عام 2017.. موسم فلسطيني مختلف

مدينة القدس

يزخر العام الميلادي القادم 2017 بمناسبات عديدة لها علاقة مباشرة بالقضية الفلسطينية، ويجدر بالشعب الفلسطيني وداعمي قضيته أن يتوقفوا عندها بأشكال تفاعلية مختلفة، مما يجعلها فرصة لنهوض نوعي مفصلي في العمل الكفاحي الشعبي المشروع، مع اختلاف البيئة السياسية والثقافية والاجتماعية التي يعيش أجواءها الفلسطينيون حيث كانوا في العالم، وليدخلوا معها إلى مستقبل يحققوا فيه مساحات انتصار للقضية في طريق استرداد الحقوق الكاملة.

فنحن أمام الذكرى الخمسين لضياع القدس واحتلال المسجد الأقصى التي تصادف أوائل يونيو/حزيران من العام القادم، والذكرى المئوية لإصدار وعد بلفور المشؤوم، الذي يحل في الثاني من نوفمبر/تشرين الثاني، ويأتي في الشهر نفسه، في التاسع والعشرين منه، ذكرى مرور سبعين سنة على إصدار القرار 181 لعام 1947 عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، والذي اصطلح على تسميته قرار التقسيم، وبموجبه أعطيت الشرعية الدولية لقيام الكيان الصهيوني. وفي 29 أغسطس/آب من العام نفسه نقف أمام مرور 120 عاما على انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول بقيادة ثيودور هرتزل 1897.

وفي التاريخ الحديث، وفي أحداث لم يسكن غبارها بعد، سيعيش الشعب الفلسطيني وخصوصا في الداخل الذكرى الثلاثين لاندلاع انتفاضة الحجارة في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 1987. وأقرب المناسبات حداثة وهي لم تنقض بعد، وممتدة بفصولها لغاية هذه الأيام الذكرى العاشرة لضرب حصار تام على قطاع غزة يونيو/حزيران 2007.

واضح من العناوين الستة للأحداث أنها ممتدة ومقسمة عبر التاريخ لأكثر من قرن من الزمان، ولها من أبعاد محلية وإقليمية ودولية، ولها طابع سياسي وقانوني وديني واجتماعي وثقافي واقتصادي، وهي مرتبطة بالتاريخ والجغرافيا في الوقت ذاته. ويدخل فيها الفعل الرسمي والشعبي، وكان لوقوعها جميعها جملة أثار رسمت المشهد الفلسطيني لغاية الآن.

ويزيد من أهميتها أن الذين صنعوا الأحداث ما زالوا فاعلين ومؤثرين، سواء كانوا أفرادا أو شعوبا، أو كانوا دولا ومنظمات دولية.

ليس سرا أن الكيان الصهيوني بكل طبقاته وشرائحه وأذرعه الدولية، قد بدأ الإعداد المبكر لإحياء المناسبات التي تخصه، وهو معني بها بشكل مباشر وأهمها خمسينية احتلاله القدس، ومحاولته الدؤوبة لتهويدها وتكريسها كعاصمة أبدية له. وكذلك مئوية وعد بلفور، وهنا محاولة لتجديد الوعد من الحكومة البريطانية الحالية وانتزاع مكاسب جديدة في هذا السياق، وهذا ما يدخلنا في دائرة الخطر من استصدار قرارات جديدة أو مبادرات لصالحه ترسخ جريمته على أرضنا وتعطيه مزيدا من الشرعية في المحافل الدولية.

وبهذه المناسبة فقد تم إنشاء مؤسسة صهيونية خاصة بإحياء خمسين سنة على الوجود الصهيوني في القدس.

ولهذا فالصوت الجمعي الفلسطيني في الداخل والخارج يجب أن يكون عاليا مدويا في أرجاء العالم، يصدح بالمطالبة بالحقوق ويدخل القضية في آفاق جديدة تجعل كل من شاركوا بالجريمة ضده يقفون ويحسبون حسابهم ويترددون في الإقدام على أية خطوات تآمرية جديدة.

نحن لا نتحدث عن مجرد أنشطة تقليدية تتوقف أمام الأحداث بدراسة أكاديمية تقرأ التاريخ، أو مهرجانات خطابية، وهو مطلوب ولا نقلل من أهميته، ولكن المأمول هو في نهضة شعبية فلسطينية شاملة وجامعة تجعل من عام 2017 وهذه المناسبات منصة انطلاق لفضاء فلسطيني جديد له تأثير نافذ على كافة الأصعدة، ويطرق جميع المجالات المشروعة المحتملة ويقف أمام أبواب النافذين في جميع أنحاء العالم.

وعندما نستحضر أن الفلسطينيين منتشرون في أكثر من مائة دولة في العالم، وحاز بعضهم جنسيات هذه البلاد وأصبحوا مواطنين واستقروا فيها وما زالوا مرتبطين بفلسطين كوطن وهوية، يعني هذا أن آفاق التحرك واسعة جدا.

فمثلا ونحن نتكلم عن القدس وذكرى خمسين سنة على ضياعها ووقوع المسجد الأقصى قبلة المسلمين الأولى في الأسر الصهيوني، فهذه المناسبة تعني الفلسطينيين والعرب والمسلمين في أنحاء المعمورة.

فبالإمكان الذهاب إلى مؤتمر إسلامي جامع يعيد صياغة المشهد الإسلامي المرتبط بالقضية كما فعل المرحوم الملك فيصل بن عبد العزيز حين دعا إلى مؤتمر إسلامي بعيد محاولة إحراق المسجد الأقصى عام 1969 تمخض عنه منظمة المؤتمر الإسلامي. بل وأكثر من هذا فهي مناسبة لإرجاع الأبعاد الحقيقية للقضية سواء على المستوى القومي العربي أو الأممي الإسلامي، بل ومن المهم إدخال إخوتنا المسيحيين الذين يؤمنون بفلسطين للفلسطينيين باعتبار المقدسات المسيحية في القدس.

ونسلط الضوء في هذه الذكرى أيضا على محاولات التهويد المستمرة ونطرح مشكلة الاستيطان الصهيوني غير القانوني والجدار العازل وطرد المقدسيين من أراضيهم. ويواكب هذا تحرك ميداني شامل في الداخل الفلسطيني لصالح القدس، والأفكار واسعة في هذا المجال. ولنتخيل لو أقيمت فعاليات في كل الدول الإسلامية بالتوازي لصالح القدس والمسجد الأقصى.

وأيضا في مناسبة القدس وفي الفضاء الرسمي العربي هناك ارتباط ما إيجابي بين ثلاث دول عربية مع المسجد الأقصى والقدس، وبإمكانها أن تأخذ المبادرة وتتصدر المشهد ومعها أي دولة عربية أخرى تؤمن بعدالة قضية القدس والأقصى، نعني هنا السعودية والأردن والمغرب. فلكل منها سببه لأخذ زمام المبادرة لإحياء خمسينية ضياع القدس وجعلها مناسبة للإعداد من أجل استعادة المقدسات.

وفي هذا الصدد فإن تخصيص الدورة الـ32 لمهرجان الإسكندرية للسينما 2017 عاما للقدس مبادرة تستحق الثناء والتقدير.

أما في مئوية وعد بلفور فالحديث هنا فيه إسهاب وتنوع ومجال للتحرك كبير، خاصة في الدائرة القانونية حيث الذهاب الفلسطيني إلى أروقة المحاكم الدولية وسحب بريطانيا إلى العدالة الدولية وتجريمها على إصدارها الوعد. هذا مهم وضروري وعاجل لقطع الطريق أمام أية محاولة من الحكومة البريطانية الحالية لإطلاق مبادرات جديدة.

بل وأكثر من هذا وضع الدول التي أجرمت بحق الشعب الفلسطيني أمام استحقاقات فعلها. وهنا يقع على الفلسطينيين في بريطانيا الدور الأهم بحكم المواطنة البريطانية، وبحكم حشر الحكومة البريطانية في مساحاتها، وأيضا قطع الطريق أمام أي تحرك صهيوني ضاغط لناحية مزيد من الدعم لحكومة الاحتلال من سياسيي لندن.

ونشير إلى أن الإعداد الرسمي البريطاني لإحياء مئوية وعد بلفور جاء على لسان رئيس الوزراء البريطاني السابق ديفيد كاميرون من أنه سيحيي الذكرى في كنف الجالية اليهودية البريطانية، وفاخرت أسبوعية جيويش كرونيكل اليهودية بهذا الخبر.

هذه الذكرى تحتاج لتحرك فلسطينيي شامل في القارة الأوربية للتذكير بالأذى الواقع على الشعب الفلسطيني من جراء هذا الوعد. ويمكن أن يقوم مؤتمر فلسطينيي أوروبا السنوي بدور محوري في هذا العنوان وبقية العناوين أيضا.

محاولة فرض النقاش مجددا في البرلمان الأوروبي بخصوص الوعد بطلب مراجعته لصالح الاعتذار للشعب الفلسطيني.

ما تم نشره من وجود نية لدى السلطة الفلسطينية بملاحقة بريطانيا يعد في الاتجاه الصحيح لو تمسك صاحب القرار الرسمي الفلسطيني بهذا النهج.

وفي الشأن الصهيوني أيضا والذكرى المشؤومة لانعقاد المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897، يحضرنا فكرة تحرك رمزي وسياسي لفلسطينيي النمسا وسويسرا، ثم عموم فلسطينيي أوروبا بحكم نشأة تيودور هرتزل في النمسا وكذلك انعقاد المؤتمر الصهيوني في مدينة بال السويسرية. ولو تم التنادي لانعقاد مؤتمر شعبي فلسطيني في أحد البلدين في ذات تاريخ انعقاد المؤتمر الصهيوني قبل 120 سنة. ويعلن بداية العودة الفعلية للاجئين.

وفي البعد الأممي ودور الجمعية العامة للأمم المتحدة في صناعة الكيان العبري وإعطائه شرعية عبر قرار 181 الصادر عنها عام 1947، يمكن أن يكون هناك دور محوري لمخيمات اللاجئين الفلسطينيين وبمساعدة الدول المضيفة لهم بإقامة أنشطة وفعاليات تجاه الأمم المتحدة والتذكير بالسخط الفلسطيني من جراء تلك الجريمة التي نتجت عنها مأساة اللجوء لغاية هذه اللحظة. مركز العودة الفلسطيني والمؤسسات المدنية الفلسطينية التي لها عضوية في الأمم المتحدة يقع عليها دور في هذا الصدد.

ثم جرح غزة النازف والذكرى العاشرة لحصار خانق عز نظيره في العصر الحديث.. قد نكون أمام فرصة حقيقة لمحاولة رفع الحصار الشامل عما يقرب من مليوني فلسطيني في القطاع. وهذا يحتاج إلى تكاتف كل مبادرات كسر الحصار، وأيضا الذهاب إلى الضغط السياسي على من لديه تأثير مباشر وغير مباشر على الأطراف المشاركة في إدامة هذا الحصار لعشر سنين.

ويأبى عام 2017 أن ينتهي إلا بذكرى أمل متجدد يعطي إيحاءات عديدة، وهي ذكرى 30 سنة على اندلاع انتفاضة الحجارة في الثامن من أكتوبر/تشرين أول 1987؛ فدلالاتها كثيرة وعظيمة، أهمها اندلاعها من رحم مخيمي جباليا وبلاطة في القطاع والضفة، مما يعني حضور قضية اللاجئين. وارتبطت بأطفال الحجارة فيما يعني الأجيال الجديدة ودامت لست سنوات، وهكذا كان أن دخلت انتفاضة شعبية فلسطينية تاريخ الكفاح الفلسطيني الذي لم ينقطع.

بدون مجهود شعبي فلسطيني منظم يعتمد التنسيق والحوار المباشر والتنادي لأنشطة محلية وعابرة للحدود وتوحيد الجهود والبحث في تعظيم الإمكانات لصالح فعل نافذ، لا يمكن أن نصل لتحقيق نتائج مرجوة على مستوى عدالة القضية، خاصة إذا ما استحضرنا شراسة العدو وعظم إمكاناته على الطرف الآخر.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.