موجة المهاجرين القادمة

IDOMENI, GREECE - AUGUST 22: Migrants search for shelter from heavy rain within an area near the border between Greece and Macedonia on August 22, 2015 in Idomeni, Greece. Macedonian special police forces have blocked a main illegal crossing point on the border between Greece and Macedonia in the town of Idomeni. A state of emergency has been declared as several thousand illegal immigrants have been blocked in a no-man's land between the two countries without water and basic living necessities.

تخيل أنك مزارع وتبددت محاصيلك الزراعية بسبب تقلبات أنماط الطقس، ومياه الآبار مالحة جدا وغير صالحة للشرب، والأرز مكلف للغاية في السوق. فأصبحت مضطرا لمغادرة البلاد بحثا عن حياة أفضل.

الملايين من الناس في المجتمعات الفقيرة -بجميع أنحاء العالم- لا يتخيلون مثل هذا السيناريو، بل يعيشونه الآن بسبب تغير المناخ والخسائر الكبيرة الناجمة عنه وغير المتوقعة. ومن المرجح أن يرتفع عدد ضحايا هذه الوضعية القاسية نظرا للآثار السيئة لتغير المناخ.

ولكن العالم سيكون أقل استعدادا من أوروبا لاستقبال مهاجري المناخ في المستقبل، مقارنة بالموجة الحالية منهم والتي جاءت من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

وسينتقل معظم مهاجري المناخ داخل حدود بلدانهم، ولكن الآخرين لن يكون لهم أي خيار سوى اللجوء إلى الخارج. وإذا ارتفعت مستويات سطح البحر بمقدار متر واحد أو أكثر فقد يضطر سكان المحيط الهادئ والجزر إلى الهجرة.

وإذا تم التخطيط للهجرة جيدا وإدارتها بشكل فعال، فيمكنها أن تساعد الناس على التكيف مع مثل هذه التهديدات. وفي حالة تعذر ذلك، فإنه يمكن أن يُوَلّد أزمات إنسانية.

السياسات الحالية المتخذة بشأن اللاجئين غير كافية، والبلدان الأصلية والمستقبِلة في حاجة ماسة لجعل عملية الهجرة أسهل وأكثر أمانا للناس، أو مساعدة الآخرين للمكوث في بلدانهم إذا كانوا لا يستطيعون الهجرة أو لا يرغبون في الرحيل

وعموما، السياسات الحالية غير كافية، والبلدان الأصلية والمستقبِلة في حاجة ماسة لجعل عملية الهجرة أسهل وأكثر أمانا للناس، أو مساعدة الآخرين للمكوث في بلدانهم إذا كانوا لا يستطيعون الهجرة أو لا يرغبون في الرحيل.

وسيكون تغير المناخ أحد العوامل العديدة التي ستغذي موجات الهجرة القادمة. على رغم أنه ستتزايد صعوبة التمييز بين الناس الفارين من المخاطر البيئية والنازحين لأسباب أخرى، ونحن نعلم أن المناخ سيلعب دورا أكبر في الهجرة، وكذلك العوامل البيئية والكوارث الطبيعية مثل الأعاصير التي تهدد سبل عيش المزيد من الأهالي.

معظم السكان المهددين يعيشون في آسيا التي تتعرض بشكل فريد لتأثيرات تغير المناخ. وتسعة من البلدان العشرة التي يعيش فيها الناس بالمناطق المنخفضة عن مستوى سطح البحر (ويواجهون تهديدات الفيضانات والعواصف والملوحة وانجراف التربة) هي في آسيا، وذلك بسبب الهجرة الجماعية إلى المدن الكبرى في العقود الأخيرة.

وتتوقع دراسة حديثة أن يرتفع عدد سكان هذه المناطق المنخفضة في آسيا فيتضاعف بحلول عام 2060 إلى 983 مليون نسمة، ارتفاعا من مستواه المنخفض في عام 2000، وبذلك سيمثل 70٪ من مجموع عدد سكان هذه المناطق في العالم.

وفي أماكن أخرى بالمنطقة، تشكل ندرة المياه الناتجة عن انخفاض هطول الأمطار، والملوحة، وتراجع الأنهار الجليدية، والتصحر وتضرر أسهم المياه، وارتفاع أسعار المواد الغذائية والمياه تهديدا حقيقيا لسبل عيش الناس. وقد لا تتحقق هذه السيناريوهات الجذرية إذا نجح العالم في تخفيف آثار تغير المناخ.

ولكن ودون مجاملة أي بلد؛ يجب أن تستعد الدول الآسيوية خاصة لأسوأ السيناريوهات المحتملة، وأن تنفذ سياسات وطنية بعيدة النظر، مثل برنامج كيريباتي "الهجرة مع الكرامة" الذي توفر التعليم والتدريب المهني لمواطني الجزر المنخفضة بالمحيط الهادئ لتحسين فرص العثور على عمل لائق في الخارج.

وتتطلب الاستعدادات لأي سيناريو مستقبلي في آسيا بيانات أكثر اكتمالا للحكم على التأثير المحتمل وتوقيت الأحداث ذات الصلة بالمناخ، وتقييم تأثيرها على أنماط الهجرة.

وسوف تساعد البيانات الخاصة بكل بلد الحكومات المختلفة على صقل سياساتها. وهذا يشمل إحصاءات وطنية أكثر شمولا، والتي كثيرا ما تتجاهل المجتمعات المهمشة مثل سكان الأحياء الفقيرة.

وينبغي إجراء إحصاءات شمولية، تغذي قواعد بيانات وطنية لرصد التقدم المحرز وتحديد الفئات الضعيفة من السكان، ويتم نشرها في جميع أنحاء المنطقة. وعلى الحكومات تثقيف وتوعية مواطنيها حول آثار تغير المناخ، لإعداد أولئك الذين يرغبون في البقاء أو لا يستطيعون مغادرة البلاد.

وينبغي أن تحوز البلدان المصدرة للمهاجرين تقييمات وطنية لمخاطر الكوارث (بحيث يمكن التخطيط للخسائر المحتملة)، وخرائط للمخاطر الشاملة، ونظما للإنذار المبكر من الكوارث لطمأنة مواطنيها. كما ينبغي بناء المنازل الجديدة والطرق والجسور -وغيرها من البُنى التحتية مثل شبكات- المياه لتَحَمّل الطقس الشديد.

على الحكومات توفير امتيازات لأولئك الذين هاجروا، حتى يتمكنوا من إعالة أنفسهم في الخارج. وعلى البلدان المستقبِلة توفير فرص العمل الطارئة للعمال النازحين، وذلك بواسطة برامج العمل الموسمي كنموذج أستراليا ونيوزيلندا

وفي الوقت نفسه، على الحكومات توفير امتيازات لأولئك الذين هاجروا، حتى يتمكنوا من إعالة أنفسهم في الخارج. وعلى البلدان المستقبِلة توفير فرص العمل الطارئة للعمال النازحين، وذلك بواسطة برامج العمل الموسمي كنموذج أستراليا ونيوزيلندا.

ويمكن للبلدان المستقبِلة أيضا إنشاء مراكز العمل والتدريب للمهاجرين الجدد، إذ يفتقر كثير منهم إلى المهارات اللازمة للحصول على وظائف بالمدن، ويجب الاعتراف بمؤهلات من لديهم الخبرة، ومساعدتهم في العثور على عمل.

وسيكون من الضروري استثمار البلدان المستقبِلة في البنية التحتية المستدامة والخدمات الأساسية للوافدين الجدد. لكن مدناً تتردد في تقديم الخدمات، لأنها تخشى أن يؤدي ذلك إلى جذب مهاجرين جدد.

ويجبر هذا الموقف المهاجرين على العيش في الأحياء المهمشة، مما يخلق مشاكل أكبر. وأفضل نهج هو توجيه المهاجرين القادمين من المناطق الريفية المعرضة للخطر إلى المدن المتوسطة الحجم المجاورة والمجهزة بالخدمات اللازمة لاستيعابهم. وهذا بدوره سيمنع المدن الكبرى من النمو غير اللائق.

ومن شأن اتباع نهج شامل في هذا الإطار أن يساعد على جعل الهجرة جزءا من الحل لمشكلة تغير المناخ، وليس فقط أحد آثارها الضارة الأخرى. وسيحتاج العديد من الدول إلى التمويل الكافي لتنفيذ هذه الخطط.

وقد شجع اتفاق باريس حول المناخ في سنة 2015 هذا المنحى وأنشأ فريق عمل لمعالجة معضلة النزوح المتصلة بالمناخ. ويجب أن يكون واحدا من أهدافها الرئيسية ضمان آليات التمويل لقضايا الهجرة وإدراجها في عملية التكيف مع تغير المناخ.

الآن، نحن بحاجة إلى مناقشة هذه القضية الملحة بجدية على الصعيد العالمي. ونوعية السياسات والاستثمارات التي سيُتفق عليها اليوم هي التي ستحدد هل الهجرة الناجمة عن تغير المناخ ستكون نعمة أو نقمة وفوضى. علينا العمل الآن لإعطاء المجتمعات المحلية الضعيفة أملا في مستقبلها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.