما يجادل فرانسيس فوكوياما– لا تسقط بالعوامل الاقتصادية أو السياسية فقط، وإنما وبشكل أساسي بالعامل النفسي الذي يتمثل في انفكاك المجتمع عن الأيديولوجيا التي يعتنقها، والتي أصبح لا يرى فيها مجالاً لتحقيق ذاته عملياً.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.