الأوروبي الضروري لأوروبا

File photo of a migrant taking a selfie with German Chancellor Angela Merkel outside a refugee camp near the Federal Office for Migration and Refugees in Berlin, Germany, September 10, 2015. Time magazine named German Chancellor Angela Merkel its 2015 "Person of the Year" on December 9, 2015, noting her resilience and leadership when faced with the Syrian refugee crisis and turmoil in the European Union over its currency this year. REUTERS/Fabrizio Bensch/Files

لقد كنت في مالطا الخريف الماضي لحضور مؤتمر فاليتا عن الهجرة والذي حضره رؤساء دول وحكومات أوروبية وأفريقية. ولقد وجهت لي الدعوة بصفتي الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة المعني بالهجرة الدولية والتنمية.

وكما هو معتاد في مثل تلك المناسبات، كانت هناك صورة جماعية حيث تصادف وجودي إلى جانب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وقد اغتنمت هذه الفرصة لأهمس في إذنها قائلا إنه حسب رأيي فإنها تعد بطلة بسبب ما فعلته بالنسبة لقضية الهجرة، ولقد كان ردها بما معناه أنها كانت تفعل ما هو "ضروري بالنسبة لأوروبا".

مبادئ السيادة والتضامن المشترك تعبر عن الرؤية الأخلاقية التي تتناقض مع المبدأ القومي الذي كان سائدا بالماضي والملطخ بالعنصرية. وعندما جادلت ميركل بأن التكامل الأوروبي مهدد بسبب ردة الفعل السلبية للعامة على التدفق الهائل لهؤلاء الناس اليائسين فإن ذلك يعني أنها كانت تفكر بمصير الرؤية التي جاءت بعد المرحلة القومية

ومنذ ذلك الحين فكرت مليا بما فعلته ميركل، وما قالته ليس فقط آنذاك بل خلال الأشهر العديدة لأزمة الهجرة الأوروبية. لقد ذكرت ميركل أن هذه القضية في جوهرها أزمة وجودية لأوروبا وأكثر خطورة من الوضع المعقد للديون اليونانية، ولقد أشارت مرارا وتكرارا للالتزام الأخلاقي (والقانوني) الذي ندين به جميعا للاجئين.

إن جزءا كبيرا من العالم متفاجئ بأن المستشارة الألمانية تتكلم بهذه الطريقة. لقد كتب التيرو سبينيلي الفيدرالي الأوروبي الإيطالي الراحل أن العنصرية الألمانية التي حرضت على اندلاع الحرب العالمية الثانية يمكن أن تكون قد أسهمت فيها الدوافع الاقتصادية، ولكن لم تتسبب في حدوثها، فلقد جادل سبينيلي بأنه تاريخيا كانت "الفوضى اللامعقولة للمنظومة الدولية الأوروبية الأرضية الأصلح التي يمكن تخيلها من أجل التعبير الكامل عن العنصرية".

من الواضح أن هذه الأرضية المشبوهة تتضح مجددا في غياب الدعم لنظام الاتحاد الأوروبي المقترح للحصص المتعلقة بالمهاجرين، والذي سوف يخصص مهاجرين للدول الأعضاء على أساس معايير عادلة.

ومن الواضح أيضا من تعليقات ميركل وأفعالها أنها تريد أن تلعب دورا قياديا فيما يتعلق بهذه القضية، ليس فقط في ألمانيا ولكن في أوروبا بشكل عام. والواضح كذلك أن العديد من الأوروبيين (وغيرهم) يقدرون موقفها الشجاع والمبدئي. إن أوروبا بحاجة للقيادة ومؤسساتها تتطلب من الدول الأعضاء فيها -وخاصة الدول الأكثر قوة-أن تتعامل مع قضية تقع في قلب القيم والتي ندعي أننا نمتلكها.

غني عن القول إن مبادئ السيادة والتضامن المشترك التي تعزز التكامل الأوروبي تعبر عن الرؤية الأخلاقية التي تتناقض مع المبدأ القومي الذي كان سائدا بالماضي والملطخ بالعنصرية. وعليه فعندما جادلت ميركل بأن التكامل الأوروبي مهدد بسبب ردة الفعل السلبية للعامة على التدفق الهائل لهؤلاء الناس اليائسين، فإن ذلك يعني أنها كانت تفكر بمصير الرؤية التي جاءت بعد المرحلة القومية.

إن ميركل محقة في أن تشعر بالقلق بأن شعوب ودول أوروبا لم تعد راغبة في البقاء متحدة من خلال نظام مبني على أساس القانون والأخلاق، بما في ذلك تطبيق مبادئ الكرامة والمساواة الإنسانية على مسألة التزاماتنا تجاه اللاجئين.

إن الديمقراطية تتطلب أن يحترم السياسيون ناخبيهم ولكنْ هناك أعداد متزايدة من السياسيين الذين عادة ما يحترمون الآراء البغيضة للعامة تجاه اللاجئين ويتبنون ردود فعل وحشية تجاه أولئك الذين يسعون للحصول على ملجأ لهم في أوروبا.

إن التصريحات الصادرة عن بعض الحكومات وسط وشرق أوروبا توحي بأنها ترفض بشكل صريح الالتزام المنصوص عليه في معاهدة اللاجئين لسنة 1951، وقد ذكر البعض أنهم سوف ينظرون في تقديم اللجوء للمسيحيين فقط، ومثل هذا الخطاب بمثابة هدية لتنظيم الدولة

والآن في ردة فعل على الأزمة تتم إعادة إقامة الحدود في منطقة شنغن، والتي كانت رمزا قبل مدة ليست بالطويلة للوحدة الأوروبية وحرية الحركة لمواطنيها. ومن المؤكد أن الحدود الجديدة سوف تؤدي إلى خلق مخيمات لجوء ضخمة في دول مثل اليونان، كما يبدو أنه في مناطق أخرى يتم وضع اللاجئين في أماكن مغلقة، أما الدانمارك فتقوم بمصادرة "الأشياء الثمينة " من اللاجئين على الحدود من أجل المساعدة في تحمل نفقات "ملاذهم".

وفي الوقت نفسه فإن التصريحات الصادرة عن بعض الحكومات وسط وشرق أوروبا توحي بأن تلك الحكومات ترفض بشكل صريح الالتزام المنصوص عليه في معاهدة اللاجئين لسنة 1951، وقد ذكر البعض أنهم سوف ينظرون في تقديم اللجوء للمسيحيين فقط، ومثل هذا الخطاب هو بمثابة هدية لتنظيم الدولة الإسلامية.

إن ميركل تتبع تقليد والتر هالستاين (الرئيس الأول للسوق الأوروبية) الذي تكلم في إحدى المرات عن أوروبا "بدون تقسيمات عسكرية تعتمد على حكم القانون" ولكن حكم القانون في أوروبا لا يمكن أن يكون مثل المطعم حيث تختار الدول الأعضاء ما تشاء من قائمة القوانين التي ستطبقها.

إنه من الضروري أن تدرك جميع الدول الأعضاء وناخبوها أنه لا يوجد خيار عندما يتعلق الأمر بالطبيعة الملزمة للالتزامات القانونية ضمن الاتحاد الأوروبي: إما التقيد بالقانون الأوروبي أو الخروج. إن سلطة القانون الأوروبي تتطلب دعم الحكومات الوطنية والتنفيذ من قبل المحاكم الوطنية.

إن هذا لن يتحقق مع الأوروبيين الديماغوجيين، والأسوأ من ذلك مع سياسيي السلطة ضعيفي الشخصية الذين يستجيبون لغرائز الجماهير عوضا عن قيادتهم، وهذا ما توصلت إليه ميركل. ولهذا السبب هي تمثل الآن القيادة التي تحتاجها أوروبا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.